خطاب الرئيس أبو مازن في الجلسة الافتتاحية للمجلس المركزي مساء الرابع عشر من يناير الجاري خرجت عن سياق خطابات رؤساء الدول وكانت أقرب لمحاضرة سياسية تاريخية لمفكر قومي عربي ووطني فلسطيني في تاريخ الصراع في المنطقة، حيث استعرض تاريخ التآمر على المنطقة والتحالف الاستعماري اليهودي على المنطقة منذ الحرب الأهلية في بريطانيا (1642 - 1689) ما بين كرومويل وآل ستيوارت مرورا بالحملة الفرنسية على الشرق ((1798-1801 ووعد بلفور 1917 وانتهاء بترامب وقراراته.
إذا ما تجاوزنا أن هذا السرد التاريخي ليس مكانه اجتماع قيادي في مرحلة مصيرية لبحث ما يمكن عمله للرد على أحداث آنية تهدد المشروع الوطني برمته، إلا أن في الخطاب مراجعة نقدية واعتراف بفشل مراهنات وتصعيد في اللهجة تجاه كل الأطراف وخصوصا تجاه الإدارة الأمريكية وبعض الأطراف العربية، وكأن الرئيس يريد أن يقول أللهم أني قد بلغت، الأمر الذي يطرح تساؤلات عما إن كان الرئيس قد قرر اعتزال العمل السياسي الرسمي؟.
خطاب الرئيس أثار قلقا وتخوفات أكثر مما أعطى اجابات حيث ترك الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات ولم يضع خطة طريق للخروج من المأزق، وأن يقول بأنه يترك الأمر للمجتمعين لاتخاذ ما يرونه من قرارات لا يكفي لأن كل شيء في النهاية بيد الرئيس وعندما تغيب الرؤية المستقبلية الواضحة أو خطة للطريق عند الرئيس لا يمكن التعويل على المجلس المركزي أو أية جهة أخرى لوضع خارطة طريق أو استراتيجية للمستقبل.
خطاب الرئيس كما هو الحال بقرارات المجلس المركزي وإن اتسما بالتوازن والاعتدال والوضوح في رفض سياسات ترامب وخصوصا الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ورفض صفقة القرن ورفض الخضوع للابتزاز المالي من واشنطن أو غيرها، إلا أنهما اتسما بالغموض واللبس وغياب الحسم في القضايا الرئيسية : مصير السلطة الفلسطينية ما بين الحل وتغيير الوظيفة وكيف تكون السلطة منجزا وطنيا وفي نفس الوقت يقول الرئيس بأنها أصبحت سلطة بدون سلطة وأنها ساعدت إسرائيل بأن يكون احتلالها مريحا وغير مكلف، تجسيد قيام الدولة عمليا وماذا بعد الاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال؟، مستقبل التسوية السياسية وهل ستستمر الأمور على حالها من حالة ألا سلم وألا حرب، أو ألا دولة وألا ثورة؟، استمرار المراهنة على الأمم المتحدة وخصوصا أن الرئيس يعترف بعدم تنفيذ أي من القرارات التي صدرت عنها منذ 1947، اعتراف المنظمة بإسرائيل وهل تعليق الاعتراف يكفي ومعنى التعليق ومتى سينفَذ؟، المصالحة الوطنية ومعنى قول الرئيس بأنها موش ماشيه وغير متوقفة؟!، معنى المقاومة الشعبية السلمية وكيفية ممارستها وما مرجعيتها؟.
إن كان من خلل في خطاب الرئيس وفي المجلس المركزي فهو لا يعود لهما بالتحديد بل للحالة الفلسطينية برمتها وللنخب السياسية في كل مواقعها، ذلك أن حالة الانقسام الداخلي تجعل الحالة الفلسطينية تدور في حلقة مفرغة، ومرحلة ما بعد المجلس قد تشهد مزيدا من المناكفات السياسية الداخلية حول تطبيق قرارات المجلس المركزي.
سيكون من نافلة القول بأن تل أبيب وواشنطن تتحملان المسؤولية الأكبر عن إفشال مشاريع التسوية السياسية لمشكلة الشرق الأوسط وعن لانقسام الذي باعد ما بين الضفة وغزة، وعن حصار غزة،، فهذا الإفشال هو ما مكَّن إسرائيل من الاستمرار في مشاريعها الاستيطانية والتهويدية في الضفة والقدس وسهل المأمورية على الرئيس الأمريكي ترامب لأن يتخذ قراره الأخير بشان القدس.
ومن نافلة القول أيضا بمسؤولية التخاذل بل والتواطؤ العربي تاريخيا وراهنا حيث خوفنا اليوم من التآمر العربي الرسمي لا يقل عن خوفنا من واشنطن ومخططاتها حيث صفقة القرن لن تمر إلا بموافقة ومشاركة لبعض الدول العربية.
لكن استمرار التأكيد على ما بات معروفا لا يكفي لوحده ولا يَصلُح كأساس لإستراتيجية وطنية لتغيير الواقع القائم، كما لا يَصلُح كأساس لخطاب سياسي نخاطب به العالم نضع أنفسنا فيه موقع المظلومية، ذلك أن العالم يُدرك حقيقة إسرائيل كدولة استعمارية وحقيقة السياسة الأمريكية في المنطقة، ولكنه ينظر وينتظر ويتساءل أين الفلسطينيون وكيف يتصرفون دفاعا عن قضيتهم العادلة؟.
نعم إسرائيل دولة استعمارية إرهابية، ولكن ماذا بالنسبة للطرف الثاني من المعادلة أو الصراع ونقصد هنا الطرف الفلسطيني وتحديدا النخب السياسية في السلطة والمعارضة؟ ألا توجد مسؤولية عليهم ليس لأنهم لم يهزموا إسرائيل عسكريا فهذا أمر يتجاوز قدراتهم الذاتية الراهنة، ولكن مسؤوليتهم عن حالة الإرباك والتردد في اتخاذ قرارات حاسمة في كل القضايا وانتهاج سياسة الانتظار والهروب نحو الشعارات وتكرار الحديث عن التمسك وعدم التنازل عن الثوابت والمرجعيات.
اضف تعليق