قد يبدو العالم متفائلا من إمكانية عقد اتفاق نووي بين إيران والقوى الكبرى الست (مجموعة 5+1)، والذي أصبح "بمتناول اليد" كما وصفته مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد "فيديريكا موغيريني"، والتفاؤل حق مشروع وطبيعي، خصوصا اذ كان يتعلق باتفاق قد يبعد شبح حرب (التي قد تصل الى حد استخدام الأسلحة النووية) محتملة في منطقة الشرق الأوسط، بعد ان هدد بها أكثر من طرف (إسرائيل، إيران، الولايات المتحدة الأمريكية) في حال لم يتم التوصل الى اتفاق مثمر ينهي سباق المفاوضات التي استمرت على مدى عام من الزمن، وسنوات من العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران من المجتمع الدولي، إضافة الى اكثر من عقد من الصراع النووي و35 عام من القطيعة بين ايران والولايات المتحدة الامريكية.
لكن، وفي حال فرضنا إمكانية ابرام الاتفاق النووي مع إيران، كيف يمكن ان نتصور صورة الشرق الأوسط الجديد في ضوء هذا الاتفاق؟
وما هي التغيرات المحتملة او العلاقة التي ستجمع إيران مع الولايات المتحدة الامريكية من جهة والعلاقة التي ستجمع الأخيرة بحلفائها في المنطقة؟
في معرض الإجابة عن الاحتمال او السؤال الأول، فان البعض يرى بان صورة الشرق الأوسط لما بعد الاتفاق النووي مع إيران لن تكون مغايرة تماما لما قبل الاتفاق، وحتى مع أفضل الاحتمالات في التوافق وتقارب وجهات النظر بين الأطراف المشاركة في المفاوضات، إضافة الى قبول وترحيب المجتمع الدولي بنتائج الاتفاق الإيجابية، فان تغييرا مفاجأ لا يمكن حدوثه بين ليلة وضحاها، وهو ما أكدته جميع الأطراف المشاركة في صياغة تفاصيل الاتفاق التقنية والسياسية، اذ ان القضية أكثر تعقيدا من مجرد اتفاق حول تحجيم طموح إيران النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، وفي حال حدوث أي تغير في العلاقة التي قد تجمع الولايات المتحدة الامريكية بإيران فلن يقتصر السبب بالتأكيد على جزئية الاتفاق النووي فحسب، بل ما قبل الاتفاق النووي وما بعد الاتفاق النووي مع ايران؟
فيما يرى البعض الاخر انه ومنذ مجيء الرئيس الأمريكي "أوباما" الى السلطة، والحديث يتنامى حول فتح عدة خطوط وقنوات سرية للتواصل مع قادة إيران، لإجراء المزيد من التفاهمات حول الازمة العراقية (إضافة الى الازمات اللاحقة التي تلت احداث الربيع العربي عام 2011 في عدة دول عربية)، وهو ما تطور سريعا ليشمل فتح الملف النووي الايراني مع وصول روحاني وحكومة الإصلاحية في إيران (ورغبتها في الانفتاح مع الغرب) والتي تمت بوساطة خليجية (عمان)، ومع تنامي نفوذ تنظيم "داعش" في سوريا، واحتلاله لمساحات واسعة في غرب وشمال وشرق العراق (بعد هجمات التاسع من حزيران عام 2014) سعت الولايات المتحدة الامريكية للاستفادة من نفوذ ايران لمساعدتها في مكافحة التنظيم داخل العراق، وهو ما حدث في عدة مناطق عراقية (امرلي، جرف الصخر، ديالى، تكريت)، وبإشراف ميداني مباشر من قبل قادة وخبراء إيرانيين، طبعا هذا الامر كان على حساب حلفاء الولايات المتحدة الامريكية التقليديين (السنة) في منطقة الشرق الأوسط، وهم اكثر المنزعجين من هذا التوافق الذي سبق ابرام الاتفاق النووي المفترض عقدة في النصف الثاني من العام الحالي، وقد ربط حلفاء الولايات المتحدة الامريكية بين هذا التعاون (في العراق) وبين المفاوضات النووية معتبرين ان التقارب الأمريكي-الإيراني قد حدث بالفعل.
