مؤخرا أطلقت سفارة الولايات المتحدة الامريكية في السعودية "مخاوف أمنية تتعلق بالبعثات الدبلوماسية الأمريكية في السفارة والقنصليات" داخل المملكة لمدة يومين، محذرة رعاياها "على التنبه لمحيطهم واتخاذ إجراءات أمنية إضافية والتصرف بحذر شديد خلال التنقل في البلاد، ودعت الخارجية الأمريكية كافة الأمريكيين إلى مراجعة خطط سفرهم للسعودية بحذر، وتجنب التجمعات والتخطيط لتحركاتهم وتحديد أماكن آمنة مثل المؤسسات والمرافق الحكومية"، ومع ان تفاصيل هذه التهديدات ظلت مبهمة، الا ان السفارة الأمريكية ذكرت في بيانها إن مستوى المخاوف الأمنية التي دفعتها لاتخاذ القرار تحمل درجة "مرتفع"، وفي سؤال لعميل سابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حول هذه التحذيرات الأمنية التي علقت العمل بسفارتها في الرياض وقنصليتي جدة والظهران، أكد ان "هناك خطر جدي فالحرب في العراق لديها تأثير حقيقي على أجواء التيار المتشدد في السعودية، والذي يتهم أمريكا بالانحياز إلى إيران في هذه المعركة"، وأضاف ان "حقيقة إمكانية حصول هذا الأمر بالسعودية ليست مستغربة، لأنه قد حصلت وقائع خلال السنوات الماضية بالمملكة تعرض خلالها عدد من الأمريكيين للاستهداف"، اما الجهة التي قد تشكل مصدرا لتهديد المصالح الأمريكية بالسعودية فاعتبر ان "من المؤكد بأن خطرا من هذا النوع ضد أهداف أمريكية بالسعودية سيكون مصدره الدعاية الإعلامية لتنظيم داعش، الذي يحرض على مهاجمة المواطنين الأمريكيين حول العالم، أما تنظيم القاعدة فيبدو وكأنه بات ملحقا بالكامل بهذا التنظيم".
ويبدو ان المخاطر الأمنية التي المحت لها السفارة الامريكية في السعودية، والتي كانت "مرتفعة" بحسب الرواية الرسمية للولايات المتحدة الامريكية، كانت قريبة من التنفيذ ضد مصالحها وبعثاتها الدبلوماسية التي اغلقتها ليومين في الرياض وجدة والظهران، وقد تكون هذه المحاولة أحبطت في مراحلها الأخيرة، ومن الواضح ان تنظيم "داعش" يقف خلف هذا التهديد، فالقاعدة باتت اضعف من القيام بعمليات داخل المملكة (كما نفذت عدة عمليات في السابق)، يقابلها صعود تنظيم داعش الطامح، والذي اعلن في اكثر من مرة رغبته بالوصول الى الأراضي المقدسة في (مكة والمدينة) واسقاط نظام الحكم في السعودية، بعد ان امر زعيم التنظيم (أبو بكر البغدادي) في تسجيل صوتي العام الماضي، أتباعه "بتفجير براكين الجهاد في كل مكان" وبالأخص في السعودية الت وصفها بانها "رأس الأفعى ومعقل الداء"، بعد ان اكد ان لا مكان لـ"المشركين في جزيرة العرب" ودعا الى مقاتلة الروافض (الشيعة) والعائلة الحاكمة بالقول "مزقوهم إربا، نغصوا عليهم عيشهم وعما قريب تصلكم طلائع الدولة الإسلامية"، وقال إن "خلافته ما لبثت تتسع في العالم العربي" وهذه "الخلافة الإسلامية" المفترضة من قبل التنظيم لن تتم من دون الحصول على المناطق المقدسة لدى المسلمين (لإضفاء الشرعية الدينية)، كما انه عين والى من قبل التنظيم داخل المملكة، واستهدف في عملية سابقة المواطنين الشيعة في يوم عاشوراء، موالون لداعش بإطلاق الرصاص على المواطنين داخل المسجد، ما أوقع سبعة شهداء في قرية "الدالوة" بمحافظة الاحساء، ومع بداية العام الحالي، نفذت على الحدود السعودية-العراقية، أدت الى مقتل قائد حرس الحدود الشمالية وأحد الجنود، فيما أصيب ضابط آخر بعدما فجر انتحاري من المهاجمين حزامه الناسف.
