كنت اتابع مسعود بارزاني في مؤتمره الصحفي الذي سبق الاستفتاء بيوم وهو يقول ان العراق اتحاد وليس وحدة ويستشهد بالمادة الاولى للدستور العراقي التي تنص على: "جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق".
يقول بارزاني لقد استغرقنا وقتا طويلا ومناقشات مكثفة لنكتب في الدستور "اتحاد" وليس "وحدة", لاننا كنا نعتقد ان هناك من سيتحجج علينا اذا اقدمنا على خطوة الانفصال.
هذا الامر الذي يعد اعترافا صريحا بالتبييت للانفصال واستغفال شريحتين سياسيتين في العراق, وهما الشيعة والسنة . فاما الشيعة فانهم كانوا يبحثون عن السلطة باي شكل من الاشكال , ولذا فقد سمحوا بتمرير كل الالغام التي وضعها الاكراد في الدستور بغية اتمامه على عجل والاسراع في انجاز الخطوات التي من شأنها ان تسلمهم زمام السلطة في العراق.
اما السنة فلم يكونوا مشتركين بشكل فاعل في الدستور وجاءوا للحفلة متاخرين لانهم كانوا يتلقون رسائل تهديد من بقايا النظام السابق اذا ما اشتركوا مع حكومة تتعامل مع الاحتلال , ولم يتمرد الا الحزب الاسلامي الذي نزل بقوة وقتذاك لكنه مع ذلك كان رافضا للمشاركة في كتابة الدستور , وحينما استدرج بعض السنة وكان عددهم 15 للمشاركة في كتابة الدستور كان وجودهم لايمثل رادعا ديمقراطيا حين يتم الاتفاق والتصويت على اية فقرة من الدستور.
لقد قصد الاكراد استخدام لفظ "اتحاد" بدل "وحدة" كي يستندوا اليه في هذه المرحلة ولكي يثبتوا للعالم أجمع ان الاتحاد هو شأن اختياري اما الوحدة فهي انتماء متقادم تمتاز به كل الشعوب. وهكذا فرط الشيعة بوحدة العراق بقصد او بدونه , بطمع او بغباء سياسي , ومن المرجح ان ننتقي الترجيح الاخير لان السنة كانوا لم يستفيقوا بعد من الحلم المزعج بفقدان السلطة التي لازمتهم طوال قرن , والشيعة لم تكن لهم الدراية والحنكة السياسية , اما الاكراد فقد اخذوا نفسا طويلا وتهيأوا لمرحلة البناء الجديد للعراق لانهم في انفصال منطقي عن السلطة والبلاد منذ عام 1991 بعد قرار مجلس الامن رقم 688 لسنة 1991 والذي يفرض منطقة حظر جوي على الطيران العراقي في منطقة ما بعد خط العرض 36 .
كما عدل القرار عام 1992 بعدم السماح للقوات العراقية الدخول في المنطقة اعلاه.
الاكراد منذ ذلك الوقت رتبوا امورهم وقاموا باجراء اول انتخابات بين الحزبين الرئيسيين "البارتي" بزعامة بارزاني و"اليكتي" بزعامة طالباني, وبذلك استبقوا الجميع في تاسيس تجربة الدولة والقيادة الامر الذيم كانت فيه الشخصيات الكردية قادرة على احتواء الاخر من المفاوضين من العراقيين الجدد شيعة وسنة.
الان باتت "الخطيئة التاريخية" امرا واقعا حيث يعتقد الجميع ان تفكيك خريطة العراق خطيئة تاريخية كان ينأى عنها الشيعة والسنة لكن التاريخ سيكتب : حين استلم الشيعة زمام السلطة في العراق لم يقو على البقاء موحدا .... وهذه الطامة كانت واضحة يوم تم اطلاق الدستور , فعراق ما بعد 2003 بات متحداً وليس موحداَ ..
سيكتب التاريخ ان شيعة السلطة في العراق لم يستطيعوا ان يحافظوا على وطن استلموه موحداَ فأمعنوا مع غيرهم من السياسيين من كافة الطوائف بنهب ثرواته وتضييع أمنه , ومن ثم تفكيك خريطته ...
انها فعلا الخطيئة التاريخية التي ستظل تلعن من كان صاحب قرار.
اضف تعليق