بالمقابل فان الولايات المتحدة لم تفسر هذه المفاوضات او التقارب بينها وبين إيران حول بعض الملفات الأمنية على أساس ارتقائها الى مستوى "المصالحة"، لكن لم تنفي وجود "تعاون" او إمكانية حدوث ذلك مستقبلا، وهو ما قالته المتحدثة باسم الخارجية الامريكية "ماري هارف" خلال مؤتمر صحافي في واشنطن، "نحن لا نربط الاتفاق النووي او نجاح اتفاق نووي بإعادة العلاقات او بتقارب حول مسائل اخرى او بشكل عام"، وردا على سؤال عن امكانية حصول مصالحة بين الولايات المتحدة وايران في حال تم التوصل الى اتفاق حول البرنامج النووي الايراني قالت هارف انه "لا يمكنها ان تتوقع ماذا سيجري في غضون سنتين او 10 سنوات او 15 سنة"، واشارت الى ان الرئيس الامريكي "باراك أوباما" وبمعزل عن المفاوضات حول الملف النووي اكد مرات عديدة انه يأمل "ان تكون علاقة الولايات المتحدة بإيران والايرانيين مختلفة يوما ما".
وربما يهدف الرئيس الأمريكي "أوباما" الى تحقيق التوازن في الشرق الأوسط (الجديد) من خلال ابراز قوة إقليمية صاعدة ومتوازنة يمكن الاعتماد عليها كشريك جديد في المنطقة، إضافة الى الحلفاء التقليديين، ويرى أوباما ان تحقيق التوازن في الشرق الأوسط بات ضروريا للسيطرة على القوى واللاعبين الثانويين، فإيران كدولة إقليمية (شيعية) مهمة يمكن التعاون معها للسيطرة والتأثير على عدة مناطق في الخليج والشرق الأوسط (سوريا، لبنان، فلسطين، اليمن، العراق، البحرين)، بحكم ما تمتلكه من نفوذ على أحزاب وحركات وقوى مسلحة في الشرق الأوسط، مثلما تتعاون الولايات المتحدة الامريكية مع دول إقليمية (سنية) مهمة في الشرق الأوسط، تتمتع بنفوذ اقتصادي وسياسي على عدة دول في المنطقة، كما هو الحال مع السعودية، ويمكن لإيران ان تلعب دور مهما في الحسابات الامريكية لاستقرار المنطقة، في حال نجاح المفاوضات النووية معها، طبعا وفق السيناريو والتخطيط الأمريكي، ويمكن رفع وتيرة التعاون الى المصالحة في وقت قياسي، الا ان العديد من المعرقلات التي ستكون في طريق هذا السيناريو الافتراض والتي قد تكون على شكل:
1 . مرحلة ما بعد الاتفاق النووي قد تكون محل للمراقبة ومتابعة بنود الاتفاق النووي، وهي مرحلة يمكن فيها اختبار مدى صدق إيران بتطبيق الاتفاق النووي الموقع، واثبات حسن النية، وهي فترة ستتسم بالتشكيك والحذر وتبادل الاتهامات حول خروقات حقيقية او مفتعلة بين الطرفين، يمكن ان يلعب فيها المجتمع الدولي دورا فاعلا في بناء الثقة والمصداقية.
2. مرحلة الاستهداف المباشر لجدوى الاتفاق من قبل حلفاء الولايات المتحدة الرافضين لسيناريو تحول إيران لدولة إقليمية مهمة في الشرق الأوسط (إسرائيل، السعودية)، وقد ترتفع فيه وتيرة الاستهداف السياسي والاقتصادي والدبلوماسي، من اجل الاستفادة من ضعف الفترة الانتقالية (مرحلة المراقبة والحذر) في اتهام إيران بخرق الاتفاق النووي، وربما الاستفادة أيضا من الفترة الرئاسية الجديدة للولايات المتحدة الامريكية لعام 2017، في حال تولي رئيس امريكي من الجمهوريين، الرافضين لفكرة التعاون مع إيران (اغلبهم)، وهو ما يعقد المسألة وربما يخلط الأوراق من جديد.
3. رفع وتيرة الصراع بالنيابة في مناطق مفتوحة للصراع في الشرق الأوسط، وهو سيناريو يمكن حدوثه بسهولة من اجل استدراج طرف معين الى صراع معقد يمكن ان ينعكس سلبا على سياسته الخارجية او الدبلوماسية مع الغرب وبقية الدول الكبرى في المنطقة.
اضف تعليق