ترامب من خلال إقالته لتيلرسون قطع آخر خيوط الإعتدال في إدارة الملفات الداخلية والخارجية خاصة، وهو يسعى إلى إحاطة نفسه بعدد من الصقور ممن يشاطرونه أفكاره ويدينون له بالولاء الكامل وترامب يعمل على عسكرة إدارته من خلال إزاحة تيلرسون وقبله عدد من المخالفين له.
قد تكون استقالة الوزراء والمسؤولين في الأنظمة الديمقراطية مسألة طبيعية جداً وتنسجم تماما مع المبادئ الديمقراطية، والقواعد الدستورية المعمول بها هناك، لكن مع صعود إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المثير للجدل على مستوى التصرف السلوكي والسياسي، تم إقالة وطرد وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية من الوزارة، وضرس العقل كما وصفته الصحافة الأمريكية في إدارة الرئيس ترامب، وريكس تيلرسون القادم من العمل بالمجال الإقتصادي النفطي، والمدير التنفيذي لشركة أكسون موبيل الشهيرة في الإستثمارات النفطية على مستوى العالم والمنطقة العربية.
وعين الرئيس ترامب بدلاً عن تيلرسون، مايك بومبيو عضو الكونغرس السابق عن حزب الشاي، ومدير وكالة الإستخبارات المركزية (CIA) الذي له علاقة وثيقة مع الرئيس ترامب، ويوصف بأنه ليس من الصقور فحسب، وإنما من صقور الصقور، وقد رأى فيه ترامب أكثر قرباً في تنفيذ سياسته الخارجية فعينه وزيرا للخارجية، معللا ذلك أنهما أي (ترامب وبومبيو) يفكران بنفس الأسلوب، ويتعاملان مع بعضهما البعض بشكل جيد منذ الدقيقة الأولى، بينما وصف تعامله مع تيلرسون بأنهما (كانا يفكران بطريقتين مختلفتين)، وبالتالي يكشف هذا الخبر (إقالة تيلرسون، وتعيين بومبيو) حجم التوجه الأمريكي الجديد بقيادة إدارة ترامب المؤلفة من صقور الحزب الجمهوري نحو سياسة خارجية من سماتها الخشونة، حتى تحقق المصلحة النفعية التي يراها الرئيس ضرورية للولايات المتحدة، وهذا قد يكون أحد الأسباب التي أدت إلى إقالة وزير الخارجية تيلرسون إضافةً إلى أسباب أخرى من أهمها:
1- عدم تبني تيلرسون علاقة قوية مع أركان وموظفي وزارته لاسيما وهو قادم من خارج وزارة الخارجية، وعرف عنه نجاحه كرجل أعمال تماما كالرئيس ترامب، وفي هذا السياق انتقدت الصحافة الأمريكية تيلرسون لأنه لم يحدد أولويات دبلوماسية واضحة سوى طرحه شعار ترامب (أمريكا أولا)، وبعد ثمانية أشهر من توليه الوزارة قال تيلرسون للموظفين في شهر أيلول الماضي: "إن أهم أولوياته جعل وزارة الخارجية أكثر كفاءة"، ومع ذلك لم يعالج بشكل كامل ما ينبغي أن يفعله الدبلوماسيون.
2- الخلاف الشخصي ما بين وزير الخارجية المقال، والرئيس ترامب حول طريقة الأخير في التعاطي مع الملفات الخارجية، وهذا ما جعل تيلرسون يصف ترامب بالأبله في تصريحاته أمام أعضاء لجنة الدفاع الأمريكية، ونفى تيلرسون قولها في وقت لاحق أيضا.
3- معارضة تيلرسون لأغلب سياسات ترامب الخارجية منها:
أ- نقد تيلرسون إنسحاب ترامب من معاهدة المناخ الموقعة مع الدول الأوروبية.
ب- نقد تيلرسون قرار منع ترامب الهجرة من العالم الإسلامي إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ج- رفض تيلرسون لغة التهديد التي تبناها ترامب في بداية إدارته للبيت الأبيض ضد كوريا الشمالية، وكذلك نقده إنفتاح ترامب المفاجئ ودون وضع المقدمات الضرورية مع كوريا الشمالية قبل إقالة تيلرسون بمدة قصيرة.
د- رفض تيلرسون التصعيد مع إيران وإلغاء الإتفاق النووي الإيراني الذي توصلت له إدارة الرئيس عن الحزب الديمقراطي أوباما وبمشاركة بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين، بعد مفاوضات ماراثونية، توصلت إيران والدول الستة في 2 نيسان من عام 2015 إلى بيان مشترك يتضمن إتفاقا وحلولا تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وتم إنجازه نهاية حزيران من عام 2015، وصف تيلرسون إلغاء الإتفاق بمثابة "إحراج للولايات المتحدة"، لاسيما في ظل الرفض الأوروبي بإلغاء الإتفاق طالما لا تزال إيران ملتزمة ببنوده بالرغم من أن التوجه الفرنسي الأخير بدأ أكثر مسايرة لإستراتيجية ترامب إتجاه إيران ومنه إلغاء أو تعديل الإتفاق إلى جانب توتر في العلاقة ما بين الروس حليف إيران الإستراتيجي، والأوروبيين حول ملفات مهمة كالأزمة الأوكرانية، ومحاولة إغتيال الجاسوس الروسي من قبل عناصر يعتقد بأنها من المخابرات الروسية في بريطانيا.
