الاستبداد داء ابتلت وتبتلى به بعض الشعوب وهو أسوأ أشكال السياسة وأكثرها فتكاً بالإنسان وبغير الإنسان في المجتمع المحكوم بالظلم والطغيان مما يؤدي إلى التراجع في كافة مرافق الحياة ووجوهها والى تعطيل الطاقات وهدرها وإلى سيادة النفاق والرياء بين مختلف فئات الشعب حكاماً ومحكومين...
الاستبداد داء ابتلت وتبتلى به بعض الشعوب وهو أسوأ أشكال السياسة وأكثرها فتكاً بالإنسان وبغير الإنسان في المجتمع المحكوم بالظلم والطغيان مما يؤدي إلى التراجع في كافة مرافق الحياة ووجوهها والى تعطيل الطاقات وهدرها وإلى سيادة النفاق والرياء بين مختلف فئات الشعب حكاماً ومحكومين. والشعوب بمجملها كانت ولازال بعضها مستمر في التعرض للاستبداد الذي هو شعار حكومات الشرق الأوسط، المترسخ بأن العدل طريق التخلف والتأخر وإن الظلم والاستبداد طريق البناء والتقدم.
الاستبداد هو صفة للحكومة المطلقة العنان، ولقد ساد انحطاط الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية، مما جعل الإنسان فاقدا لحب وطنه لأنه غير آمن ولا يشعر بالاستقرار ومستعبدا ويود متمنيا لو سنحت له الفرصة للانتقال عنه، وما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة قدسية، غير ان الشعوب هي قوت المستبد وقوته، بهم وعليهم يصول وبهم على غيرهم يطول، والحكومة المستبدة تكون مستبدة في كل فروعها.
عانت المجتمعات العربية ولعقود طويلة من كل إشكال ومظاهر الاستعباد السياسي والاستبعاد الاجتماعي، واليوم هناك الكثير من هذه المجتمعات لا زالت تعاني، ولكن شكلهما قد يختلف هنا ويتشابه هناك، فالاستبعاد عن المشاركة السياسية، والحرمان من الموارد الاقتصادية، وعدم العدالة واللامساواة في توزيع فرص العيش على جميع أبناء المجتمع، تعد مؤشرات أيضا لوجود استبعاد اجتماعي، هذا علاوة على الفقر والحرمان المادي، وإن الفقر يختلف عن الاستبعاد وأن تشابه معه في بعض الوجوه، فهو قد يحصل لفئات كثيرة في المجتمع, وإن الاستبعاد والحرمان الاقتصادي المتراكم، قد يكون هو أحد أهم أسباب ثورات الربيع العربي.
أن أكثر شعوب الأرض المعانية من الاستعباد والاستبعاد هي الشعوب العربية، وتختلف هذه المظاهر من دولة لأخرى، وتتشابه في أحيان كثيرة، ولكن في المجتمعات العراقية والسورية والليبية واليمنية مظاهر الاستبعاد من إقصاء وإزاحة واجتثاث وتهجير تنوعت واختلفت وتميزت من حيث الممارسة والتطبيق والتمييز بين إفراد المجتمع، وغالباً ما يتم هذا الاستبعاد على أسس طائفية حزبية ومناطقية. وحتى مظاهر الاحتواء الاجتماعي قبيل مرحلة فوضى الشرق الاوسط كانت آلياتها وطريقة تطبيقا وتنفيذ ممارساتها تعد في حد ذاتها استبعاد اجتماعي وغالباً ما كانت تكون بشكل قهري، فالثقافات التي كانت مطبقه ومتسمة بنظم القمع والاستبداد وسياسات الفقر والتجويع وعسكرة المجتمعات هي مؤشرات كبرى لمظاهر الاستبعاد الاجتماعي الذي تطور تلقائيا بعد اجتياحها بالفوضى والإرهاب فتطور من حيث النوع والكم وتطورت وسائله وطرقه والتي أخطرها كان استبعاد الوجود.
إن مظاهر الاستعباد والاستبعاد تعددت وتنوعت ومست كافة فئات المجتمع، فالفرد داخل الجماعة يعاني، والجماعة داخل المجتمع تعيش في عزلة تامة، والمجتمع أصبح عبارة عن طوائف وأعراق وإثنيات متنافرة ومتقاتلة من أجل الحصول على المزيد من المكاسب وتحقيق مصالحها الضيقة وعلى حساب الأخر.
ولقد رصدت المجتمعات الغربية استراتيجيات وآليات لمحاربة الاستبعاد والتقليل من وطأة أعراضه، وتمثل دولة الرفاه وبديلها المعاصر الطريق الثالث نموذجان في هذا الصدد وهما يجمعان بين آليتين أساسيتين في تفعيل المجتمع المدني وترشيد رأس المال الاجتماعي, بيد أنه في المجتمعات العربية لم تنجح محاولات عديدة لاقتفاء أثر هذا النموذج أو غيره من التجارب الكثيرة لمكافحة الاستعباد السياسي ولا مكافحة الاستبعاد الاجتماعي، فهل يعود ذلك لاختلافات بنيوية أنتجتها سياقات تاريخية وثقافية مفارقة للتجربة الاجتماعية الغربية وللمجال الحضاري الذي صدرت منه المجتمعات العربية والذي صنع حاضرها وطبيعة تردي وقرف حالها الراهنة.
اضف تعليق