تقوم العلاقات بين الدول على مجموعة من القواعد والاعراف، اطلقت عليها تسمية (الدبلوماسية) والتي تعني وثيقة رسمية، او هي نظم ووسائل الاتصال بين الدول الأعضاء في الجماعة الدولية، وهي وسيلة إجراء المفاوضات بين الأمم. ويطبق اليوم بعض أهل الأدب هذا التعبير على الخطط والوسائل التي تستخدمها الأمم عندما تتفاوض. فالتفاوض، في هذا المعنى يشتمل على صياغة السياسات التي تتبعها الأمم لكي تؤثر على الأمم الأخرى. وعندما يفشل التفاوض أثناء أزمة كبيرة، فإن الحرب تنشب في أغلب الأحيان.
ومن الناحية التقليدية يُشار إلى فن التفاوض على أنه الممارسة الرسمية التي تتبعها معظم الأمم في إرسال ممثلين يعيشون في بلدان أخرى. وهؤلاء الممثلون المفاوضون يُعرفون بالدبلوماسيين ويساعدون على استمرارية العلاقات اليومية بين بلادهم والبلاد التي يخدمون فيها. وهم يعملون من أجل مكاسب سياسية أو اقتصادية لبلادهم ولتحسين التعامل الدولي.
والدبلوماسية في معناها العام الحديث يمكن تعريفها على أنها مجموعة المفاهيم والقواعد والإجراءات والمراسم والمؤسسات والأعراف الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الدبلوماسيين ، بهدف خدمة المصالح العليا(الأمنية والاقتصادية ) والسياسات العامة وللتوفيق بين مصالح الدول بواسطة الاتصال والتبادل و إجراء المفاوضات السياسية وعقد الاتفاقات والمعاهدات الدولية.
وعلى الرغم من جميع التطورات التي دفعت الدبلوماسية في اتجاه تحولها من السرية إلى العلنية فان العديد من الدبلوماسيين الدوليين ، من أمثال سكرتير عام الأمم المتحدة الاسبق داغ همرشولد ، و كذلك خليفته اوثانت ، قد عارضوا الاقتصار على الدبلوماسية العلنية كوسيلة للوصول الى الاتفاقات الدولية نظراً لأن مثل هذا الأسلوب يحول عملية التفاوض الدبلوماسي لخدمة أغراض الدعاية عوضاً من محاولة تسخيرها للتوصل إلى تفاهم دولي وتسوية بين الأطراف المعنية .
تعرّض الدبلوماسية الدولية من يمارسها لضغوط نفسية وجسدية شديدة، من توتر واختبار القدرة على التحمل خاصة خلال ساعات المفاوضات الطويلة التي يضطر القادة الى احتمالها طويلا.
ويمكن ايراد مثل بارز حول تلك الضغوط، فقد نحت وزير الخارجية الاميركي السابق جيمس بيكر مصطلح "دبلوماسية المثانة" في وصفه قدرة رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد على الاسترسال في الحديث ساعات، دون توقف لزيارة التواليت، فيما كان محاوره يتلوى على كرسيه عذابا لقضاء حاجته، لكن الأعراف الدبلوماسية تمنع مقاطعة رئيس دولة لزيارة الحمام.
ويقول جيمس بيكر في مذكراته: بعد وقت طويل سحبت منديلاً أبيض اللون ولوحت به للأسد، وأعلنت استسلامي. عليَّ أن أذهب إلى الحَّمام. وهكذا نحتُ الوصف الذي سأظلّ أطلقه دائماً على مباحثاتي لثلاث وستين ساعة مع الأسد- (دبلوماسية المثانة)".
الايام الثمانية من المفاوضات المكثفة بشأن برنامج إيران النووي في لوزان، كانت تذكيرا جديدا بأن الدبلوماسية الدولية نشاط يعرّض من يمارسه إلى ضغوط نفسية شديدة، بتوتير أعصاب المتفاوضين واختبار قدرتهم على التحمل وفي الوقت نفسه، إجبارهم على إبقاء سحناتهم خالية من أي تعابير قد تنم عن انفعالات داخلية حتى نهاية المشوار.
فقد سجل وزير الخارجية الأميركي جون كيري رقما قياسيا بأطول فترة يقضيها وزير خارجية أميركي في التفاوض بشأن قضية واحدة منذ 37 عاما. وقورن ماراثون المفاوضات النووية مع ايران، بمؤتمر فرساي عام 1919 رغم أن ذلك المؤتمر بحث أكثر من قضية. ويقول مسؤولون مازحين انهم يحسبون أمد المفاوضات بعدد القمصان التي يحتاجونها خلال مشاركتهم فيها.
فندق الـ«بوريفاج» الذي حل فيه المتفاوضون يزيد سعر الليلة فيه عن 1.500 دولار.
أينما تحل ويندي شيرمان، كبيرة المفاوضين الأميركيين، نزيلة في الفندق ، يتبعها لوح أبيض يحمل التفاهمات التي توصل إليها الإيرانيون والأميركيون، والتي أحيانا تكون باللغتين الإنجليزية والفارسية. وكان للوح غرض دبلوماسي كبير وهو منح الطرفين فرصة للتفكير في الاقتراحات من دون تسجيل أي شيء على الورق. وأتاح هذا للإيرانيين الحديث من دون إرسال وثيقة إلى طهران من أجل مراجعتها. وقال مسؤول في البيت الأبيض: «لقد كان حلا ذكيا لا يتطلب كثيرا من التكنولوجيا».
وفي ظل وجود أجزاء متحركة كثيرة، استمرت شيرمان، أكثر الدبلوماسيين تنظيما، في حمل ألواح الكتابة البيضاء، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع أناقة الغرف التي كانوا يعقدون فيها اللقاءات في فندق الـ«بوريفاج».
أما داخل غرف الاجتماعات، فلم تكن أصوات ماكينة عمل القهوة تكف عن إصدار أزيزها، حيث كان يحاول كل من المسؤولين الأميركيين والإيرانيين البقاء مستيقظين.
كان من الواضح أن كيري يشعر بأنه محاصر، فقام 3 مرات بركوب دراجته، لكنه اضطر خلال مرتين منهما إلى العودة لتلقي اتصال من الرئيس. وذهب لتناول الكريب وارتاد مقهى من أجل المساعدة في الإعداد للاحتفال بأعياد ميلاد بعض الصحافيين الأميركيين.
اضف تعليق