يعد الشعب من أهم عناصر الدولة اذا لا يمكن تصور دولة في العالم لا يوجد بها سكان بغض النظر عن عددهم، حيث ان هناك دولا كثيرة السكان كالصين ودول قليلة السكان كدولة قطر، وفي العراق، فان الدولة الحضارية الحديثة تضم الشعب العراقي، وهو شعب اصيل حضاريا، موجود في هذه البقعة من الارض منذ الاف السنين، واليه ينسب الظهور الاول للحضارة في التاريخ الانساني...
يعد الشعب من أهم عناصر الدولة اذا لا يمكن تصور دولة في العالم لا يوجد بها سكان بغض النظر عن عددهم، حيث ان هناك دولا كثيرة السكان كالصين ودول قليلة السكان كدولة قطر، وفي العراق، فان الدولة الحضارية الحديثة تضم الشعب العراقي، وهو شعب اصيل حضاريا، موجود في هذه البقعة من الارض منذ الاف السنين، واليه ينسب الظهور الاول للحضارة في التاريخ الانساني. وشهد العراق انزياحات بشرية كثيرة عبر تاريخه الطويل جعلت شعبه يتصف بالتعددية القومية والدينية والمذهبية واللغوية. ولم تفلح الانظمة السياسية المتخلفة التي قامت في الدولة العراقية بعد عام 1924 بالتعامل الحضاري مع هذه الظاهرة التاريخية، الامر الذي ادخل البلاد بنزاعات قومية وطائفية كثيرة ابرزها المشكلة الكردية والنزاع الشيعي -السني.
وتتعامل الدولة الحضارية الحديثة مع ظاهرة التعددية بطريقة تحفظ حقوق الانسان ووحدة البلاد والدولة بالدرجة الاولى، كما نشاهد ذلك الان في الكثير من الدول الحضارية الحديثة القائمة الان.
تمثل فكرة الدولة الحضارية الحديثة مساحة اشتراك بين مختلف الاديان والأفكار السياسية والاجتماعية على خلاف الدول الموصوفة بأوصاف دينية او عقائدية او سياسية محددة،
لا يجب ان يكون السكان على دين واحد او من عرق واحد. لكن اللغة المشتركة ضرورية فضلا عن الهوية الوطنية المشتركة والمصالح المشتركة والشعور بالانتماء لوطن واحد والولاء للدولة. تمثل الدولة الحضارية افضل صيغة للدول المتعددة عرقيا او مذهبيا.
المهم في هذه المقام، هو ان الدولة الحضارية الحديثة تحرص على تحقيق مستوى ثقافي وصحي وتعليمي لشعبها يعزز الثقة المتبادلة بين الشعب والدولة، بين الشعب والحكومة ويجعل من الطرفين كفتي ميزان، تعادل احداهما الاخرى، بلا ظلم او اعتداء. لا يمكن ان تحقق الدولة الحضارية الحديثة مستوى رفيعا في الانتاج الحضاري مالم يكن الشعب نفسه على درجة عالية من الرقي الحضاري. المستوى الحضاري للدولة هو بمعنى من المعاني انعكاس للمستوى الحضاري للشعب نفسه. يعلمنا التاريخ ان الشعوب هي التي تصنع الحضارات، لا الحكومات، ولهذا فان المركب الحضاري للدولة الحضارية الحديثة التي ندعو اليها يعتمد اعتمادا كبيرا على قدرة الشعب ومبادرته وفعاليته وايجابيته على صعيد الفعل الحضاري التاريخي. ولهذا نعد اشاعة الثقافةٌ الحضارية الشاملة من متطلبات اقامة الدولة الحضارية الحديثة. فلا يمكن ان نتحدث عن حراك حضاري دون إشاعة ثقافة حضارية تكون هي الثقافة السائدة بدل الثقافات التي ولدت في رحم التخلف الذي يعاني منه المجتمع. تمثل الثقافة في الدولة الحضارية الحديثة المركب الحضاري الذي تتفاعل ضمنه عناصر الانتاج الحضاري.
الشرط الاهم في نجاح المركب الحضاري هو قدرته على الانسجام مع المزاج النفسي والمعتقدي للأمة بحيث ينجح في حشد طاقات الامة في المعركة الحضارية التي يعتزم خوضها سواء كانت معركة ضد التخلف، او حربا ضد عدو داخلي او خارجي وغير ذلك.
ان اي بناء حضاري جديد لمجتمعات التخلف، اذا كان يستهدف تعبئة طاقات الشعب وتحريك امكاناته للمعركة ضد التخلف، فلابد له عند اختيار الإطار السليم ان يدخل في الحساب مشاعر المجتمع ونفسيته وتركيبه العقائدي والتاريخي، كما يقول محمد باقر الصدر، ذلك ان حاجة التنمية الحضارية الى منهج اجتماعي واطار سياسي ليست مجرد حاجة الى إطار من اطر التنظيم الاجتماعي، ولا يكفي لسلامة البناء ان يدرس الإطار و يختار بصورة تجريدية منفصلة عن الواقع. هذا لا يكفي لتحقيق النهضة وتغيير الواقع وتحقيق الإنجاز. لا يمكن لعملية البناء ان تحقق هدفها في تطوير المجتمع واستنفار كل قواه الا اذا اكتسبت اطارا يستطيع ان يدمج المجتمع ضمنه وقامت على أساس تتفاعل معه. حركة المجتمع شرط أساسي لانجاح اية عملية بناء حضاري جديد لان حركته تعبير عن نموه ونمو ارادته وانطلاق مواهبه الداخلية وحيث لا ينمو المجتمع لا يمكن لاي منهج او صيغ محنّطة ان تغير من الواقع شيئا.
وعليه،" فنحن حين نريد ان نختار منهجا او اطارا عاما لبناء الامة واستئصال جذور التخلف منها، يجب ان ناخذ هذه الحقيقة أساسا ونفتش في ضوئها عن مركب حضاري قادر على تحريك الامة وتعبئة كل قواها وطاقاتها للمعركة ضد التخلف"، كما كتب محمد باقر الصدر.
اضف تعليق