آراء وافكار - مقالات الكتاب

المعارضة البرلمانية

في ضوء نتائج الانتخابات النيابية العراقية لعام 2018

كل الفرقاء السياسيون يتقاسمون المناصب كلا حسب وزنه الانتخابي والسياسي، وهو ما أثر سلبا على عمل مجلس النواب كمؤسسة مسؤولة ومراقبة لعمل الحكومة وصيانة النظام التشريعي، مما شوه ذلك أدبيات الديمقراطية بصيغتها الأغلبية والتوافقية حيث يكون بعد كل انتخابات برلمانية هناك فريق يحكم وفريق في المعارضة...

من ضمن السيناريوهات المتوقعة في المجال السياسي العراقي يدور الحديث في الأوساط السياسية عن المعارضة البرلمانية، بعد أن أفرزت الانتخابات النيابية الأخيرة نتائجها النهائية التي فاز بها تحالف سائرون بالمرتبة الأولى بواقع (54) مقعد نيابي، بينما فاز تحالف الفتح بالمرتبة الثانية بواقع (47) مقعدا، وحل تحالف النصر بالمرتبة الثالثة بعدد (43) مقعدا، إذ من المؤمل أن يشكل التحالف الأول الحكومة، إذ تكمن من تكوين الكتل الأكبر وفق تفسير المحكمة الإتحادية للمادة (76/ أولاً) من دستور عام 2005، ويلجأ التحالف الثاني إلى المعارضة إذا لم يتمكن الأخير من تشكيل الحكومة والعكس صحيح أيضا، فما مدى امكانية تحقيق ذلك في ضوء عرف تقاسم كل مناصب النظام السياسي الجديد في العراق بعد 9/نسيان من عام 2003، وشغف الكتل السياسية بالسلطة والنظرة الاجتماعية إلى المعارضة.

إن المتتبع لسير العملية السياسية في العراق بعد سقوط النظام الإستبدادي يلاحظ غياب المعارضة النيابية بصورة تكاد تكون شبة كاملة بعد أن تسنم معارضي النظام السابق بجناحيها السياسي والمسلح السلطة السياسية، وجرت العادة إلى مشاركة كل الكتل المكوناتية والحزبية في السلطة منذ أول انتخابات نيابية وحتى آخر تشكيل حكومة في عام 2014، برئاسة حيدر العبادي، بمعنى أن كل الفرقاء السياسيون يتقاسمون المناصب السياسية كلا حسب وزنه الانتخابي والسياسي، وهو ما أثر سلبا على عمل مجلس النواب كمؤسسة مسؤولة ومراقبة لعمل الحكومة وصيانة النظام التشريعي، مما شوه ذلك أدبيات الديمقراطية بصيغتها الأغلبية والتوافقية حيث يكون بعد كل انتخابات برلمانية هناك فريق يحكم وفريق في المعارضة.

أما الآن في ظل حراك تشكيل الكتلة الأكبر داخل مجلس النواب بعد انتخابات 12 آيار من عام 2018، يدور الحديث عن امكانية أن يكون هناك فريق معارض وفريق في السلطة وبقدر ما تكون فكره المعارضة البرلمانية إيجابية حتى تتمكن من تقويم عمل الحكومة وتقلل من سوء الإدارة والفساد المالي وتضع المجموعات الحاكمة تحت دائرة المراقبة والمحاسبة، لكن في الوقت نفسه هناك معوقات تواجه قيام المعارضة من غير مغريات السلطة ومنافعها.

هناك عقبة طريقة إختيار الرئاسات الثلاث، حيث يساهم تحاصص المناصب العليا في الدولة إلى تشتت الجهد البرلماني لصالح هذا الحزب وذاك الوزير والعضو في السلطة التنفيذية، بل أن رئيس البرلمان يكون بموقع الصفقة في قبال تشكيل الكتلة النيابية الأكبر بعد الانتخابات التي يختار منها رئيس مجلس الوزراء، فينتج عن ذلك أن يكون مجلس رئاسة النواب في الغالب غير محايد.

وهنا يكمن إحدى أبرز تشوهات الديمقراطية في العراق، إذ في غيره من البلدان ذات النظام الديمقراطي الكتلة المنتصرة في الانتخابات تشكل الحكومة، في حين أن الحكومة لا تشكل في العراق إلا عبر تشكيل الكتلة الأكبر في مجلس النواب، والمعروف أن بلد مثل العراق المتحول إلى دولة المكونات بعد غياب تعزيز ثقافة المواطنة سياسيا واجتماعيا هناك عدد كبير من الكتل ولا توجد كتلة أو أثنين تستطيع بوحدهما أن تحقق أغلبية برلمانية إلا بالتوافق مع الكتل المكوناتية والسياسية داخل مجلس النواب في ضوء تفسير المحكمة الاتحادية لنص المادة (76/أولا) من الدستور النافذ على: "يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تأريخ انتخاب رئيس الجمهورية"، وعلى هذا جاء تشكيل إختيار نوري المالكي كرئيس للحكومة بعد انتخابات 7/3/2010 بالرغم من أن تحالف آخر بقيادة إياد علاوي فاز في الانتخابات على مستوى الكتل الانتخابية.

ومن أجل أن يكون هناك فريق في السلطة وفريق في المعارضة ضرورة تعديل المادة (76/أولاً) التي فسرت ربما تحت ضغوط سياسية بصورة تشير بصراحة تشكيل الحكومة من قبل التحالف الفائز في الانتخابات وليس الكتلة الأكبر داخل مجلس النواب، وهذا يساهم في إندماج الكتل والكيانات السياسية قبل الانتخابات بصورة وطنية حتى تخرج حكومة وطنية شاملة.

وبقدر غياب ثقافة المعارضة في الجانب السياسي تغيب ثقافة المعارضة أيضا في الثقافة المجتمعية، إذ غالبا من يكون في السلطة بيده المال والنفوذ والتأثير فبذلك يكون محل إهتمام الشارع الشعبي، وهذا ما يؤثر على عمل النائب في البرلمان حينما يقوم بدور السلطة التنفيذية أو بدور الوسيط عن الحكومة في منطقته الانتخابية، وعلى أثر هذا المؤثر يضطر النائب (س) أو (ص) إلى مجاملة الحكومة والسكوت عن مخالفات هذا الوزير أو ذاك.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق