قد تسفر نتائج الانتخابات المقبلة عن حكومة اغلبية سياسية عرجاء، تتألف من احزاب فئوية وليس من احزاب وطنية. من الممكن ان تتفق كيانات شيعية واخرى سنية وكردية على تشكيل حكومة اغلبية سياسية، يقابلها اتفاق كيانات شيعية وسنية وكردية اخرى على تشكيل معارضة برلمانية سياسية...
كلمة "الاغلبية" majority ويقابلها كلمة "الاقلية" minority من المصطلحات الاساسية المتداولة في الفكر السياسي الديمقراطي. بل ان الديمقراطية في احد تعريفاتها السريعة هي "حكم الاغلبية".
لكن المصطلحين ليسا متداولين ولا مستخدمين في النظام السياسي العراقي الهجين واقعا والديمقراطي ادعاءً. فقد شاءت النخبة السياسية التي استحوذت على السلطة في العراق بعد ٢٠٠٣ ان تنحرف بالنظام الديمقراطي مستخدمة الادوات التالية: المكونات، التوافقية، الاستحقاق الانتخابي، المحاصصة، حكومة الشراكة الوطنية او اي مسمى بنفس المعنى. وكانت نتيجة هذه الاليات اشراك جميع الكتل السياسية الموجودة في البرلمان (معدل عددها ١٢ كيانا بين متوسط الحجم الى صغير وبغياب كيان كبير) في الحكومة بنسب تناظر نسبة تمثيلها في البرلمان.
وبسبب هذا النمط من النظام اتسمت الحكومات ومجالس النواب بعدم الفعالية من جهة، وغابت عن المسرح السياسي ثنائية الحكومة والمعارضة، من جهة ثانية، وهي الثنائية المعتادة في النظام الديمقراطي السليم.
منذ سنوات تعالت الاصوات الداعية الى تشكيل حكومة الاغلبية السياسية. وهذه دعوة سليمة اذا اريد من ورائها تصحيح الانحراف في النظام السياسي الراهن بشرط ان يكون المقصود بالاغلبية هو الاغلبية السياسية التي يمكن ان تتغير حسب نتائج الانتخابات، وليس الاغلبية الدينية او القومية او الطائفية، وهي اغلبيات ثابتة ولا تتغير. وبشرط ان تكون وطنية او تعددية بمعنى عدم تشكيلها من لون واحد.
لكن الدعوة الى تشكيل حكومة الاغلبية (السياسية الوطنية) لم تنجح بسبب طبيعة النظام السياسي القائم. فلا يمكن تشكيل حكومة اغلبية سياسية في دولة مكونات، قائمة على اساس التوافق، والمحاصصة، والاستحقاق الانتخابي والتحالفات الفئوية (قومية كانت او طائفية).
دولة المكونات تنتج حكومة مكونات، وحكومة المكونات تستلزم التقيد بمباديء المحاصصة والتوافق.
تنجح فكرة حكومة الاغلبية السياسية في دولة المواطنة، والديمقراطية التمثيلية العددية، والقبول بثنائية الحكومة والمعارضة. بل ان دولة المواطنة هي شرط حكومة الاغلبية.
وتشكيل حكومة أغلبية سياسية يستلزم تفكيك التحالفات الطائفية والقومية؛ اي التحالف الشيعي والتحالف الكردي والتحالف السني.
وقد اسفرت الصراعات السياسية عن تفكك هذه الكيانات دون ان ينتج هذا التفكك احزاب مواطنين، انما انتج كيانات فئوية اصغر تتحرك في دائرة مكوناتها العرقية والطائفية. لم ينجح هذا التفكك في انتاج كيانات سياسية عابرة للتخوم العرقية والدينية والطائفية. حين تفككت التحالفات العرقية والطائفية لم تتجه مكوناتها الاولية الى مكونات مغايرة في العرق او الدين او المذهب. ربما يحصل هذا في المستقبل اذا سار التطور السياسي في الطريق السليم.
وهذا امر يجب ان يعلن بوضوح، بدون خوف او تردد بالنسبة لمن ينادي بحكومة أغلبية سياسية.
الدعوة الى تشكيل حكومة الأغلبية السياسية تعني في نهاية المطاف اعادة هيكلة الدولة العراقية الراهنة وإقامتها على أساس المواطنة وليس على أساس المكونات.
وهذا هو احد المتطلبات الجوهرية للإصلاح السياسي: الاصلاح المتجه صوب الدولة الحضارية الحديثة.
ولكن قد تسفر نتائج الانتخابات المقبلة عن حكومة اغلبية سياسية عرجاء، تتالف من احزاب فئوية وليس من احزاب وطنية. من الممكن ان تتفق كيانات شيعية واخرى سنية وكردية على تشكيل حكومة اغلبية سياسية، يقابلها اتفاق كيانات شيعية وسنية وكردية اخرى على تشكيل معارضة برلمانية سياسية.
اضف تعليق