بعد جولة إقليمية سريعة للعبادي، إرتسمت تحولات مهمة بعد إستفتاء إقليم كُردستان، إذ تصاعدت حدة الخلافات داخل الإقليم في ضوء الأزمة التي تلت إستفتاء الإنفصال، في الوقت الذي حصدت الحكومة المركزية في بغداد الدعم الإقليمي لوحدة البلاد، وفي ضوء ذلك ارتسمت معالم تحولات إقليمية جديدة بعد جولة العبادي، كما ودفعت الإنتصارات الميدانية التي حققتها بغداد في المناطق المتنازع عليها بإجهاض حلم الأكراد بالإنفصال والإستقلال إلى غير رجعة في المدى المنظور.
رئيس مجلس وزراء العراق حيدر العبادي العائد حديثا من الرياض، والقاهرة، وأنقرة، وطهران، وربما لاحقا تكون وجهته إلى دمشق. كان محور صناعة تحولات إقليمية مابعد إستفتاء الإقليم وظفها لصالح العراق ودعم حكومته.
في ضوء هذه الجولة لعواصم القرار السياسي المتنافسة على بسط نفوذها في المنطقة، تمكن العبادي من الحصول على أكبر قدر من التأييد لإجراءات الحكومة الإتحادية في مواجهة تداعيات الإستفتاء ومابعده (الإقليمية والمحلية)، وكذلك تسوية ملفات أخرى عالقة مهد لها خيار البارزاني بالإنفصال.
إذ نجح العبادي في إحتواء المواقف الإقليمية وتوظيفها لصالحه، كما مرجح أن ينجح العبادي في إدارة التناقضات والخلافات داخل الإقليم.
في ضوء هذه الزيارة يمكن توضيح مستوى التحول الحاصل في علاقات العراق الإقليمية من خلال زيارة العبادي لطهران:
لم تقلق إيران كثيراً من زيارة رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى السعودية، قبل أن يحط رحاله في طهران، مع أن زيارته للسعودية تزامنت مع حضور وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى هناك، كما تابعنا تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول هذه الزيارة ولم يبدو منهم أي توتر بالغ من الإعلان عن تشكيل مجلس تنسيق سعودي - عراقي برعاية أمريكية، مع أن طهران تدرك تماماً أن زيارة العبادي لها، في هذا التوقيت تحمل بين طياتها عناوين بالغة الأهمية، على رأسها هذه القضية التي من المرجح أن يؤدي العبادي دورا وسطيا ومقربا لوجهات النظر بينهما وتحديدا في ملف مواجهة أزمة الإستفتاء وتداعياتها. كما أن المعنيين في إيران قرأوا في جولة العبادي الإقليمية الأخيرة، والتي كانت الرياض محطة فيها، على أنها محاولة لإيجاد تكافؤ في علاقات العراق الخارجية وهذه قراءة جديدة للإيرانيين إزاء تشنج العلاقة مع الرياض.
بالتالي فإن إيران تؤيد مثل هذا التوجه العراقي، كونها متأكدة من ثقل الملفات المشتركة الأخرى بينها وبين بغداد، كما أنها لاتمانع إعادة ضبط العلاقة مع السعودية. وهذا يستلزم إحتواء معارضتها لأي تقارب عراقي - سعودي.
رهان طهران سيكون على العديد من الملفات، التي حملها العبادي نفسه إليها، سواء تلك المتعلقة بكُردستان العراق وبالحرب على داعش، أو حتى بالتعاون الإقتصادي بين الطرفين، وهذا إذا ما أمنه العبادي فسينجح بإحتواء الممانعة الإيرانية في تقاربها مع أمريكا، والسعودية، وتركيا، في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الجديدة.
لقد توافر للعبادي بعد أزمة الإستفتاء نقاط قوة فائقة، ولكن العبادي تعارضه قوى عديدة، ليس من مصلحتها أن ينجح مما يجعله في موقع هش أمام خصومه لأسباب عديدة ومتناقضة. لكن العبادي تمتع بصفات سياسية وهي: المرونة، والهدوء في التعامل الداخلي والخارجي، وظفها بإنجازات سياسية ونجاحات عسكرية تحققت في ولايته الحكومية. كما أن بعده النسبي عن المناخات الحزبية الطائفية إلى حدٍ ما، رغم أنه لم ينزع عباءته الحزبية، جعلت منه شخصية سياسية مقبولة، أسهمت في تحقيق هذه التحولات الإقليمية لصالحه، رغم أن هدوءه ومرونته وخفة حدته الطائفية قد لا تنفعه إنتخابياً، لأن الأجواء السياسية عبارة عن إستقطاب طائفي وسياسي محتدم ومع مزاج شعبي حاد تحركه اللغة المتعصبة للآخر وسلوكيات تصعيدية..
مع ذلك نقول: إن نجاح أي رجل دولة يرتبط بعدة عوامل أهمها: قراءة المعطيات الدولية والإقليمية بشكل صحيح والتعاطي معها، وتوظيف علاقات الدولة الخارجية بشكل متكافئ لمصلحة الشعب.
اضف تعليق