منذ اكثر من ثمانية اشهر والاصوات تتعالى والحوارات تشتد لتصل الى رؤية مؤقتة حتى لو كانت غير واضحة حول مصير فصائل الحشد الشعبي ومدى مشاركتها في عملية تحرير قضاء تلعفر ذو الاغلبية الشيعية والموقع الاستراتيجي المميز.
حوارات بين بغداد والاقليم وبين بغداد والتحالف الدولي وبين بغداد وانقرة حول مسالة دخول الحشد الشعبي ومشاركته في المعارك التي ستدور لطرد عناصر التنظيم من المدينة.
بعد الساعة الثانية عشر من يوم التاسع عشر من شهر آب الجاري قطع السيد العبادي الشك لدى الكثير واكد مشاركة فصائل الحشد الشعبي الى جانب القوات الامنية بصنوفها المختلفة، الامر الذي جعل من الاصوات الرافضة للمشاركة تظهر الى الساحة بشكل جلي عقب الاعلان بساعات لا اكثر.
يطرح البعض الكثير من التساؤلات من ابرزها هل فرض الحشد الشعبي مشاركته في الموصل وتحديدا تلعفر عنوة ام ضرورة حتمية؟، الاجابة على هذا السؤال تسير في خطين متوازيين الاول هو خضوع السيد العبادي لرغبات قادة الحشد الذين قطعوا عهدا على انفسهم في تحرير القضاء الشيعي اللون وهو ما يراه البعض السبب الواقعي الذي لا يحتمل سببا آخر الى جانبه.
اما الخط الثاني من الاجابة فقد تكون الخبرة التي تولدت لدى الحشد نتيجة خوضه العديد من المعارك الى جانب القوات الامنية هي ما جلعت القائد العام للقوات المسلحة اتخاذ قرار جريء لزجه في المعركة الدائرة لتحرير آخر معقل لداعش الارهابي.
يميل بعض المختصين الى رجاحة الاجابة الثانية اي ما توصلت اليه الفصائل المختلفة من خبرات متراكمة في مجال حرب الشوارع التي يشهدها العراق في السنوات الاخيرة اذ بدونه يتأخر تحقيق النصر الى جانب مايرافقه من خسار كبيرة في صفوف القوات الامنية.
هنالك من يرى وقوف ايران وراء هذا القرار التي لم تتوانى عن مد يد العون الى الحكومة العراقية في المشورة، والمؤن العسكرية في الجانب الميداني، حيث تريد ايران من مشاركة الحشد تحديدا فرض السيطرة على مطار قضاء تلعفر والذي يبعد بحدود 30 كم عن الجارة سوريا نفس المسافة ايضا تأمين الطريق الموّصل الى سوريا عبر العراق وصولا الى حليفها في لبنان حزب الله الذي يحظى بدعم ايران بصورة واضحة.
الحكومة العراقية هي الاخرى استطاعت ان تمسك العصى من الوسط لتوفق بين المتناقضتين اميركا وايران فهي بحاجة الى الطرفين ولا يمكن ان تتخلى عن احدهما لان ذلك يجعل من خطواتها نحو تحقيق اهدافها تتباطئ، حنكة رئيس الحكومة في التعامل مع الجانبين جعل منهما داعمين ومشاركين اساسيين في المعركة ايران ارضا والتحالف الدولي جوا والمستفيد من ذلك هو العراق اولا واخيرا.
ايران بيدها اللاعبة والمؤثرة في الحرب على داعش من خلال تواجد بعض مستشاريها ميدانيا تريد ان تهمس بأذن اميركا بأنها تتواجد حيث تريد ان تكون ولا تخشى بذلك الاصوات التي تصدر لوقف النفوذ الايراني في المنطقة، فوجود المستشارين الايرانيين والمقاتلين من حزب الله اللبناني الذي يحظى ويرفل بدعم ايراني وبالتالي يضاف الى النفوذ الايراني غير القليل بنظر المراقبين.
العلاقات التركية الامريكية التي تشهد اقصى حالات التوتر جعلت من تركيا تيمم وجها نحو روسيا وايران وهذا ما ظهر خلال عقد صفقة الصواريخ (اس400) مع روسيا ودعوتها الى اجتماع يجمع اركان الجيش التركي الروسي والايراني لخلق نوع من توازن استراتيجي في مقابل اميركا.
معركة تلعفر قد تفرز الكثير من النتائج الايجابية لصالح التحالف الايراني التركي الروسي؛ من بين تلك النتائج توسيع دائرة السيطرة الايرانية التركية في العراق او على ما يسمى المثلث السوري العراقي التركي لاسيما وان هناك تراجع في الموقف التركي فيما يتعلق بمشاركة الحشد التركماني الشيعي في تلعفر في الوقت الذي هددت فيه بتدخل عسكري اذا اقتضى.
وهذا لا يعني عدم استفادة العراق من تحرير هذه المنطقة الاستراتيجية، لكن المسالة تكمن في عملية مشاركة الحشد الشعبي وضروراتها، اذا ما اخذنا في الحسبان ان القضاء على داعش هو مسالة وقت لا اكثر، ومن ثم يجدر بقيادات الحشد الشعبي عدم الاصرار على المشاركة في تحرير آخر وطن لداعش على ارض العراق حقنا للدم الشيعي الذي نزف وينزف ولا نعرف متى يتوقف.
القيادات الشيعية الميدانية والسياسية التي تريد تدوين اسمها في اخر معارك التحرير، كان بإمكانها التعامل مع الاصوات الرافضة لمشاركة الحشد بشيء من الحكمة والكياسة عن طريق لعبة الاخذ والعطاء، ولتمكنت من تحقيق الكثير من المكاسب السياسية، بالاضافة الى لجم الاصوات التي تنعق وتجرم فصائل الحشد الشعبي محاولين تشويه السمعة الناصعة والغاية السامية للمقاتلين، لا سيما وان الغالبية العظمى من قوات الجيش العراقي هم من الشيعة.
اضف تعليق