كان من المفترض أن توفر طائرات التحالف الدولي غطاء جويا للقوات العراقية بكافة فصائلها. هذا ما يفترضه واقع الحال الذي تشكل بموجبه هذا التحالف المكون من أكثر من 40 دولة، وحظي بتأييد رسمي عراقي فتح كامل الأجواء العراقية أمام طائراته القادمة من قواعد عسكرية ومطارات مختلفة.
لكن ما حدث مؤخرا ان هذا التحالف لم يحرك ولا طائرة واحدة في سماء صلاح الدين خلال المعارك الرامية لتحريرها من قبضة داعش، والتي تشارك فيها قوات عراقية بحجم 30 ألف مقاتل. وهو أمر يبعث على الحيرة، فما جدوى التحالف الدولي الذي تسيح طائراته في سماء العراق، إذا كان لا يستهدف داعش عند حاجة القوات البرية العراقية لغطاء جوي، ولا يتعرض لأرتال داعش ولا يغير على قوافل السيارات الحوضية التي تسرق النفط العراقي لصالح داعش وتهربه الى تركيا، ولا يمكنه الحؤول دون تدمير وتهريب الاثار العراقية من قبل هذه المجاميع المتوحشة؟.
ما جدوى هذا التحالف، إذا كان لا يعترض المسلحين ولا يساند المهاجمين من القوات العراقية ممن يتصدون لداعش؟ أليس هذا التحالف أسس لهذا الغرض أم له أغراض أخرى؟!.
في إطار الإجابة عن هذا التساؤلات هناك من يذهب الى ان التحالف الدولي بدا مترددا بدعم القوات العراقية في صلاح الدين بسبب المخاوف التي تراود قادة الحشد الشعبي، وهي عماد القوات المهاجمة في صلاح الدين، إذ أنهم رفضوا مشاركة طائرات التحالف في المعركة القائمة، نظرا للشكوك التي تدور حول اداء هذه الطائرات وما قيل عن القائها مساعدات وأعتدة لداعش في الأسابيع الاخيرة.
فالصور ومقاطع الفيديو وأحاديث شهود العيان واعترافات بعض من ألقي القبض عليهم من جماعة داعش، كلها أكدت أن طائرات مجهولة ألقت اسلحة ومعونات وأغذية لهذه المجاميع، وبما أن أجواء العراق تحت سيطرة التحالف الدولي وتخضع لمراقبة رادارية وجوية عبر الاقمار الاصطناعية، فمن المستحيل ان تجهل قيادة التحالف الدولي مصدر هذه الطائرات وهويتها.
لكن صمتها كان مريبا، بحسب المؤيدين لهذا الرأي لذا لم يتم طلب المعونة من طائرات التحالف لمساندة الحشد في تكريت، تجنبا لأسوأ الاحتمالات وحفاظا على سلامة المقاتلين العراقيين على الأرض، لذلك لم يتم اخبار التحالف الدولي بموعد بدء المعارك في صلاح الدين، وما يعزّز هذ الرأي ما نشره أحد المواقع الامريكية نقلا عن مسؤول أمريكي قال إن" واشنطن تفاجأت بالهجوم العراقي على صلاح الدين ولم تُحط علما بهذا الهجوم".
من جهتها بررت الحكومة العراقية ذلك بحديث الناطق باسم رئيس الوزراء سعد الحديثي الذي نقلت عنه بعض وسائل الاعلام القول " بعدم ضرورة قيام طائرات التحالف بتنفيذ ضربات جوية في مناطق الاشتباك فهذا الامر قد يتسبب بمشاكل فيما يتعلق بالنيران الصديقة أو وقوع اصابات في صفوف الجيش العراقي او القوات الساندة لها".
إذن فالقيادة العراقية وفقا لهذا الرأي قد اعتمدت على قدراتها وقررت خوض المعركة مسنودة بالطيران العراقي لعدم ثقتها بطيران التحالف.
