يرتكز النظام السياسي على قواعد واسس يستمد منها شرعية ومشروعية ليتمكن من مسايرة الاحداث والتكيف معها ليوفر ضمانة بقائه وحركته ضمن محاور متعددة، كما ويحتاج هذا النظام الى اعادة انتاج مستمرة لإيجاد نخبة حاكمة تتمتع بميزات يتطلبها المجتمع وهو ما نطلق عليه السلطة والتي بدورها تقسم الى تشريعية وتنفيذية وقضائية وتختلف مهماها بحسب نوعية النظام المتبع في تلك الدولة سواء كان نظام نيابي او رئاسي او مختلط وما شابه ذلك، اما في حالة العراق فقد جرى اختيار النظام النيابي بعد عام 2003 نظراً لأمور عدة على رأسها التجربة المريرة التي عاشها العراق خلال حقبة النظام الرئاسي وما رافقها من احداث اضافة الى محاولة لجمع اكبر عدد من الشرائح الاجتماعية واشراكهم في العملية السياسية، والاهم من كل ذلك تعدد وتنوع قوى المعارضة وصعوبة احتوائهم الا من خلال التمثيل النيابي.
ومن بين ابرز القوى السياسية التي تصدت للعمل السياسي هي الاحزاب والقوى ذات التوجه الديني بشقيه الشيعي والسني لاعتبارات عدة انها كانت على رأس القوى التي عارضت نظام صدام حسين واكثرها معاناة من سياسات النظام، اضافة الى الحضور الواسع لها بعد التغيير مع التحاق معارضة الداخل معها وحصولها على تأييد شعبي في بداية التغيير باعتبارها المنقذ الاكثر نضجاً والاكثر تعويلاً نتيجة لقربهم من المواطن وما تعرضوا له من الظلم أدى الى توجه الفرد العراقي لهم كمخلص للازمات المتفاقمة، والبعض منهم كان قد ركب على موجة الصراع الطائفي خلال الفترة المنصرمة لا سيما انتخابات 2006 و2010 وحتى 2014، وهنا لا بد من مصارحة، فاغلب تلك القوى الدينية بشتى مسمياتها قد اخفقت عن تحقيق وعودها ولا تتحمل ذلك بمفردها فاغلب القوى الاخرى شريكة معها في ذلك الاخفاق الا ان الانظار والريادة كانت لها باعتبارها المتصدية للعمل الحكومي فنتيجة طبيعة ان تتحمل المسؤولية الاكبر.
وبعد انزواء تنظيم داعش الارهابي وبدء العد التنازلي للموعد الانتخابي والمقرر في 15 ايار 2018 بحسب اعلان الحكومة العراقية لإجراء الانتخابات النيابية الى جانب الانتخابات المحلية لاختيار اعضاء مجالس المحافظات بدأت ملامح التحالفات تظهر شيئاً فشيء، فأغلب القوى الدينية التقليدية والمتمثلة بالتيار الصدري وحزب الدعوة والمجلس الاعلى وتيار الحكمة الجديد وحزب الدعوة اضافة الى الحزب الاسلامي السني ربما تخوض مضمار الانتخابات بشقين : الاول يجمع رئيس الوزراء الحالي السيد العبادي مع التيار الصدري وتيار الحكمة الوطني الى جانب قوى اخرى تتكون من شخوص تكنوقراط الى جانب قوى سنية أخرى.
اما الشق الثاني من القوى التقليدية الدينية يتوقع منها ان تتكون من ائتلاف دولة القانون بزعامة السيد المالكي الى جنب الحزب الاسلامي فضلاً عن قوى اخرى صغيرة وعشائرية، اما التحالف الجديد الذي اعلن عنه مؤخراً فيضم اغلب الفصائل الشيعية المسلحة سواء تلك التي قاتلت الاحتلال الامريكي او ممن انضمت لاحقاً للحشد الشعبي في مقاتلة تنظيم داعش الإرهابي، لكن هذا الامر ليست بمسمياتها العسكرية وذلك تجنباً لتعارضها مع القانون والذي يمنع مشاركة الاجنحة المسلحة في الترشح للانتخابات ما لم يقدموا استقالتهم خلال مدة لا تتجاوز الستة اشهر قبيل موعد اجراء الانتخابات لذلك فقد دخلوا تحت مسماهم السياسي، ومن ضمن ذلك التحالف الحركة الاسلامية في العراق وعصائب اهل الحق والكتائب وغيرها من الاجنحة الاخرى ومن المتوقع ترأسها من قبل كتلة بدر او تنزل بمفردها على ان تتحالف هي وقائمة السيد المالكي وتحالف الحشد بعد اعلان النتائج.
اما اغلب التوقعات فتشير الى اتجاه الرأي العام نحو القوائم ذات التوجه غير الديني وهو ما لاحظته كثيراً من القوى الدينية التي سرعان ما غيرت من توجهها ورفعت شعار المدنية، ايضاً القوى الدينية السنية والشيعية ستحاول الدخول بمسميات اكثر مدنية او وطنية ركوباً للموجة او بعضها يسعى حقاً للإصلاح وتدارك الاخطاء الماضية، جميع ما تقدم يبقى مرهون بخيار الناخب العراقي والذي تطغي عليه صفات الاختيار بالعاطفة والتأثر بالخطاب وهو ما يقع على عاتق المثقفون والقوائم والاحزاب الوطنية بالنزول للشارع والاحتكام للأمور العقلانية واقناع المواطن بضرورة الاختيار الصائب بعيداً عن العاطفة او التأثر بالعامل الطائفي او القومي، اضافة الى مسؤولية كبرى تناط بالمفوضية والقائمين على الانتخابات بتطبيق الاجراءات الوقائية فيما يخص المخالفبن للضوابط وملاحقة من يلجأ للمال السياسي او الاستغلال الوظيفي للخروج بانتخابات نزيهة تقوم على اساس التنافس الشريف بين المرشحين.
اضف تعليق