مع قرب الإحتفال الكبير بتحرير المدن في العراق وسوريا من التنظيمات الإرهابية، تزداد حدة الحسابات ما بين الدول المتصارعة ضراوةً حول النفوذ في المنطقة العربية كجزء آخر من مضامين النظام العالمي الجديد الذي تريد الدول الكبرى تحقيقه في منطقة الشرق الأوسط المزدحمة بالمسائل الشائكة كالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والتوتر ما بين الأمريكيين والإسرائيليين من جهة، والإيرانيين من جهة أخرى، والصراع الإيراني-السعودي، ومشكلة الإرهاب وغياب الديمقراطية وغيرهم.
فمنذ سقوط النظام الإستبدادي في العراق وإلى اليوم يرتفع الصراع الإيراني-السعودي يوم بعد يوم في عدة بلدان، تعمل المملكة العربية السعودية الآن بقيادة محمد بن سلمان على إعادة نفسها بوجه ما تعده التدخل الإيراني في المنطقة، وتدارك ما وصفته السعودية بأخطاء الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في المنطقة مع الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب صاحب أكبر صفقة مالية-سياسية مع السعودية، تبرز سلسلة مشاريع سياسية وعسكرية تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية، وبتأييد إسرائيلي، وبمباركة سعودية، والهدف تقويض ما يسمونه بنفوذ إيران، العدو الأول في المنطقة العربية، بعد الجماعات الإرهابية.
فبعد استمرار مهاجمة السعودية لجماعة الحوثيين في اليمن من خلال عاصفة الحزم، وتحسين العلاقة مع الحكومة العراقية والعديد من القوى والأحزاب السياسية العراقية، وبضوء أخضر من إدارة دونالد ترامب، والذي بدوره دعم سياسة حيدر العبادي في عدد من الملفات، ومن ضمنها إنهاء ملف استفتاء انفصال الكُرد عن العراق بمقابل نأي حكومة العبادي عن المشروع الإيراني في العراق والمنطقة.
وبعد مرحلة استقالة سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني الحليف الإستراتيجي للسعودية وما قد تثيره من تداعيات على الداخل السياسي اللبناني، وعلى وجود حزب الله حليف إيران القوي سياسياً وعسكرياً في لبنان وسوريا، وفي ذات الهاجس من تواجد إيران والجماعات المسلحة المرتبطة بها عقد إتفاق ما بين أمريكا، وروسيا، والأردن، حول جنوب غرب سوريا التي تشكل رابطة جغرافية وسياسية للأردن وإسرائيل، ونقطة ضغط على إسرائيل بالنسبة لإيران من خلال تواجدها ودعمها عسكريا وسياسياً للنظام السوري والجماعات الموالية لها في سوريا، لاسيما بعد الإقتراب من السيطرة على مناطق الطريق البري الممتد من إيران عبر العراق إلى سوريا عبر آلبو كمال، ودير الزور التي تربط بالجهة الغربية من الحدود العراقية بسوريا.
الوقوف بوجه هذا المشروع يمثل أولوية بالنسبة لإسرائيل وطالما الأمر يتعلق بدعم إيران لحزب الله، ونفوذ إيران في سوريا ولبنان فإنه يشكل أهمية بالنسبة للسعودية من الضروري تضمين منطقة عازلة خالية من إيران. وقد رحبت صحيفة الشرق الأوسط السعودية بالإتفاق كاشفة بتعهد موسكو بموجبه بـ(تنفيذ فوري) لإبعاد (مقاتلين غير سوريين)، في إشارة إلى حزب الله ومجموعات عراقية، من (منطقة آمنة) بعمق وسطي قدره خمسة كيلومترات بين قوات النظام، وفصائل المعارضة.
