في يوم الخميس الموافق 2 نيسان/أبريل 2015 توصلت إيران ومجموعة (5+1) -الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا- في مدينة لوزان السويسرية إلى اتفاق إطاري نووي مع إيران بعد مفاوضات طويلة ومضنية حول ملفها النووي المثير للجدل على أن يتم الاتفاق على صيغة نهائية لهذا الاتفاق في مدة أقصاها الثلاثين من حزيران/يونيو القادم. وقد أفصح المفاوضون عقب إنهاء المفاوضات بينهم عن الخطوط العريضة لهذا الاتفاق، والتي تمثلت بما يأتي:
1- تخفيض مخزون اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب البالغ 10000 كيلو غرام إلى 300 كيلو غرام.
2- عدم تخصيب إيران لليورانيوم فوق معدل 3,67 % لمدة 15 عام على الأقل، وأن يكون التخصيب في موقع نطنز وليس موقع فوردو.
3- استمرار عمليات التفتيش الدولية لمنشآت إيران النووية لمدة 25 عاما.
4- تعهد إيران بعدم صنع البلوتونيوم بدرجة تسمح باستخدامه في صنع الأسلحة النووية في مفاعل آراك.
5- تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي الإيرانية من 19 ألف جهاز إلى 6104 جهاز في موقع فوردو، وتشغيل 5060 جهازا خلال العشر سنوات القادمة على أن تكون من أجهزة الجيل الأول، وإزالة أجهزة الجيل الثاني وعددها 1000 جهاز في موقع نطنز ووضعها تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية في العشر سنوات القادمة.
6- تعهد الدول الكبرى والاتحاد الأوربي برفع العقوبات الاقتصادية والحظر عن صادرات النفط الإيراني بشكل تدريجي يتناسب مع التزام إيران بالاتفاق النووي بصيغته النهائية.
7- بقاء العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران والمرتبطة بلمف الإرهاب وحقوق الإنسان والصواريخ طويلة المدى حتى مع توقيع الاتفاق النهائي.
ردود الافعال الدولية على إعلان الاتفاق الإطاري
إذا استثنينا الموقف الرسمي والشعبي الإيراني المبتهج بالاتفاق الإطاري، فقد أثار إعلانه موجة من ردود الأفعال الدولية المرحبة به. فقد عده الرئيس الأمريكي بأنه " اتفاق تاريخي" وشبهه باتفاقات بلاده مع الاتحاد السوفيتي السابق قائلا: "تلك الاتفاقات لم تكن مثالية ولم تزل جميع التهديدات، لكنها جعلت عالمنا أكثر أمنا، وهو ما ستفضي إليه الصفقة الجيدة مع إيران". وقال أيضا: إن الاتفاق يخدم "أمن الولايات المتحدة وحلفائها والعالم كله".
الملك سلمان بن عبد العزيز (ملك السعودية) قال بعد الاتفاق: بأنه "يأمل في أن يتم التوصل إلى اتفاق ملزم يؤدي إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم". بان كي مون (الأمين العام للأمم المتحدة) قال: إن هذا الاتفاق" قد يمكّن جميع الدول من التعاون بشكل عاجل للتصدي لكثير من التحديات الأمنية الخطيرة التي تواجهها". وزارة الخارجية الروسية قالت : "إن الاتفاق سيسهم بشكل كبير وإيجابي في تحقيق الأمن في منطقة الشرق الأوسط".
فيليب هاموند (وزير الخارجية البريطانية) قال: "من شأن التوصل إلى اتفاق شامل ضمن هذه المعايير (معايير إعلان لوزان) توفير ضمانات بأن هذا البرنامج سلمي. وبالمقابل سوف تستفيد إيران من رفع قدر كبير من العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة عليها، وذلك يشمل إلغاء صلاحية كافة قرارات مجلس الأمن الدولي". بوكيا أمانو (المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية) قال: "نعرب عن ارتياحنا وترحيبنا بالمعايير الرئيسة التي تم الاتفاق عليها من أجل خطة العمل الشاملة المشتركة".
وأبرز المواقف الدولية الرئيسة الممتعضة من الاتفاق كانت من إسرائيل والكونغرس الأمريكي. فقد عدت إسرائيل الاتفاق بأنه "بعيد عن الواقع"، وتعهدت -على لسان وزير شؤون الاستخبارات فيها- بمواصلة الضغط لمنع التوصل إلى اتفاق نهائي "سيئ". ورأى موشيه يعالون (وزير الدفاع الإسرائيلي) أن الاتفاق جعل "إيران أقوى وأغنى بدون مقابل، وسيكون الطريق أمامها ممهدا لصنع قنبلة نووية" حسب زعمه. وأضاف: إن "شروط الاتفاق تجعل الحرب أكثر احتمالا"، بل إن اسرائيل سارعت إلى عقد مجلس وزرائها المصغّر لتدارس الموقف بعد يوم واحد من الاتفاق، أي في يوم الجمعة الموافق 3 نيسان/أبريل.
