صناعة المصالحة أو الوحدة الوطنية كصناعة السلام ففي الحالتين يصنعهما الأقوياء، والقوة في صناعة السلام تعني عدم الخضوع لشروط الطرف الثاني وإحساس الطرفين بأن استمرار الصراع فيه خسارة للطرفين بينما السلام يحقق مصالح مشتركة، أما مفهوم القوة في المصالحة الوطنية وحيث إن الطرف الثاني ليس...
الأطراف المعادية للشعب الفلسطيني وعلى رأسها إسرائيل توظف أخبث ما في استراتيجية الإلهاء لحرف بوصلة الشعب عن أهدافه الحقيقية وكي وعيه وإيصاله لدرجة احباط ويأس ليس فقط من إمكانية تحرير فلسطين حتى في حدود 1967 بل أيضا من إمكانية إنجاز مصالحة وطنية.
هذه الاستراتيجية الخبيثة نجحت نسبيا في التأثير على وعي وإدراك نسبة كبيرة من المواطنين لدرجة أصبح من العادي أن تسمع مَن يردد مقولة (مفيش فايدة) وخليهم يحلوها بأية طريقة سواء بدولة في غزة وتقاسم وظيفي مع الأردن بالضفة أو بأي حل !!!، وهو قول كنا نسمعه قبل سنوات من بعض عامة الشعب واليوم نسمعه من مثقفين وأكاديميين ليس سمعا فقط بل سلوكا يتجسد من خلال تزايد حالات هجرة النخب للخارج وخصوصا من قطاع غزة.
هذه الصيرورة للحالة الفلسطينية ما كانت لتكون لو لم يحدث الانقسام بداية ولو نجحت الأطراف الفلسطينية في إنهاء الانقسام مبكرا، فآنذاك كانت حركتا فتح وحماس قويتان داخليا ولهما نسبيا مصداقية شعبية، لو نجحت حوارات المصالحة مبكرا لتم انجاز مصالحة وطنية مشرفة و لكان في الإمكان وقف حالة التدهور وعدم وصول الأمور إلى ما هي عليه من ضعف، سواء في مواجهة إسرائيل وصفقة القرن التي تنفذ على أرض الواقع، أو بالنسبة لإدارة الوضع الداخلي وإنهاء الانقسام، أو من خلال هرولة الأحزاب للقاهرة وهي في موقف ضعف غير مسبوق.
صناعة المصالحة أو الوحدة الوطنية كصناعة السلام ففي الحالتين يصنعهما الأقوياء، والقوة في صناعة السلام تعني عدم الخضوع لشروط الطرف الثاني وإحساس الطرفين بأن استمرار الصراع فيه خسارة للطرفين بينما السلام يحقق مصالح مشتركة، أما مفهوم القوة في المصالحة الوطنية وحيث إن الطرف الثاني ليس عدوا أو طرفا خارجيا فإن القوة تكمن في تقديم التنازلات من أجل المصلحة الوطنية، والتنازلات من أجل المصلحة الوطنية موقف قوة وليس موقف ضعف حيث التنازل من أجل الوطن لا يعتبر تنازلا بل عطاء المقتدر.
تجديد مصر دعوتها للفصائل الفلسطينية وإن كان ينطلق من حرص مصر على مصالحها ذات الصلة بأمنها القومي ودورها القومي العربي التاريخي كما ينطلق من دورها في معادلات دولية جديدة للتسوية السياسية، إلا أن هذه الدعوة المصرية تؤكد على سلوك وتصرف دولة عريقة وكبيرة تنطلق من منطلق أن السياسة لا تعرف الفراغ وأن هناك دائما ما يمكن عمله ولا يوجد في السياسة شيء يسمى (مفيش فايدة) أو الطريق المسدود.
المشكلة لا تكمن في الوسيط في حوارات المصالحة بل في أطرافها الفلسطينيين ولو توفرت الإرادة الوطنية الحقيقية في إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية ما كنا بحاجة لمصر أو غيرها لتحتضن حوارات المصالحة ولتفرض رؤيتها، ولكن ما دام النظام السياسي الفلسطيني عاجز عن حل مشاكله الداخلية بل يزداد مع مرور الأيام عجزا وفشلا فليس أمام الفلسطينيين إلا الخضوع والاستسلام إما للاحتلال وشروطه المذلة وواشنطن وصفقتها المشبوهة، أو المراهنة على الأشقاء المصريين لإنقاذ ما يمكن انقاذه من المشروع الوطني الفلسطيني ووقف حالة الدمار والمعاناة في قطاع غزة، وخصوصا بعد انكشاف محدودية قدرة الأطراف الأخرى التي دخلت على ملف المصالحة وخطورة ما تسعى إليه بعض هذه الأطراف حيث تلتقي أهدافها مع الاهداف الأمريكية والإسرائيلية.
في لقاءات المصالحة الأخيرة تغيرت كثيرا المعادلة حيث موقف مصر الطرف الوسيط أكثر قوة ومتانة بينما مواقف ومواقع الأطراف الفلسطينية أكثر ضعفا وهذا ما يخلق فرصة لتحريك ملف المصالحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولأن الأطراف الفلسطينية أكثر ضعفا من السابق فالمصالحة القادمة والتي نأمل أن تنجح لن تكون مصالحة الوحدة الوطنية التي يأمل الشعب وكان يمكن التوصل لها قبل سنوات من موقع الاقتدار والقوة، بل مصالحة فوقية حزبية لمحاولة التخفيف من أضرار تسوية سياسية قادمة أو التكيف معها، وهي تسوية قد تُطيح بمجمل المشروع الوطني الفلسطيني وقد تؤسَس على حساب حركتي فتح وحماس لصالح طرف ثالث كامن وينتظر الفرصة.
أخطأت الأحزاب الفلسطينية بحق شعبها بل وبحق نفسها عندما راهنت على أطراف خارجية وقللت من قيمة انجازات حققها الشعب بصبره وصموده ومقاومته بكل أشكالها في الضفة والقطاع، ولو أدارت الصراع مع الاحتلال بطريقة عقلانية وفي إطار استراتيجية وطنية لكانت أمورنا أفضل بكثير مما نحن عليه، كما أخطأت الأحزاب في إدارتها لملف الانقسام عندما راهنت وخصوصا حركة حماس على إمكانية تحقيق المصالحة بعيدا عن مصر وذهبت لليمن والسينغال وتركيا وروسيا وقطر الخ، فهل تصورت أطراف حوارات المصالحة أنه يمكن التوصل لاتفاق مصالحة ترعاه قطر أو تركيا ثم يتم فرضه على مصر ؟!.
وأخيرا ولأنه ما زال بيد الفلسطينيين كثير من أوراق القوة وأهمها عدالة القضية وتزايد التأييد العالمي لهم وصمود الشعب الفلسطيني في مقابل انكشاف الوجه الاستعماري العنصري الإرهابي لإسرائيل، ولأنه هناك دائما ما يمكن عمله لأن السياسة لا تعرف الفراغ فإن لم يملأ الفلسطينيون الفراغ فهناك من سيملؤه، نتمنى التعامل بجدية مع الفرصة المتاحة للمصالحة من خلال المبادرة المصرية ومبادرة الرئيس أبو مازن، وما تسرب عن المبادرة المصرية يبشر خيرا وخصوصا تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع تستلم قطاع غزة وتنفذ ما تستطيع من التفاهمات السابقة حول المصالحة ويُترك الباقي إلى ما بعد الانتخابات العامة للمجلس الوطني وللمجلس التشريعي والرئاسة.
اضف تعليق