ليس مفهوما البتة الشعور بالياس بوجود الحرية التي تتيح للمواطن اشكالا من النضال والعمل والنشاط لا يمكن التفكير بها في ظل الاستبداد والدكتاتورية والطغيان.
قد يكون مفهوما ان يكون بعض الناس شعروا بعدم امكانية اسقاط نظام صدام حين كان في اوج قوته. فقد مارس الرجل اقصى درجات القسوة والقمع بحق معارضيه، وحكم بالحديد والنار من خلال اجهزة الامن والاستخبارات، وصفى كل منافسيه في حزبه الحاكم فضلا عن التصفيات الجسدية المتتالية بحق القوى السياسية المعارضة، وتمتع بدعم خارجي اقليمي ودولي قل نظيره، وتربع على قيادة خامس جيش في العالم كما يقال. في تلك الايام كان التفكير باسقاط نظام صدام نوعا من المستحيل، نوعا من التفكير الخيالي الذي يصعب على المواطن العادي تصوره.
ومع ذلك، فقد وُجد في الناس، في داخل العراق وخارجه، مَن لم يتسلل الياس الى قلوبهم ولا الشعور بالعجز الى نفوسهم، ممن اصروا على مواصلة العمل من اجل الاطاحة بصدام واسقاط نظامه وتحرير الشعب من نيره. وكان على راس هؤلاء الشهداء السعداء محمد باقر الصدر ومحمد محمد الصدر، اضافة الى الاحزاب السياسية المعارضة وفي مقدمتها حزب الدعوة والحزب الشيوعي والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية والاحزاب الكردية وغيرهم من الاحزاب الوطنية المعارضة، فضلا عن موكب طويل مهيب من الشخصيات المستقلة المعارضة امثال سعد صالح جبر واحمد الجلبي ومحمد بحر العلوم وغيرهم الكثير. رغم كل الجبروت والعنف والطغيان لم يشعر هؤلاء باليأس حتى سقط النظام بثمن باهض في ٩ نيسان عام ٢٠٠٣.
لكن ليس مفهوما ان يشعر البعض من امكانية التغيير السياسي في الوضع الراهن. واقع الحال الان في الدولة العراقية لا يرضي الانسان. فبعد سلسلة طويلة من عيوب التاسيس واخطاء الممارسة (مثل الطائفية السياسية والمحاصصة الفئوية وتشويه الديمقراطية) احتلت الدولة موقعا متميزا في قائمة الدول الفاشلة، ورداءة الاداء الحكومي، وتراجع الخدمات، وانتشار الفساد، وعدم قدرة الطبقة السياسية الحاكمة على اسعاد الناس وتوفير الحياة الكريمة لهم.
ولا يمكن لشعب ان يرضى على استمرار وضع كهذا. والمتوقع ان ينادي مفكرو ومثقفو هذا الشعب بالتغيير، وان يسعى مواطنوه الفعالون الى انجاز التغيير بما توفر من اليات وامكانيات. ومهما قيل عن فساد الوضع الراهن، فانه لا يمكن ان يقارن ببطش صدام ودمويته، وعليه فليس من المتوقع والمفهوم ان يصاب الناس بالياس والاحباط من امكانية التغيير والاصلاح. فليس بمقدور النظام السياسي الحالي اسكات اصوات الداعين الى الاصلاح، ولا اعتقال الناشطين منهم في سبيل التغيير. فالشعب يتمتع بحرية لم يتمتع بها من قبل، وبامكانه استثمار الحرية في عمل سلمي سياسي شرعي من اجل الاصلاح والتغيير بطرق اصولية كما تفعل الشعوب الاخرى بدون الحاجة الى العنف والتخريب.
اما الاكتفاء بلعن الشيطان واستخدام لغة الشتائم والسباب والعبارات البذيئة غير اللائقة مصحوبةً بالتذمر والضجر، والتعبير المستمر عن اليأس والاحباط والشعور بالعجز، والترويج لفكرة استحالة التغيير، فان ذلك لن يصحح خطأً ولن يصلح حالا ولن يقضي على فساد.
ليس مفهوما البتة الشعور بالياس بوجود الحرية التي تتيح للمواطن اشكالا من النضال والعمل والنشاط لا يمكن التفكير بها في ظل الاستبداد والدكتاتورية والطغيان. قليل من الامل والتفاؤل والثقة بالنفس كفيل بتغير الحال الى ماهو احسن منه.
اضف تعليق