ه- رفض تيلرسون الإعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية للقدس، وموقف الولايات المتحدة من حل التوتر بين أطرف الأزمة الخليجية ما بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى.
و- لتيلرسون علاقات ودية مع القيادة الروسية والصينية خاصة وهو من الداعين إلى الحوار مع هاتين الدولتين، في حين أن سياسة صقور الجمهوريين تتسم بالتشدد، والتحسس من دور روسيا والصين المتصاعد في منطقة الشرق الأوسط خاصة في سوريا على حساب ما يعده الصقور في إدارة ترامب دور الولايات المتحدة وحلفائها.
كل هذه الأسباب وغيرها جعلت ترامب يقيل الوزير تيلرسون بتغريدة على تويتر وفي خطوة تحمل أكثر من دلالة، وتعكس خطورة الخطوات الخارجية القادمة والدور الأكثر تشددا لإدارة ترامب في منطقة الشرق الأوسط بقيادة الصقور أصحاب الخلفية العسكرية، وفي هذا السياق أشارت صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن متحدث باسم الخارجية إلى أن ترامب من خلال إقالته لتيلرسون قطع آخر خيوط الإعتدال في إدارة الملفات الداخلية والخارجية خاصة، وهو يسعى إلى إحاطة نفسه بعدد من الصقور ممن يشاطرونه أفكاره وتوجهاته ويدينون له بالولاء الكامل.
ويرى محللون أن ترامب يعمل على عسكرة إدارته من خلال إزاحة تيلرسون وقبله عدد من المخالفين له، فالوزارات المهمة أصبحت تحت إدارة عسكريين سابقين متطرفين في مواقفهم المتناغمة مع ترامب في الملفات الخارجية بدءا من وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو إلى نائب الرئيس مايكل بينس مرورا بمديرة المخابرات الجديدة جينا هاسبل، كما أن وزير الدفاع جيمس ماتيس ليس مخالفاً تماما لترامب. وهو يذكر المراقبين بإدارة الجمهوريين لاسيما في عهدي بوش الأب والابن رغم سخط ترامب من إستراتيجية بوش الابن في منطقة الشرق الأوسط، وإسقاط نظام صدام في العراق، وتوفير الحماية الأمنية للدول الخليجية الغنية بالنفط دون مقابل مادي كبير، وهذا ما جعل ترامب عندما أصبح رئيسا بادر مباشرة بتنفيذ ما طرحه في برنامجه الإنتخابي بإيجاد نوع جديد من الإتفاقيات مع عدد من دول الخليج خاصة السعودية، قائمة على أساس دفع السعودية مبالغ مالية طائلة بعناوين مختلفة في مقابل حمايتها من التهديدات الإيرانية، والسعي إلى محاربة نفوذها في المنطقة العربية.
وعليه تأتي الإستراتيجية الترامبية الجديدة بقيادة الصقور ماتيس وبومبيو وغيرهم. ومن أولى أولوياتهما على مستوى الملفات الخارجية، الملف الإيراني وإمتداداته المحورية خاصة بعد رصد موازنة عالية لوزارة الدفاع قد تصل إلى أكثر من 716 مليار دولار، وعودة التباشير الأولى لسباق التسلح في ظل الردع التسليحي المقابل من قبل روسيا والصين بعد سنوات من إنتهاء الحرب الباردة، وإعلان إيران بأنها مستعدة للانسحاب من الإتفاق النووي إذا ما انسحبت الولايات المتحدة منه، وفي قبال ذلك صرحت السعودية الخصم اللدود لإيران على لسان ولي العهد محمد بن سلمان بعد ذلك مباشرة: "إن السعودية ستمتلك السلاح النووي إذا ما طورت إيران سلاًحا نووياً".
ومن دون شك أن أي إضطراب سواء كان تقليدي أو غير تقليدي بين الدول المذكورة ستكون له تداعيات كبيرة على المحيط الإقليمي، من هنا ضرورة تقديم الحكمة ولغة العقل على لغة الحرب المباشرة وغير المباشرة، وحل المشاكل العالقة بين القوى المتصارعة إقليميا بالطرق السلمية، وعدم زج الدول الإقليمية الأخرى كالعراق وبلدان أخرى نفسها مع أي طرف من أطراف القوى المتصارعة في أي حماقة حربية مقبلة.
اضف تعليق