عراق مابعد داعش، عنوان يطرح من كل القوى السياسية الآن، وكأن داعش احتل كل العراق، هذه الرؤى المطروحة لإستبصار مرحلة مابعد داعش يمكن أن توضع في خانة الترويج السياسي ودعاية إنتخابية مبكرة أكثر مما يمكن عدها بارقة أمل واقعية لعراق مزدهر.
طرحت الكثير من البرامج والمشاريع والرؤى تسويات ومصالحات وإستراتيجيات لا تعالج واقع مشاكل وأزمات العراق ومسبباتها قبل داعش إنما بعدها، فهل مشاكل العراق فقط أصبحت بعد داعش؟! ولا توجد مشاكل ما قبل داعش وقبل ٢٠٠٣؟
العراق بحاجة إلى مشاريع وطنية عابرة لنظام المحاصصة الطائفية المتخلفة، المتبرقع بالديمقراطية التي تناقض جوهره. أي أن قضية إعادة الإعمار والاهتمام بالنازحين وعودتهم والمصالحة المجتمعية ومواجهة الفكر المتطرف ثقافيا لا يمكن اعتبارها مشاريع أو برامج إنتخابية للمرحلة المقبلة لمواجهة التحديات التي أنتجت داعش، بل البرامج والرؤى المطروحة وكل هذه المتطلبات هي من مهام الحكومة الإتحادية والمجتمع الدولي.
مثلا طرح مشروع الأغلبية السياسية من قبل زعيم إئتلاف دولة القانون نوري المالكي قد يكون لأول وهلة مشروعا جاذبا، ولكن في عمقه يحسم موضوع تقوقع منصب رئاسة الوزراء للشيعة وتحديدا حزب الدعوة الإسلامية، ولا يمكن الحديث عن مشروع وطني كالأغلبية تكون مخرجاته محسومة سلفا لصالح طرف على حساب بقية الأطراف. كما طرح السيد عمار الحكيم التسوية الوطنية وبعد إنشطار تيار الحكمة من المجلس الأعلى الإسلامي لا نعرف هل سيستمر هذا المشروع أم لا؟، وإن استمر فهذا المشروع يحاول أن يمسك الأمور من المنتصف وهذا قد لا يروق للكثير من القوى السياسية التي لا تريد إتباع سياسة تصفير الأوزان بما يخدم أطراف ضعيفة ستقوى ضمن آليات التسوية. كما لحق بالتسوية الوطنية العبادي بمشروع المصالحة المجتمعية وهو مشروع من مهام الحكومة، كما أن المصالحة موضوع جزئي لا يمكن أن يغطي أو يحاكي كل تحولات مرحلة مابعد داعش.
كما طرح تحالف القوى الوطنية في أربيل خلال تموز المنصرم مشروعا إصلاحيا مقبولا من جهتهم لمرحلة مابعد داعش لم يلاقي أي ترحيب أو تفاعل من القوى السياسية المناظرة بل هنالك من رفض وهنالك من رحب بحذر وبشروط، ثم عصف بهذا التحالف إنشطارات وإختلافات أجهزت على مشروعهم. كما سبقهم مسعود بارزاني بمشروعه لما بعد داعش وهو مشروع رسم الحدود القومية بالدم وعدم النظر إلى الوراء، أي مرحلة ما قبل داعش، ووضع آليات تنفيذية لهذا المشروع من خلال إجراء استفتاء إنفصال إقليم كُردستان عن العراق وإعلان الدولة الكُردية، وهذا المشروع هو أول مشروع قابل للتنفيذ عمليا بما يمكن أن نطلق عليه مشروعا إنتخابيا واضحا وفاعلا وناجعا لمرحلة ما بعد داعش ولكن يبقى في حدوده القومية لا الوطنية.
وقبل هذه المشاريع وبعد مشروع التسوية الوطنية تحديدا طرح السيد مقتدى الصدر مشروعا إصلاحيا واقعيا فيما لو ترجم ترجمة صحيحة وبرؤية منصفة من الجميع بما فيه الجهة المتبنية له، وهو مشروع نستطيع أن نسميه برنامجا إنتخابيا أو دعاية إنتخابية، لكن تطبيقه يفرز مُعطيات وطنية تتماشى إلى حدٍ ما مع مرحلة مبارزة واقع المحاصصة والتوافق، وهو الإصلاح الإنتخابي من خلال تشريع قانون إنتخابي جديد وكذلك مفوضية إنتخابات مستقلة تنتج برلمان منتخب بشكل يمثل جميع الأطراف والشرائح بما يخوله وحده لمناقشة أي تسويات وإصلاحات ممكنة. وقد لاقى مشروع الصدر قبولا من قبل أياد علاوي وإتحاد القوى ومن بعض التيارات المستقلة والعلمانية، ولكن هل إذا ما شرع هذا القانون وأنتخبت مفوضية إنتخابات سيكونان فعلا قانونا عادلا ومفوضية مستقلة؟ طبعا الجواب قطعا لا، فانتخاب مفوضية حقوق الإنسان أعطتنا درسا جديدا في المحاصصة والتوافق وإعادة تكريس المكرس من جديد، كما أن تشريع قانون حقوق سجناء رفحاء المثير للجدل في أبعاده السياسية، أيضا يؤشر أن الدالة السياسية للأحزاب والقوى لا زالت تأتمر بالإمرة المكوناتية والمحاصصاتية الضيقة.. إضافة إلى أن تشريع قانون إنتخابات مجالس المحافظات بصيغة سانت ليغو المعدل 1,7, تعيد إنتاج مشهد المحاصصة والتشبث بالمواقع وإلغاء المزاحمة من قبل المستقلين والوطنيين..
كل هذه الأطراف وبرامجها المطروحة لا يمكن حقيقة أن تتجاوز أزمات ما قبل وما بعد داعش لأن الفساد متغلغل في كل المفاصل وموزع بالقسطاط بين كل الأطراف وأي مشروع أو برنامج للإنقاذ والإصلاح يبدأ من ضرب الفاسدين لمواجهة الفساد ثم البدء بالخيارات الوطنية التي تراعي مصالح الشعب العراقي قبل مصالح القوى السياسية وهذا يحتاج إلى إصلاح إنتخابي، قانون ومفوضية وإنتخابات عامة نزيهة وبإشراف الأمم المتحدة لكي تكون مخرجات السلطة نزيهة.
ومن ثم لابد من إعادة النظر بالدستور وتطبيق مواده المعطلة وأيضا تشريع قوانين تقر حق المواطنة المتساوية للجميع بما يحافظ على وحدة العراق، برلمان قوي قادر على أن يفرض إلغاء كل التشريعات والقوانين والممارسات التي تكرس الهيمنة الخارجية، وكذلك ينظر في تقوية الجيش ليحتكر حمل السلاح في العراق، وبناءه بناءا وطنيا ليكون جيش وطني واحد يدافع عن العراق والعراقيين جميعا. معادلة إنتخابات نزيهة وبرلمان قوي يمثل العراقيون جميعا وجيش وطني يحتكر حمل السلاح، يشكل الترويكا الثلاثية الرئيسة القادرة على الحفاظ على وحدة العراق وإطلاق التنمية وتقوية الإقتصاد وإعادة البناء بما يخدم متطلبات مغادرة كل مشاكل العراق ما قبل وما بعد داعش.
اضف تعليق