فشلت القوى السياسية في تشكيل لحظة إصلاحية مبنية على القطيعة مع السياسات التقليدية التي فرضت استمرارية الإخفاق وضعف البنى السياسية اللازمة للبناء الديمقراطي والتحديث السياسي، فلا زالت النخب السياسية منذ عام ٢٠٠٣ ولغاية الآن تسود وتحكم وفق آليات تروج لمقولات الإشتغال بالمحاصصة السياسية والطائفية، مما...

تبرز مسألة الإصلاح السياسي في العراق بعد الانتخابات النيابية الأخيرة بشكل متجذر، مما يدفع إلى وضع المقومات اللازمة لإستيعاب المعوقات والتحديات، فقد باتت مواجهة حالة التراجع السياسي والاقتصادي وبقية الملفات مسألة لا يمكن التغاضي عنها، واستمرارها قد يؤشر إلى فشل العملية السياسية، فلغاية الآن فشلت القوى السياسية في تشكيل لحظة إصلاحية مبنية على القطيعة مع السياسات التقليدية التي فرضت استمرارية الإخفاق وضعف البنى السياسية اللازمة للبناء الديمقراطي والتحديث السياسي، فلا زالت النخب السياسية منذ عام ٢٠٠٣ ولغاية الآن تسود وتحكم وفق آليات تروج لمقولات الإشتغال بالمحاصصة السياسية والطائفية، مما شكل إنتكاسة في أسلوب ممارسة الحكم والتدبير.

وتبرز عدة معوقات للإصلاح السياسي فيما تقابل هذه المعوقات حلول وبدائل ومقومات.

أولا: معوقات الإصلاح السياسي:

1- تحدي المسألة السياسية المرتبط بغياب أو هشاشة ثقافة سياسية واجتماعية مكرسة لقيم العمل السياسي الإيجابي ولمبادئ المواطنة والمسؤولية والسلوك الانتخابي الواعي، وتكريس وشيوع القيم المختلفة من الفساد السياسي والمالي وغلبة العلاقات الزبائنية والمحسوبية وتراجع فرص الإصلاح والتغيير المطلوب، وظل دور الساسة التقليديين محصورا في حدود الإنشغال بتدبير المصالح الحزبية وتموقعات الإنتفاع الشخصي. مما شكل فراغا سياسيا عند المجتمع، فأجواء العمل السياسي جردت المجتمع من السياسة وجعلته مُقال سياسياً وغير مسؤول عنها وغير مدرك لفعاليتها وقيمها ونجاعتها الاجتماعية، مما أدى إلى غياب التأطير السياسي والإدماجي للمواطنين بما يجعل منهم أداة أو وقود إنتخابي تتم استمالته أبان الانتخابات فقط ثم مغادرتهم بعد الفوز في الانتخابات وتحييدهم سياسيا.

2- تحدي المسألة السياسية المرتبطة بالانتخابات، إذ فرض سوء الأداء والإنجاز للسلطة التشريعية، من حيث إختيار مفوضية الانتخابات وقانون الانتخابات، والشكوك التي دارت حول نزاهة العملية الانتخابية إلى حالة من الجزع والتململ من قبل المواطن العراقي مما شكل تحديا أحاط بمستوى المشاركة الانتخابية للمواطن بشكل متدني، فقد أصبحت عملية البحث عن الأصلح والأفضل مدار اهتمام صعب ومعقد بالنسبة للناخبين في ظل التكالب على السلطة وشيوع المال السياسي وعدم الإكتراث بهموم المواطنين، وأشر ضعف المشاركة الانتخابية تدني وتدهور المكانة أو القيمة السياسية والاجتماعية للأحزاب والقوى السياسية وتراجع حيز تأثيرها وجاذبيتها وقدرتها على تأطير وتوجيه الرأي العام قيما ومواقف وممارسة.

3- ضعف الأداء الإنجازي للعمل الحكومي في المجمل، أما بعض الإستثناءات الإيجابية فهي تفسر على أنها إنجاز فردي أو قطاعي محدود ومؤقت في ظل غياب حكومة تدبيرية رشيدة ومتكاملة للشأن العام تنعكس على مستوى الخدمات وتقوية المؤسسات.

4- إستفحال ظاهرة التكالب على السلطة وتزايد ظاهرة تأسيس الأحزاب والتحالفات المؤقتة والموسمية التي تظهر وقت الانتخابات وتختفي بعدها، وهو واقع أدى بالمواطن العراقي في هذه الانتخابات بالذات إلى أن يقع في ضياع وتيهان بين 307 حزب وكيان انتخابي وأكثر من 7000 مرشح في 18 دائرة انتخابية وبما ترفعه هذه الأحزاب المؤقتة وحتى الدائمة من برامج وشعارات مكررة ومستنسخة أفقدتها مقومات الثقة والمصداقية والإقتدار والتحفيز والاستقطاب ما عزز فرص المقاطعة.

5- عدم تبني واستقطاب المرجعيات السياسية للنخب الوطنية الكفوءة والمستقلة والتي يراهن عليها للوصول إلى مواقع السلطة، مما أوصل رسائل سلبية للناخبين بعدم الجدوى من المشاركة لإنعدام التغيير وإعادة إنتاج ذات الوجوه المستهلكة والتي عليها علامات استفهام ومؤشرات فساد وضعف أداء. إذ لم تعطى فرصة للكفاءات والتكنوقراط دورا فاعلا ومؤثرا في الحقل السياسي مما جعلها في خانة التحييد أو التسييس. فمن يدخل في خانة التحزب يجعلهم في موقع الدفاع عن أفكار ومعتقدات وقيم أحزابهم أو يجعلهم باحثين عن مواقع مصلحية وأدوار سياسية.