قبل أيام نشر على مواقع التواصل الاجتماعي صور وتسجيل لشخص ملثم يدعى "فتى الجزيرة" وهو يقف بمحاذاة برج الساعة في مكة المكرمة اثناء مبايعة لتنظيم "داعش"، كما طالب من أسماهم "الموحدين" بتشكيل مجموعات للتظاهر أمام السجون، والمطالبة بإطلاق سراح موقوفين في قضايا أمنية، ونصرة داعش، إضافة الى قتل رجال المباحث العامة، بعد ان وصفهم بالمرتدين، ودعا إلى استهداف رجال الأمن عبر تفعيل "الخلايا النائمة" او "الذئاب المنفردة"، طبعا هذا الامر لم يكن الأول من نوعه بالنسبة لعلاقة المتطرفين داخل السعودية بتنظيم "داعش" (فقد تم رفع علم التنظيم اثناء موسم الحج الاخير) فحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" التي أوضحت فيه خارطة المقاتلين في صفوف التنظيم، وفقا للمركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي (ICSR)، أوضحت ان (2500) مقاتل سعودي التحق بتنظيم داعش في العراق وسوريا، ليكون ثاني اعلى رقم بعد تونس (3000)، من اصل اكثر من 80 جنسية عربية وغربية لمتطرفين يقاتلون مع التنظيم.
وتخشى العائلة الحاكمة للملكة لخطر تمدد تنظيم "داعش" الذي بات يهدد كيانها ونظام الحكم فيها بصورة جدية، بعد افول قوة تنظيم "القاعدة" وبروز "داعش" كقوة يمكن ان تحدث فرقا داخل السعودية لعدة أسباب، لعل من اهمها الفكر الوهابي الراسخ في السعودية، والذي يعتبر المنبع الأساسي للفكر المتطرف للقاعدة وداعش ومثيلاتها، وبما ان تركيبة الحكم في السعودية قامت على شراكة معقدة بين طرفين أساسيين (ال السعود ومحمد بن عبد الوهاب)، فقد شكل تفكيك هذه الشراكة مهمة مستحيلة، الامر الذي ولد أجيال من المتأثرين بالأفكار الجهادية المتطرفة، وكما ذكرت "رويترز" نقلاً عن كتاب لـ "ستيفان لاكروا" اشارته الى موضوع التعصب في الخطاب الديني السعودي واصفاً اياه بأنه "قويّ للغاية" و"بالتالي فإن هناك استعداداً لدى السعوديين لفهم وتقبّل تلك المبررات المتعلقة بالفكر المتشدد، في حين لا تزال بعض الكتب المدرسية التي كتب رجال دين شقاً كبيراً منها تعبّر عن مشاعر قويّة ضد غير المسلمين على الرغم من تعهد الرياض بتطهير مناهجها من العبارات التي تنم عن عدم تسامح، وقال جمال خاشقجي الذي يرأس محطة تلفزيونية يملكها أمير سعودي إن الطريقة الوحيدة لمواجهة "القاعدة" و"داعش" تكمن في الشفافية والانفتاح بشأنها، وأضاف أن "هناك مشكلة تتمثل في أن بعض التعاليم تروج للتشدد وأنه لم تعد هناك حاجة لمثل هذه التعاليم".
كما ان العامل الاقتصادي المهم (النفط) والممتاز الذي تتمتع به المملكة السعودية يسيل لها لعاب المتطرفين، سيما وان تنظيم داعش أصبحت له خبرة (يفوق بها التنظيمات الأخرى) في الاستفادة من حقول ومصافي النفط تجاريا، بعد ان صدر كميات كبيرة من النفط السوري والعراقي عبر مافيات التهريب التركية، والتي درت عليه أكثر من 2 مليون دولار في اليوم الواحد، وبالرغم من احباط الأجهزة الاستخبارية في السعودية لمعظم الهجمات التي تحاول التنظيمات المتطرفة القيام بها في الداخل، الا ان اعداد المتعاطفين مع التنظيم داخل المملكة يصعب عمل الجهد الاستخباري خصوصا على مستوى "الهجمات الفردية"، إضافة الى وجود العديد من الداعمين السابقين لتنظيم داعش وغيره في بداية الازمة السورية، ويرى الكثير من المراقبين ان إمكانية تحول هذا الدعم من الخارجي الى الداخلي امر وارد، وقد تجند هذه الأموال لتشكيل خلايا جهادية داخل المملكة، وتنفيذ هجمات ستكون بالتأكيد اكثر دمارا واشد عنفا من الهجمات التي شنها تنظيم القاعدة في السابق.
اضف تعليق