لكن هناك رأي آخر يبتعد قليلا عن الراي المتقدم، ويذهب الى ان قيادة التحالف الدولي المتمثلة بالولايات المتحدة هي التي لم تكن متحمسة لشن عمليات جوية ضد مسلحي داعش في صلاح الدين لتمكين القوات العراقية بكافة فصائلها من تحقيق النصر في هذه المعركة، خصوصا وأن هذه الطائرات متطورة جدا ويمكنها رصد واصابة اهدافها بدقة متناهية.
ويذهب مؤيدو هذا الرأي، الى ان التحالف الدولي لم يكن جادا منذ البداية في محاربة داعش، وأن كل ما جرى منذ دخول الموصل هو لعبة دولية كبرى.
فطائرات التحالف الدولي المزودة بأحدث تكنولوجيا الرصد والمراقبة لم تنشر الى الان جانبا من صور طلعاتها وغاراتها ضد داعش، كما ان ارتال هذا التنظيم المتوحش تتنقل في مناطق العراق وسوريا بكل حرية ودون أن يتم قصفها من قبل هذه الطائرات.
وانطلاقا من هذه المعطيات يؤكد اصحاب هذا الرأي أن قيادة التحالف الدولي هي التي رفضت المشاركة بمساندة القوات العراقية، وأحاطت حكومة بغداد بذلك. لكن الأخيرة ودفعا للحرج لم تفصح عن ذلك بل تجنبت الاشارة لهذا الموضوع وتركت للإدارة الامريكية حرية اختيار روايتها.
ومع أن الرأي الثاني أقرب الى الحقيقة وفق كل ما جرى ويجري منذ صناعة داعش وتسليحها وتدريبها وفتح الحدود البرية التركية والاردنية لها لتذهب باتجاه سورية قبل ان تغير مسارها الى العراق. لكن يبدو أن المحصلة النهائية لكلا الرأيين واحدة، فطائرات التحالف الدولي تحلق بعيدا عن سماء داعش، وكأنها جاءت الى المنطقة بهدف حماية هذا التنظيم وتزويده بالمؤونة والاسلحة من الجو اذا ما تمت محاصرته على الأرض، استكمالا لمخطط تقسيم المنطقة بجهود إقليمية مغفّلة أو عميلة تتحكم بها مخابرات غربية.
ولم يخف بعض الساسة الغربيين هذه الحقيقة فوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون وفي كتابها "خيارات صعبة" قالت إن" الإدارة الأمريكية قامت بتأسيس ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف باسم "داعش" لتقسيم منطقة الشرق الأوسط.
وكل الوقائع والدلائل والغموض المحيط بهذا التنظيم أحيانا يؤكد هذه الحقيقة، فبينما تحقق القوات العراقية انتصارات ساحقة في صلاح الدين بدا الارتباك واضحا على الادارة الامريكية فزار كيري المنطقة وفي حضوره أدلى وزير خارجية السعودية سعود الفيصل بتصريح هاجم به الحشد الشعبي معتبرا المعركة ضد داعش، معركة ضد سنة العراق، فيما طالب رئيس هيئة الاركان الامريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الحكومة العراقية بموازنة علاقاتها بين واشنطن وطهران.
وهذان التصريحان يكشفان أن قوى اقليمية ودولية تشارك في تحالف دولي مزعوم ضد داعش هي في الحقيقة لا تريد الهزيمة لهذا التنظيم، إنما تريد من ورائه تحقيق أهدافها في المنطقة بإضعاف خصوم الغرب وإسرائيل وإشغالهم أطول فترة ممكنة بحرب استنزاف مع مجاميع شبحية تمدها دول معروفة بالمال والسلاح وتسهل التحاق الارهابيين بها.
والمطلوب عراقيا وإقليميا، هو تسخير كافة الجهود لهزيمة داعش، وإقامة تحالف عسكري بين دول المنطقة المستهدفة لملاحقة عناصر التنظيم عبر الحدود وعدم تمكينه من الاحتماء في ملاذات آمنة.
اضف تعليق