صوت مجلس النواب العراقي مؤخراً على اختيار اعضاء جدد للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والتي تعد اهم الهيئات المستقلة نظراً للدور الريادي الذي تمارسه في الاعداد والتأهيل للانتخابات من جميع نواحيها ابتداء من تثقيف الناخب العراقي مروراَ بيوم التصويت حتى اعلان النتائج والمصادقة عليها.
والاختيار الجديد جاء بعد موجة تظاهرات استمرت لأكثر من ثلاث سنوات طالبت بتغير القائمين على المفوضية وجعلها مستقلة تماماً وبالرغم من ذلك فقد تم اختيار تسعة اشخاص لشغل المناصب العليا في مجلس المفوضين وبقية التشكيلات، فيما اكد اعضاء مجلس النواب بان اختيارهم جاء على وفق الاستقلالية في حين تصاعدت اصوات بعض منظمي التظاهرات والقوى السياسية بان الاختيار جاء على وفق تقسيم طائفي وقومي بعد ان رشحتهم الاحزاب السياسية نفسها وبالتالي حتى وان كانوا مستقلين فمجرد ترشيحهم من لدن الاحزاب يثير نوعاً من الاسئلة عن حجم وطبيعة التأثير المستقبلي ومبدأ الاستقلالية في الموضوع.
مع هذه الملاحظات انفة الذكر الا ان الدور الملقى على عاتق المفوضية الجديدة كبير جداً نظراَ للظروف المحيطة والمخاطر المحدقة لا سيما بعد خروج العراق منتصراً من حربه ضد تنظيم داعش الارهابي وبعد بسط نفوذه على المناطق المتنازع عليها مع الكرد والتوجه صوب خطة شاملة لإعادة النازحين والمهجرين الى سكناهم، هذه المؤشرات تدل على قوة الحكومة واضفاء نوع من الاستقرار السياسي والامني النسبي مما يولد بيئة صالحة لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 15 ايار 2018 الذي حددته الحكومة لإجراء الانتخابات النيابية وايضاً المحلية لاختيار اعضاء مجالس المحافظات بالتزامن مع الانتخابات النيابية، وهذا تحدي وعبء اخراً يناط بالمفوضية الجديدة، اضافة الى ادخال التصويت الالكتروني وهو عامل مساعد يساهم في إبعاد اوجه الفساد والتزوير المحتملين عن عمل المفوضية كما ويعجل من اعلان نتائج الانتخابات في مدد قصيرة جداً.
اما التحدي الاصعب فيكمن في اعلان الحكومة الأخير والذي يقضي بعدم السماح للأحزاب ذات الاجنحة المسلحة بالمشاركة في الانتخابات، وهذا عامل جيد وخطوة صحيحة نحو عزل الحركات المسلحة عن التمثيل النيابي وبنفس الوقت ضمان بعدم ادخال السلاح في التأثير الانتخابي او توظيف مجاميع مسلحة لممارسة الضغوط وبالتالي التأثير على نتائج الانتخابات.
الا ان الموضوع ليس بالسهولة التي يتصورها البعض فعند تناول الموضوع من زواياه المختلفة يظهر حجم المشكلة بأبعادها المتباينة، فالجميع يعلم أن غالبية القوى السياسية العراقية تملك فصائل واجنحة مسلحة والامر ليس وليد اليوم وانما بعض منها قبل سقوط نظام صدام وبعض منها بعد التغيير السياسي عام 2003 والتي شاركت بأغلب الانتخابات الماضية وهي قوى اساسية ورئيسية في المشهد السياسي فالتعامل معها امر صعب جدا.
الشيء الاخر وبعد صدور فتوى الجهاد الكفائي وحجم التطوع الامني وانتظام فصائل مسلحة لهيئة الحشد الشعبي واغلبهم تحت مظلة احزاب سياسية وبعضاً منهم سياسيون حملوا السلاح للدفاع عن العراق والقرار الجديد يمنع مشاركة اجنحة مسلحة فهل ينطبق القرار على هيئة الحشد الشعبي باعتبارها مؤسسة رسمية عسكرية وبالتالي يتحتم استقالة هؤلاء من مناصبهم الامنية والعسكرية قبل ستة اشهر من موعد اجراء الانتخابات؟ وهل ستتمكن المفوضية من استبعادهم في حالة رفضهم لترك مناصبهم العسكرية؟، وما هو مصير الاحزاب والقوى ذات الاجنحة المسلحة والتي سجلتها المفوضية السابقة بدائرة الاحزاب السياسية واعطتها اجازات تأسيس خلافاً لقانون الاحزاب الذي اقره مجلس النواب عام 2015؟
وفي وسط هذه التحديات لا بد للحكومة بصورة عامة والمفوضية بصورة خاصة ان تقوم بخطوات عدة لإضفاء طابع حسن على عملها والوصول بالعملية الانتخابية الى حالتها الديمقراطية، ومن تلك الامور ما يلي:
1- اعادة النظر بأية اجازة تأسيسية او موافقة منحت لأحزاب هي خارج ضوابط قانون الاحزاب الذي اقره البرلمان عام 2015.
2- منع مشاركة اي قوة سياسية او حزب يمتلك اجنحة مسلحة فأما ترك السلاح او الحرمان من المشاركة.
3- عدم السماح بترشيح شخصيات هي ضمن المؤسسة العسكرية بمختلف مسمياتها والتي من ضمنها هيئة الحشد الشعبي ما لم يقدم استقالته من منصبه العسكري والامني.
4- مراقبة المال السياسي مراقبة شديدة لتجنب توظيفه للكسب الانتخابي او شراء الاصوات او التلاعب بنتائجه.
5- تثقيف وتوعية الناخب العراقي واحاطته علماً بأهم خطوات التصويت وتعريفه بالنظام الانتخابي.
6- الاستمرارية بالقائمة المفتوحة وعراق متعدد الدوائر.
اضف تعليق