أما المعارضة للاتفاق داخل الكونغرس الأمريكي، فقد عبر عنها ميتش ماكونيل (زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ)، الذي وجد أن الاتفاق يمثل تنازلا من إدارة أوباما لإيران، وقال في يوم الاثنين الموافق 6 نيسان/أبريل: "يجب على الإدارة أن تشرح للكونغرس والأمريكيين لماذا أدى اتفاق مرحلي إلى تخفيف الضغوط على إحدى الدول الأكثر دعما للإرهاب" حسب وصفه. كما أن الكونغرس الأمريكي يجري فيه الآن تحريك مقترح قانون باسم "كوركر - ميننديز" نسبة إلى مقدميه، وهم كل من: بوب كوركر (السيناتور الجمهوري)، وروبرت ميننديز (السيناتور الديمقراطي)، ومقترح القانون يفرض على الرئيس أوباما الرجوع إلى الكونغرس في أي اتفاق نهائي يتم التوصل إليه مع إيران، والإدارة الأمريكية رفضت المقترح وعدته سابقة خطيرة؛ لأن الاتفاقات من صلاحية السلطة التنفيذية.
نظرة تحليلية إلى الاتفاق وردود الأفعال المرتبطة به
النتيجة الإيجابية الأولية التي يخرج بها الباحث من تحليل النصوص المعلنة للاتفاق والمواقف الدولية المرتبطة به، هي:
- إن إيران استطاعت التوصل إلى اتفاق إطاري يضمن لها الاحتفاظ ببنيتها التحتية من الطاقة النووية السلمية وببرامج بحثها العلمية المرتبطة بهذا المجال، فضلا عن احتفاظها ببنيتها التسليحية التقليدية والنجاح في إخراجها من جدول المفاوضات.
- سيوفر الاتفاق فرصة جيدة لإيران في تنمية اقتصادها من خلال رفع العقوبات عنها بشقيها الاقتصادي والمالي وزيادة الاستثمار الأجنبي فيها والتبادل التجاري بينها وبين دول العالم.
- سيمكّن الاتفاق إيران من تنمية علاقتها مع الولايات المتحدة بشكل يخدم مصالحها القومية العليا، وهذا ما أدركه روبرت فيسك (كاتب بريطاني) عندما قال: إن الاتفاق يظهر إيران "كقوة رئيسة في الشرق الأوسط مرة أخرى، ويمهد لاستعادة أمجادها في المنطقة"، ورأى أن الاتفاق يغضب السعوديين وحلفاء واشنطن في المنطقة، إذ إن الاتفاق "قد يجعل إيران وأمريكا حليفين على حساب السعودية".
- إن العالم -عدا إسرائيل وبعض الأصوات الاخرى- يشعر بارتياح أكثر بعد الاتفاق؛ لكونه سيتخلص من تهديد البرنامج النووي الإيراني وما يمكن أن يترتب عليه في حالة انفلاته من سباق تسلح نووي إقليمي كارثي العواقب.
ولكن على الرغم من هذه النتائج الإيجابية، فهناك عقبات تعترض حسم موضوع الملف النووي الإيراني، منها على سبيل المثال:
- اختلاف التفسير للاتفاق الإطاري بين وجهتي النظر الإيرانية والغربية، فإيران تصرّ على أن رفع العقوبات عنها سيتم فورا وبشكل كامل بمجرد توقيع الاتفاق النهائي نهاية يونيو/حزيران القادم، بينما ترى الإدارة الأمريكية أن رفع العقوبات سيتم بشكل تدريجي يتناسب مع مدى التزام إيران بالتزاماتها وفقا لنصوص الاتفاق.