وتشير الوثيقة إلى نشر عشر نقاط روسية للرقابة، ونقطتين للتفتيش، مقابل تعهد واشنطن وعمان بالعمل فوراً مع فصائل المعارضة لقتال تنظيم داعش، وجبهة النصرة عن خط التماس في منطقة الهدنة بجنوب غرب سوريا، ولم يذكر الإتفاق بالاسم حزب الله والمجموعات المسلحة الموالية لإيران، لكن المفاوضات الثلاثية كانت تتناول بوضوح فصائل تابعة لإيران، كما نص الإتفاق على الإلتزام بالتسوية السياسية حيث لم تعارض الولايات المتحدة بقاء النظام السياسي بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد خلال هذه المرحلة، وبقاء الترتيبات الإدارية والأمنية الخاصة بالمعارضة، ما يعني بقاء المجالس المحلية، وإحياء إتفاق فك الإشتباك بين إسرائيل وسوريا لعام 1974 ونشر قوات دولية لفك الإشتباك لمراقبة التزام الطرفين بمناطق عازلة وأخرى محدودة السلاح. كما نص الإتفاق على مسائل فنية كتعهد الأردن بفتح معبر الحدود مع سوريا، وذكر موقع قناة العالم الإيرانية نقلاً عن صحيفة فورين بوليسي: "إن الإتفاق الأمريكي-الروسي دخل حيز التنفيذ في جنوب سوريا والذي يهدف إلى منع المقاتلين المدعومين من إيران من التمدد الإستراتيجي بالقرب من الحدود السورية مع الأردن والجولان.
وبالمحصلة يمكن لنا قراءة الإتفاق الدولي بخصوص جنوب غرب سوريا من زوايا متعددة منها:
1- يشكل وجود إيران السياسي وبمستشاريها وتمويلها للمجموعات المسلحة التي تحارب التنظيمات الإرهابية في سوريا ولبنان هاجساً كبيراً بالنسبة لإسرائيل، وعليه يأتي هذا الإتفاق ما بين روسيا، وأمريكا، والأردن ليبدد المخاوف الإسرائيلية من النفوذ الإيراني في سوريا.
2- إن الإتفاق قد يكون بمثابة إعادة توزيع لخارطة النفوذ الدولي في سوريا بأنها ليس فقط الروس والإيرانيين، وإنما تضم حلفاء أمريكا العرب من الأردنيين والسعوديين أو على الأقل يشكل مأمن بالنسبة للجوار السوري من المخاطر الأمنية والسياسية المحتملة، خاصةَ بعد التحذير العربي-الإسرائيلي القديم الجديد من مخاطر ليس من هلال شيعي كما عبر ملك الأردن، وإنما من هلالين شيعيين مثلما وصف قبل مدة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي نفوذ إيران في المنطقة، أحدهم يمتد من إيران إلى العراق عبر سوريا وصولا إلى لبنان، والثاني عبر الخليج العربي حيث وجود الشيعة في البحرين والسعودية واليمن.
3- إن هذا الإتفاق لا يخرج عن سياسة المحاور في التعامل مع المسائل الشائكة في المنطقة العربية لكن اللافت فيه حالتين: الأولى: تعامل الروس ببرغماتية في التعاطي مع الإسرائيليين بالرغم من أن الروس حلفاء للإيرانيين ويدعمون الجماعات المسلحة في سوريا ومنها حزب الله الخصم اللدود لإسرائيل، وتحرص روسيا على إيصال رسائل إطمئنان للداخل السياسي الإسرائيلي على ديمومة أمن دولة إسرائيل في المنظور البعيد، أما الحالة الثانية فتشير دلائلها على إنتقال التعاون السياسي والعسكري ما بين إسرائيل والسعودية برعاية أمريكية من الطور السري إلى الطور العلني، خاصة فيما يعدانه التهديد المشترك المتمثل بحزب الله في سوريا ولبنان ومن خلفه الحرس الثوري الإيراني والجماعات الموالية لإيران في المنطقة العربية، وقد عبرت إسرائيل من أنها ستقدم الدعم الكامل للسعودية في أي حرب مقبلة مع إيران وحزب الله.
اضف تعليق