تعتزم السلطة التنفيذية في إقليم كُردستان العراق كما هو مُعلن إجراء إستفتاء شعبي في 25/أيلول المقبل من هذا العام، يقرر بموجبه رغبة بعض القوى الكُردية الإنفصال عن الدولة العراقية كحلم قومي يتمناه الأكراد منذ ما قبل نشوء الدولة العراقية الحديثة في عام 1920.
تأتي هذه الرغبة المعلنة في إجراء الإستفتاء في ظل تحديات تواجه هذا المشروع منها ما يتعلق في عمق الخلافات الكُردية ــ الكُردية والتوجس من إستمرار حكم الإقليم من قبل القوى العائلية والقبلية التي تحكم الإقليم منذ حكمه الذاتي في العام 1991، والثاني يتمثل بالتغييرات الجيوسياسية التي قد تثار ما بين الحكومة الإتحادية في بغداد وحكومة إقليم كُردستان حول عدد من المسائل كالمناطق المتنازع عليها، والمناطق المستولى عليها بحكم سياسة الأمر الواقع بعد إنهيار دولة داعش المزعومة في مناطق غرب وشمال العراق.
ويتمثل التحدي الآخر بالرفض الإقليمي لإجراء الإستفتاء من قبل الدولتين الصاعدتين تركيا وإيران إقليميا ودولياً والجارتين المحاذيتين للإقليم. إذ لم تتوانى هاتين الدولتين في التأكيد مجدداً على رفض أي محاولة في إقامة دولة كُردية في شمال العراق منها خيار الإستفتاء الشعبي كخيار يراهن الكُرد عليه كمحاولة ديمقراطية من الممكن أن تحظى بمباركة الدول الديمقراطية المتقدمة، ففي رسالة تحذيرية بعد إجتماع تركيا لقادة أركان الجيش التركي ــ الإيراني هددت أي شرعية قومية تهدد الأمن القومي الداخلي لكلا الدولتين، ولم يكتفي الجانبان بذلك بل يجرى تنسيق لعمل عسكري تجريبي مشترك هدفه محاربة حزب العمال الكُردستاني كفرصة ردعية وتهديد شبه مباشر بزعزعة كيان أي دولة كُردية مستقبلية في شمال العراق.
وتقدر الدول الكبرى كالولايات المتحدة الحليف الإستراتيجي لحكومة إقليم كُردستان مجدداً خطورة إنفصال إقليم كُردستان كدولة مستقلة عن العراق من أن يؤدي إلى فشل في ظل التوتر الجيوسياسي المحيط به، ويصبح هذا الإنفصال ساحة صراع عسكري مفتوح في ظل إشتداد أزمات الشرق الأوسط الأمنية والسياسية والإقتصادية، محذرة من توقيف إدارة دونالد ترامب دعمها وإمداداتها لقوات البيشمركه بالسلاح في ظل أفول سيطرة تنظيم داعش التدريجي عن مناطق غرب وشمال العراق.
وفي ظل هذا الرفض يخوض وفد كُردي عالي المستوى مباحثات اللحظة الأخيرة مع الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي وعدد من القوى والتيارات السياسية النافذة مفاوضات تواصلية لحل الخلافات والعقبات ما بين الطرفين قبل الإستفتاء وتداعياته المستقبلية.
السؤال هنا هل حسمت الحكومة الكُردية أمرها فعلاً بإجراء الإستفتاء، أم أن الأمر هو عبارة عن مناورة سياسية ضاغطة من أجل كسب المزيد من المنافع الإقتصادية والسياسية والجغرافية في وقت تتصاعد ذروة الرفض الكُردي الداخلي من عدد من القوى الكُردستانية كالجماعات الإسلامية وحركة التغيير وتجمعات ثقافية ودينية أخرى.
تشير التصريحات الأخيرة من بعض القيادات في حزب الإتحاد الوطني الديمقراطي بزعامة جلال طالباني إلى مسألة مغايرة عن التخطيط الإستراتيجي التوقيتي لإجراء الإستفتاء، إذ قال عضو الوفد التفاوضي مع بغداد، والقيادي في الإتحاد الوطني ملا بختيار حسن: "إن مسألة إجراء الإستفتاء قد تتأجل إلى وقت آخر، وهذا مرهون بموقف الحكومة من مطالبات كُردية إقتصادية تتمثل بسد الديون على إقليم كُردستان والبالغة 12 مليار دولار، إضافة إلى اعتبارات جيوسياسية تتعلق بمناطق تسيطر عليها القوات الكُردية، وعليه فإن الأيام القادمة قد تحمل مفاجآت سياسية وقومية منها، خيار تأجيل مسألة الإستفتاء إلى وقت آخر وهي مسألة واردة بقوة وهو ما يعني في الفترة الراهنة العزوف عن إجراء الإستفتاء وتأجيل قيام الدولة الكُردية على الصعيد القومي إنطلاقا من إقليم كُردستان العراق.
ومهما يكن من الحال السياسي والجيو جغرافي المقبل فأن التصريحات والمواقف المتباينة داخليا وخارجيا من الإستفتاء تدل على الإختلاف الكبير حول أزمة قيام الدولة الكُردية المنتظرة من حيث توقيتها وشكلها.
اضف تعليق