- إن عمليات التفتيش للمواقع النووية الإيرانية لم يُجر الاتفاق على آلياتها، وهناك رأي أمريكي يشير إلى أن عمليات التفتيش تشمل المواقع العسكرية الإيرانية، وهذا الأمر -ومن واقع تجربة فرق التفتيش في العراق سابقا- قد يفتح الباب لتعقيدات تؤزّم الموقف بين إيران والغرب بشكل خطير في المستقبل. ويبدو أن ما يرتبط بهذه الفقرة والفقرة السابقة هو الذي جعل السيد الخامنئي (المرشد الأعلى للثورة في إيران) يقلل من فرص التوصل لاتفاق نهائي بقوله في يوم الخميس الموافق 9 نيسان/أبريل:" ما تم التوصل إليه حتى الآن لا يضمن لا الاتفاق بحد ذاته، ولا مضمونه، ولا مواصلة المفاوضات حتى النهاية"، ويعلل ذلك بــأن "كل شيء موجود في التفاصيل. ربما تكون الجهة الأخرى تريد إغراق بلادنا في التفاصيل"، لينتهي من كلامه هذا بالقول:" رأيت النص لن يكون أساسا لأي اتفاق".
- وجود أصوات إقليمية مجاهرة برفضها للاتفاق وفقا للشروط المعلنة (إسرائيل)، أو مبطنة لهذا الرفض (دول الخليج وغيرها)، فضلا عن موقف الكونغرس الأمريكي واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، قد تدفع مسار المفاوضات في مدتها المعلنة باتجاه التأزيم، مما يفشل الاتفاق النهائي بصورة أو بأخرى.
ما هو المطلوب من إيران في حالة نجاحها في الوصول الى الاتفاق النهائي؟
إن توصل إيران إلى اتفاق نووي نهائي في نهاية يونيو/حزيران سيرتب عليها اتخاذ سلسلة من الخطوات المهمة للحفاظ على مصالحها العليا، ومن أهمها ما يأتي:
1- إصلاح الداخل الإيراني: قد تشعر إيران بأنها دولة قوية في محيطها الإقليمي، وهذا صحيح، ولكن الخطر الحقيقي الذي يهددها ينبع من داخلها، إذ يجب على النظام السياسي الإيراني أن يتطور من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، ومن مرحلة الإقصاء إلى مرحلة الاحتواء للرأي المعارض، ومن مرحلة الرؤية الواحدة إلى مرحلة التعددية الفكرية والسياسية، بمعنى أن تصبح إيران دولة ديمقراطية يشترك جميع شعبها في بنائها، ويكون نظامها الحاكم ممثلا للجميع. كذلك هناك مشاكل أخرى تواجهها إيران تجعل -في حالة بقائها- اتفاقها النووي محدود الأثر، وقد أشار إلى هذه المشاكل سعيد ليلاز (الخبير الاقتصادي الإيراني) وهو يتكلم عن متطلبات دفع الاقتصاد الإيراني إلى الأمام، فحددها بـ" مزيد من الاستثمارات، مزيد من الكفاءة،.. محاربة الفساد في الاقتصاد الإيراني على نطاق واسع"، ومشكلة الفساد في الاقتصاد لا يمكن عزلها عن معالجة الفساد في البنية الأخلاقية والإدارية في المجتمع والنظام الإيراني.
2- تحول إيران من دولة تشعر الآخرين بالخطر من تحركاتها لبسط نفوذها إلى دولة راعية للسلم والأمن الإقليمي. فهي بهذا تستطيع أن تكتسب زخما أكبر وتأثيرا أكثر فقط يمكّناها من أن تكون مركز قوة نظام الأمن الشرق أوسطي.
3- شركاء لا أتباع، أو حلفاء باختيارهم لا بالقوة والتهديد: على إيران أن تستفيد من تجارب البلدان الكبرى التي استطاعت قيادة المحاور الدولية وحققت الديمومة في هذه القيادة كالولايات المتحدة مثلا، فهذه الدول حرصت على إيجاد شركاء يشاطرونها المبادئ والأهداف والمصالح ولم تشعرهم بالدونية والتبعية ولو على سبيل المجاملات الدبلوماسية، وإيران اليوم مطالبة بخلق شركاء إقليميين ودوليين يقبلون بدورها ويتفاعلون مع هذا الدور بإيجابية، وأن تتخلى عن سياسة خلق أتباع يأتمرون بأوامرها؛ لأن هكذا سياسة غالبا ما تكون قصيرة النظر ومحدودة النتائج، بل وعكسية النتائج، فالامبراطوريات اليوم لا تبنيها سياسة السيد والعبد، بل تبنيها منظومة متكاملة من الرؤى والأفكار والنظم والمصالح المشتركة.
إذا ما استطاعت إيران تجاوز المرحلة الحرجة والعقبات التي تعترض طرق توصلها إلى اتفاق نووي نهائي، واتخذت الخطوات المطلوب منها اتخاذها -فيما بعد- لتحقيق مصالحها القومية العليا، يمكن القول حينها فقط أن إيران ستكون الصانع الحقيقي لمستقبل الشرق الأوسط القادم.
اضف تعليق