ثانيا: شروط الإصلاح السياسي

1- الإصلاح السياسي يفترض وجود مؤسسات قادرة على بناء فضاء سياسي جديد يدار بقواعد لعبة تروم تحقيق الإصلاح والإنتقال من ممارسة سياسية مغلقة إلى مفتوحة وشفافة، فيكون العمل على تقوية المؤسسات لا الشخوص والزعامات.

2- إن الإصلاح السياسي يجب أن يدار بنخب حاملة فعلا لفكرة الإصلاح، ويتم تجسيده في برنامج عمل وأولويات تحدد فيها الأطراف السياسية أجنداتها الإصلاحية وفق إستراتيجية واضحة للتغيير تؤسس للحظة قطيعة مع أخطاء ومشاكل المرحلة السابقة وتؤسس لمشروع سياسي وطني لمرحلة مابعد الإنتقال لما بعد الإصلاح.

3- الإحساس بالمصلحة العامة وعدم الإستخفاف بها، وهذا يرتبط أساسا بمشروعية النظام السياسي وبفعالية السياسات العامة ومدى إشباعها لرغبات المواطنين في المجالات كافة، وترك المصالح الشخصية والفئوية والإنتهازية من طرف النخب السياسية.

4- الإعتراف بمكانة المواطن وأهميته من قبل السلطة السياسية ووضع مصالح المواطنين في المقدمة، وهذا كفيل بترسيخ المواطنة ودولة القانون، والتي تعد من أهم شروط الإصلاح السياسي.

ثالثا: مقومات الإصلاح السياسي

1- باتت مراجعة الدستور ضرورة ملحة، يحتاج الدستور إلى إجراء التعديلات اللازمة أو كتابة ملحق دستوري يعالج كل إخفاقات المرحلة السابقة من تأويلات وتعقيدات تفسير المواد الملتبسة والقابلة للتجيير، وعرض هذا الملحق للإستفتاء الشعبي، ثم العمل على تشريع القوانين الدستورية المعطلة من قانون النفط والغاز ومجلس الخدمة الإتحادي إلى القوانين المنظمة المشار إليها في المواد الدستورية.

2- تجاوز تحدي نزاهة العملية الانتخابية والبدء بعملية الإصلاح الانتخابي من تشريع قانون انتخابات عادل ومنصف يراعي الخصوصيات الاجتماعية والسياسية والجغرافية للمواطنين مع وضع قانون جديد للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات يضمن إستقلاليتها ومهنيتها.

3- عدم العودة إلى نظام المحاصصة السياسية، والعمل على تشكيل حكومة ذات فاعل سياسي قوي، وإبعاد طغيان الحسابات السياسية على رغبات المواطنين، فلا ضمانات لأداء سياسي فعال، ولا ضمان لمراعاة تطبيق البرامج والوعود الانتخابية الذي تعهدت به القوى السياسية للمواطنين دون عملية سياسية قائمة على أساس الأغلبية المنسجمة والمعارضة البناءة. فإستراتيجية المحاصصة المسكونة بالخوف من المعارضة ومأسسة التعدد وتدبيرها والنهل منها سببها إغراءات السلطة ومكاسب المناصب الضخمة وسيناريو الوزن المضاد المعطلة للرقابة، فلا بد من تقليم مكاسب المناصب وإمتيازات السلطة وحلاوتها لتكون خدمة وطنية تقنن التكالب وتفتح باب لحوار المعارضة المؤسساتية، لتردم أزمة الثقة بين النخب والمجتمع.

4- تجاوز تحدي الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي والمتدهور ومواجهة مؤشرات الفقر والبطالة والتهميش والتراجع، وتحسين مستويات العيش من صحة وتعليم وسكن وعمل وكفاية الدخل الفردي، وهذا يحتاج تحقيق العدالة والمساواة أمام القانون. وضرب ومواجهة الفساد بأشكاله وعوامله وإمتداداته كافة التي تعدت المجال المؤسسي والإداري والمالي والسياسي إلى الفضاء العمومي وإلى تفاصيل الحياة اليومية برمتها ومحاربة الرشوة والوساطة والولاءات والإنتفاعية والوصولية وسوء إستعمال السلطة وإستغلال النفوذ لتبديد المال ونهب ثروات المجتمع.

5- تجاوز تحدي إنتشار السلاح خارج إطار الدولة وكيفية إقناع الأحزاب والقوى السياسية لنفسها وتابعيها بضرورة إحترام القانون والمؤسسات والنظام العام ومغادرة عقلية الهيمنة والغلبة والإقصاء وفرض الأمر الواقع وإستضعاف الدولة، وهذا يعد من أصعب المعوقات للإصلاح السياسي.

لغاية الآن، ومن حيث صيرورة المشاورات الجارية والتفاهمات الأولية بشأن تشكيل الحكومة، قد تكون إستنساخ أو إعادة إنتاج لسابقاتها شكلاً ومحتوىً من حيث المحاصصة والتسويات على حساب المصلحة العامة، مما يضع أمام القوى السياسية إستحقاقات مصيرية قد تكون بمثابة تمنيات لكنها تعد حلول لها طرق وآليات وأجندات بالإمكان العمل على إنجازها.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001 2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق


التعليقات

جاسم الشرنخي
زاخو
مقال رائع سلمت يدا الكاتب، شخص الداء بدقة ووضع الدواء الفعال2023-08-02