يبدو أن دول الخليج العربية لاسيما المحور السعودي ــ الإماراتي، أدركت أخيراً أن السياسة التقليدية التي تعاملت بها مع القضايا الإقليمية، لم تأتي بثمارها السياسية وحتى العسكرية والإستخباراتية، فالسياسة العشوائية التي أتبعتها هذه البلدان تجاه التغيرات السياسية على الساحة العراقية جعلت هذا البلد بالمنظور الإقليمي والعالمي يبتعد كثيراً عما يعرف بمحيطه العربي، ويقترب بمقدار هذا الإبتعاد من المحور المنافس إقليمياً، وأدى أيضا إلى فقدان التوازن الإقليمي بين المحورين المتصارعين إقليمياً أثناء تولي باراك أوباما إدارة البيت الأبيض.
المحور الخليجي بقيادة السعودية البلد الأكثر تشدداً أيديولوجياً، والمحور الإيراني المؤطر فقهياً ومجموعاته العقائدية، فمنذ عام 2003 بعد سقوط نظام صدام على يد قوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وصعود أحزاب وتيارات سياسية شيعية إلى دفة السلطة التنفيذية، مما اُعتبر العراق أول دولة شيعية عربية على حد تعبير (ولي نصر) الكاتب الأمريكي من أصل إيراني في كتابه (صحوة الشيعة)، تعاملت المملكة العربية السعودية مع النظام السياسي الجديد في العراق بمبدأ المقاطعة والرفض، وحينا آخر في دعم المجموعات المتطرفة في الداخل العراقي.
ومع التطورات على المستوى العسكري بعد دحر تنظيم داعش الإرهابي من مناطق شمال وغرب العراق، قيمت السعودية وعلى لسان ولي عهدها محمد بن سلمان خطأ السياسات التي اتبعتها تجاه العراق لا سيما في تعاطيها مع القوى والشخصيات العراقية المعتدلة والأكثر قرباً إلى المحيط العربي، في محاولة منها لتصحيح مسار العلاقة مع العراق في ظل تصاعد توتر سياستها الخارجية مع إيران وتأزم خلافاتهما حول عدد من القضايا في بلدان النزاع الأهلي كسوريا واليمن والى حد ما البحرين، وهو ما أثر سلباً على الأمن الوطني في الداخل السعودية ونفوذها الإقليمي، وتجعل هذه البلدان تتقبل بسهولة التدخلات الإيرانية.
يأتي هذا الإنفتاح السعودي في ظل صعود ضاغط دولي يتمثل بالإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب ومعارضة من بعض الدول العربية ذاتها للسياسات السعودية تجاه العراق وقضايا المنطقة.
من هنا نلاحظ، منذ صعود نجم بن سلمان وصولاً إلى توليه منصب ولي العهد بإنفتاح غير مسبوق وتطور ملحوظ لمستوى تحسين العلاقات الثنائية بين السعودية والعراق تمثلت بعد فتح السفارة السعودية في العراق، بزيارات تعكس حجم الإهتمام السعودي الجديد في العراق تمثلت مؤخراً بزيارة وزير الداخلية السيد قاسم الاعرجي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، يقابله ترحيب ودعوات خليجية أخرى من الإمارات العربية المتحدة والهدف المعلن، تحسين العلاقات وإنهاء الخلافات بين دول الخليج وبين العراق في محاولة لحلحلة عدد من القضايا الإقليمية منها تسوية توتر العلاقة مع إيران كما عبر عن ذلك وزير الداخلية العراقي وعدد من المسائل الأساسية منها العراق، والهدف المخفي دعم التحالف غير المتبلور بصورة رسمية بين رئيس الوزراء والتيار الصدري وعدد من القوى السياسية المدنية في المرحلة السياسية المقبلة بكل تداعياتها.
اضف تعليق