هل سينجح مشروع (الناتو العربي) ويصبح حقيقة؟ نعتقد انه متحقق بشكل ضمني منذ نحو عقد من الزمن، لكنه الان قد يطل علينا بثوب جديد، لان بعض التكتيكات تغيرت، اما الستراتيجية فما زالت تسكن عقول واضعيها، ومنذ عقود وليس الان!...
جرت العادة في الفاتيكان، بعد ان يتم انتخاب بابا جديد، يؤدي الكرادلة عقب اكمال عملية الانتخاب، القسم الذي يستمر ثماني واربعين دقيقة، يكون خلالها البابا الجديد، قد اكمل ارتداء ثيابه الجديدة .. ثم يخرج الكاردينال، المخول بالاعلان، على الجموع المحتشدة في ساحة القديس بطرس، ليقول باللغة اللاتينية (هابيموس بابام)، أي لدينا بابا، ثم يعلن اسمه .. يسبق ذلك، خروج دخان ابيض، يعلن مبدئيا للجمهور المحتشد عن توصل الكرادلة لانتخاب بابا جديد.
مؤخرا، تحدثت وسائل الاعلام العالمية عن دخان اسود، يحاكي دخان الحرائق التي التهمت اغلب الدول العربية، تصاعد مع اعلان الرئيس الاميركي نيته اقامة (ناتو عربي) يضم بعض الدول العربية اضافة الى اميركا واسرائيل، ومهمته مواجهة التهديد الايراني، حسب وصفه. ما يعني ان العرب وضعوا قضية فلسطين وراءهم، وباتوا في مواجهة عدو جديد، هو ايران ... هذا الحلف، اذا ما تم وبات حقيقة، فان واقعا جديدا سيرسم، ليس لمنطقتنا فقط، بل للعالم، لان ترامب يرى ان حلف الناتو الذي تاسس في العام 1949 لمواجهة المد الشيوعي، قد انتهى دوره، وبات عبئا على اميركا وبريطانيا ربما، لان هذين البلدين، انفردا في حروب كبيرة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، من دون ان يستعينا بحلف الناتو، بل ان دوله صارت تعارض سياستهما وحروبهما، سواء في العراق او افغانستان، ومن ثم في مناطق اخرى، اهمها بالتاكيد الدول العربية التي تحول ربيعها المزعوم الى كارثة، جعلت منها ارضا مفتوحة، تصارعت عليها دول الاقليم، ونافست نفوذ اميركا في المنطقة، الامر الذي جعل واشنطن تفكر جديا في التخفف من عبء الناتو القديم، الذي يرى ترامب انه (عفا عليه الزمان)، وحقا كان الرجل دقيقا في قراءته، لانه من الناحية الستراتيجية لم يعد في مواجهة حلف اخر، بعد ان حل حلف وارسو نفسه، وتفككت دوله وصار بعضها جزءا من المعسكر الغربي وحلف الناتو ايضا!
اذن، اميركا تريد ان تقوم بدور عسكري ميداني كبير يمهد لدور اقتصادي وسياسي وامني اوسع، يكرس نفوذها ويعزز مشروعها المتمثل ب (القرن الاميركي) الذي لاتتفق معه دول اوربا المؤثرة، مايعني ان حالة الطلاق الستراتيجي، قد حصلت فعلا بعد ان املتها ظروف الحرب الباردة .. الشيء اللافت في حكاية الحلف الجديد ان اسرائيل ستكون عضوا فاعلا فيه، وقد هدد نتنياهو ايران واشار الى ذلك، وان الدول العربية التي سيضمها، تطرح مبرراتها عبر وسائل اعلامها بشكل ضمني، وتتمثل، بان ايران اخذت توسع من نفوذها على حساب العرب ومجالهم الحيوي، وداخل اراضي الدول العربية تحت مبررات كثيرة، في مقدمتها تحرير فلسطين، وهو ما تراه هذه الدول ، لاسيما الخليجية، مجرد قناع لتكريس نفوذ غير شرعي وعلى حساب امن العرب واقتصادهم ومستقبلهم الثقافي، والحديث هنا يتركز على النفوذ الايراني في اكثر من ميدان واخرها اليمن، الذي سبقه جهد ثقافي مهد لواقع سياسي، متكيف مع المزاج الايراني، وانتهى الى ما انتهى اليه.
تركيا هي الرقم القلق في هذا المشروع، فهي تعرف ان اميركا تريد ان توسع نفوذها في المنطقة على حسابها، مثلما على حساب ايران، وان بدرجات متفاوتة، أي ان الدور التركي الرئيس في حلف الناتو (القديم)، بسبب موقع تركيا الحيوي، بدأ يتلاشى مع تغير الثوابت الاميركية في المنطقة، وظهور حلفاء محليين منافسين لتركيا.. الكرد في العراق وسوريا مثلا .. وان تقويض ايران من خلال هذا الحلف الذي سيضيق الخناق عليها، يعني ان الحلف الايراني التركي غير المعلن، في مواجهة المشروع الاميركي في المنطقة، واخطره اقامة دولة كردية، والتي مازالت مشروعا قائما، سيتعرض الى تهديد حقيقي، قد تكون بدايته تقويض ايران ومن ثم تقويض تركيا، وهو ما تخشاه تركيا، التي وقفت ضد العقوبات الاميركية على طهران، واعلنت عن عدم التزامها بها.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل مهد الحكام العرب للتدخل الاميركي المباشر بسياساتهم غير المسؤولة وغير الواعية للتحولات الدولية، وغياب ستراتيجية مشتركة، تجنبهم خطر الانكشاف الستراتيجي ، بعد ان تمتعوا بالتوازن الدولي خلال الحرب الباردة؟ .. بالتاكيد هذا صحيح، لكن من الصحيح ايضا، ان نشير الى ان دول الاقليم، جميعها اخطأت الحسابات، حين اعتقدت ان منطقة الشرق الاوسط، التي تمثل خزان الطاقة للعالم، يمكن ان تترك بايدي دول الاقليم الطامحة الى ادوار اكبر من حجمها وقدراتها، واندفعت وراء احلام غير واقعية، فكان ان اعدت لها اميركا طبخة ماكرة، قوضت قدراتها جميعا، ودفعت بعضها الى الاستقواء بواشنطن وغيرها، بعد ان وجدت تلك الدول، نفسها، عالقة في مشاريعها الطوباوية، لتصل الامور الى ما وصلت اليه.
هل سينجح مشروع (الناتو العربي) ويصبح حقيقة؟ نعتقد انه متحقق بشكل ضمني منذ نحو عقد من الزمن، لكنه الان قد يطل علينا بثوب جديد، لان بعض التكتيكات تغيرت، اما الستراتيجية فما زالت تسكن عقول واضعيها، ومنذ عقود وليس الان!.
اضف تعليق