لطالما كان التعايش هو كلمة السر الحقيقية التي تجعل من الاستقرار ركيزة اساسية وتتويجاً نهائية له، وقد عاشت المحافظة حالة من التدهور الامني وانتشار الارهاب منذ عام 2004 حتى الان ما قتل فرص كثيرة لإرساء اساسيات هذا التعايش وتطبيقه، مما ادى الى نفور حاد بين المكونات الموصلية كافة بسبب ما خلفه الارهاب والارهاب المتبادل من تراكمات كبيرة جعلت من المحافظة اشبه بكانتونات دينية ومذهبية بسبب التهجير العكسي المتبادل بين مركز الموصل واقضيتها لتفريغها من هذا التنوع.
ولعل المواطن البسيط كان ضحية الضخ الايديولوجي والمذهبي الذي كان يمارس ضده بشكل كبيرة من قبل اطراف داخلية وبدعم وتمويل خارجي، اذ ان سقف الهوية الوطنية قد سقط ولم يعد يحمي الجميع تحته، مما ادى الى العودة والانزواء خلف التخندقات المذهبية والقومية والعشائرية والتي اثرت بشكل كبير على المحافظة.
لتأتي مرحلة ما بعد داعش بهذه المشاكل مجدداً، وتضعها على طاولة النقاش من جديد في محاولة لإيجاد حلاً لها بعد التجربة القاسية التي عاشتها المحافظة طوال العامين والنصف السابقين ، فقضية التعايش والترويج لهذا الفكر ودعمه يجب ان يكون ركيزة اساسية وأولوية قصوى عبر ايجاد الهوية الجامعة الوطنية التي تخرج المواطن العادي من تخندقه الفرعي الذي يصنفه ويجعله يسلك سلوك غير طبيعي بسبب هذا الانتماء ، وهذا المشروع يحتاج لسنوات عديدة وربما لعود لكي يتم ارساءه من ثم تحقيق الاستقرار الاجتماعي بشكل كبير داخل المحافظة.
ان اول منطلق من منطلقات التعايش تكمن في عملية تشريع قانون عبر مجلس النواب وتعميمه على المحافظات كافة وليس فقط الموصل ، يحاسب هذا القانون اي فعل طائفي او عنصري يقوم به اي فرد ، ويجعله يقف امام القضاء نتيجة لهذه الممارسات ، فلا يمكن للتعليم والتثقيف لوحده ان يخلق جيلاً من الافراد الذين يمكن ان يتعايشوا لطالما انه لا يوجد قانون يجرم هذه الافعال ويمنعها . هذا القانون سيمكن من فرض هذه الفلسفة بشكل كبير ويجعلها تنمو وتصبح حالة عامة لمكافحة التشدد والعنصرية والتشجيع لتقبل الاخر الذي يشترك مع الجميع في ارض نينوى ومواردها.
لعل من ابرز الاخطار التي تواجه المحافظة بعد اكمال عملية التحرير وبداية ادارتها الجديدة هو ما خلفته داعش من تراكمات اجتماعية كبيرة كانت نتيجة مباشرة لسلوك هذا التنظيم ، فجيوش الارامل والايتام تكاد تكون حالة عامة في المدينة تنبؤ بوجود خطر كبير لظهور جيوش من المتسولين وغير المتعلمين وانتشار الفقر وربما سهولة اصطيادهم في شبكات الاجرام وربما الارهاب والدعارة لتوفير لقمة العيش بسبب عدم وجود مشروع حكومي يحتويهم .
تقف هذه الاشكالية بصورة مباشرة امام الحكومة العراقية وحكومة المحافظة المحلية (التي لم تقدم شيء يمكن التفاؤل به الى الان) للمحافظة، للحؤول بالضد من تفشي وانحراف هذه الفئات الذين اما تعرض ذويهم الى عمليات اعدام مباشرة او لقوا حتفهم جراء عمليات التحرير .
من جهة ثانية تكمن المشكلة الاجتماعية الاخرى في وجهها الاخر وما خلفته داعش من اسر دون معيل ستكون عبئاً على المجتمع ، بعدما اختار ذويهم احد الطريقين اما الموت مع داعش او الاعتقال (وهو نادر نسبيا) ، فاسر الدواعش هنا في بعض الاحيان كانوا ضحية لسلوكيات ذويهم ولم يكونوا جزء من داعش ، وحتى اولئك الذين كانوا جزءاً فعلى سبيل المثال ، ما ذنب طفل كان ولده منتمي لداعش ذهب وقتل في احدى المعارك ليترك زوجته وابناءه دون معيل ، بالنهاية نحن نتحدث بمنطق بناء دولة بعكس منطق داعش الذي لا يفهم هذه اللغة اساسا ، لذا ينبغي هنا التأكيد اننا نتحدث عن دولة تتعامل مع الجميع بنفس السلوك ، فبعض الاراء تطرح الان حول امكانية عزل واخراج هذه الاسر خارج المدينة في مخيمات خاصة ، وبعضها الاخر يطالب بالقصاص المباشر كما كان يفعل التنظيم ، وهذا ما يفرض على الحكومة ايجاد حل سريع لهذه الحالة بعد ان بدأت عمليات التصفية بشتى انواعها على مستوى التهجير او القتل المباشر بداعي الثأر .
فضلا عن ذلك تكمن مشكلة المناصرين لداعش ممن لم ينتموا لكنهم مؤيدين للتنظيم طوال الخط عقبة اخرى، اذ تشكل هذه الفئة شريحة ليست بواسعة غير انها خطرة للغاية بسبب ان هذا الشخص المناصر للتنظيم يمكن ان يتحول في اي لحظة الى داعشي وينفذ ما كان يؤيده في السابق لاسيما مع وجود فشل في ادارة المحافظة وانتشار محفزات عودة التنظيم كالفساد الامني والعسكرية والطائفية وغيرها مما يساعده على اعادة ترتيب افكاره من جديد ويتحول من مناصر الى خلية نائمة قادرة على تنفيذ مهمات قد تضر بشكل كبير بالمجتمع الموصلي.
كل هذه المشكلات بحاجة الى مشاريع خاصة وعاجلة لاعادة دمج وترتيب افكار وسلوكيات هذه المجاميع لكي يتم احتوائهم وازالة الافكار السيئة من عقولهم، وهنا تكمن فلسفة الدولة في اعلاء الهوية الوطنية التي جيب ان تكون هي السقف الذي يحتمي به الجميع معززة بالقانون بصورة مباشرة.
اضف تعليق