إنطلاقا من الأحداث التي طغت على التفاعلات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، لابد من تشخيص وإستشراف العلاقة بين السعودية وإيران خاصة بعد الأزمة الخليجية وتولي محمد بن سلمان ولاية العهد التي تعد توليته إيذانا رسميا بتوليه دفة الحكم في المملكة، وإنعكاسات هذه العلاقة على المنطقة.
منذ إعلان الثورة الإسلامية في إيران عام ١٩٧٩، تتسم طبيعة العلاقات مع السعودية بالتوتر والتصعيد وتحولت مسارات هذه العلاقات من الهدوء إلى الصراع، لكن احتدمت طبيعة هذه العلاقات ووصلت إلى عمقها منذ بداية النزاع في سوريا، ثم بعد ذلك في اليمن، بالإضافة إلى التوترات الطائفية بين السنة والشيعة في المنطقة وصولا إلى ملفات تتعلق بالنفط وإنخفاض أسعارها، إضافة إلى دبلوماسية كلا البلدين تجاه العديد من القضايا الإقليمية.
ولذلك تعتبر السعودية أن عزل إيران كقوة إقليمية موازية لها، جعل من المملكة لا ترغب بشكل مستمر في أن ترى إيران حرة وطامحة ونافذة بعد العزلة التي كانت تعيشها منذ ثمانينات القرن الماضي، وتكرست هذه الرغبة أكثر في عهد أوباما بعد توقيع الإتفاق النووي الإيراني. لكن في الحقيقة جذور هذا الصراع عندما يوضع في مجهر التحليل السياسي نجد أن الصراع بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية، يتجاوز حدود الطائفية إلى أبعد من ذلك، صراع تسعى كل جهة عبره إلى حماية مصالحها ولو على حساب دول أخرى، فالتنافس على المصالح يعد أساس وجوهر الصراعات السياسية كبديل عن التعاون حينما تقتضي هذه المصالح تحديد أطر المواجهة.
إستشراف العلاقة الآن بين البلدين بعد إختيار محمد بن سلمان وليا للعهد يثير الكثير من التساؤلات في ما يتعلق بقدرات محمد بن سلمان على أن يكون في مستوى مسؤوليات رجل دولة لإدارة الخلافات وضبط العلاقات مع إيران؟، أم أنه سيعمل على سياسات وإجراءات تصعيدية ضدها؟
إيران وجهات معارضة ترى بوصوله إلى الحكم، أنه قد يشعل فتيل نزاعات ليس مع إيران إنما في المنطقة، نتيجة قلة الخبرة واللوبيات الضاغطة عليه ممن يدين لها في إيصاله إلى هذا الموقع وأكثر. لكن السؤال الأساسي: هل سيتنحى العاهل السعودي قريبا ليسمح لنجله بأن يصبح الملك؟
سؤال لا يزال يكتنفه الكثير من الغموض في الوقت الحالي خاصة المشاكل العميقة التي قد تحيط بالعائلة الحاكمة إذا حصل ذلك، لكن الأمور تسير بهذا الإتجاه وقريبا جدا، وفي هذه الحالة فهنالك الكثير من الملفات التي ستطرح على الطاولة أمام محمد بن سلمان، وتنتظر أن تعالج على الصعيدين الداخلي والخارجي. وفي هذا الشأن يمكن التكهن أن محمد بن سلمان قد يواجه صعوبة في إسماع صوت المملكة العربية السعودية كقوة إقليمية في المنطقة، في الوقت الذي تبحث فيه قوى إقليمية كتركيا وإيران وإسرائيل، عن فرض نفسها كوسيط في عدد من الصراعات في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، ولا دليل على تراجعات لهذه القوة في حساباتها الإقليمية وتقليص نفوذها وخياراتها في إداء دور فاعل في المنطقة وتحديدا إيران التي لا تنصاع إلى ضواغط المجتمع الدولي.
أبرز مقولة لمحمد بن سلمان يمكن أن نبني عليها إستشراف العلاقة بين إيران والسعودية هي:
"السعودية لن تُلدغ من إيران مجدداً"، كما أنه قال أيضا "إنه لا يوجد أي نقاط التقاء أو توافق بين الرياض وطهران خاصة وأن إيران تستهدف قيادة العالم الإسلامي، ولا تجد سبيلاً لذلك في وجود السعودية، وأن المملكة لن تنتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل ستعمل لكي تكون المعركة في إيران وليس في السعودية".
كما قال بن سلمان أن مخاطر إندلاع حرب مباشرة بين السعودية وإيران وشيكة وواردة محذرا إيران من ذلك، وقال أنها "ستكون كارثة على المنطقة، وعلى العالم أجمع، وبالتأكيد لن نسمح بهذا ومن يدفع بإتجاه المواجهة ليس في حالة عقلية سوية".
تصريحات بهذه الصقورية والخشونة والمصارحة والتهديد والوعيد ربما لم تصدر من قبل عن قيادة سعودية كبيرة سابقا، فهذه التصريحات أثارت قلقاً إقليمياً ودولياً متصاعد خاصة بعد إتهام إيران للسعودية بشكل مباشر بالوقوف خلف العمليات الإرهابية التي وقعت عند مرقد السيد الخميني ومقر البرلمان الإيراني في طهران، وفق البيان الرسمي الذي أعلنته إيران ممثلة بالحرس الثوري الإيراني وردت بضرب صواريخ بالستية ضد أهداف إرهابية في سوريا.
أول تداعيات صعود بن سلمان للسلطة ستكون إنتهاج سياسة جديدة في للمنطقة وبدأت بإفتعال أزمة مع قطر لمواجهة إيران من جهة، والإخوان المسلمين مما يطمأن إسرائيل من جهة أخرى، وهذا يؤكد أن محمد بن سلمان هو الرجل الذي يدير دفة الأمور في المملكة.
وهذا سيدفع مؤكدا الأمور نحو مزيد من التشدد والتعقيد في مناطق معينة وخاصة منطقة الخليج ذاتها ويعيد حسابات المنطقة مع إيران من حيث التموضع وإقتراب أو إبتعاد المصالح، فيما سيتجه بن سلمان بعلاقات المملكة خارج المجال أي مع أوروبا والصين وروسيا على نحو قائم على البراغماتية.
الخلاصة
رؤية العلاقات بين السعودية وإيران بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد وقربه من توليه موقع العاهل السعودي ستكون عبر تصعيد المواجهة مع إيران وستسلك نهجا أكثر حدة وقد تستخدم فيها أوراق التدخل في الشؤون الداخلية لإيران ودعم الجماعات المعارضة والأقليات التي من الممكن أن تعارض النظام السياسي في إيران كإقليم الأحواز ومناطق أخرى، أما على صعيد خطوط المواجهات الإقليمية فسنرى تشدداً سعوديا بالنسبة للحرب في اليمن رغم أنها مرشحة للخسارة وإستمرار متاهات تدمير هذا البلد، وسنرى تشددا أقل في سوريا لتغير معادلات الصراع وخلخلة الضوابط والتوازنات بسبب التواجد الروسي والأمريكي.
وستواجه المملكة العربية السعودية إيران عبر: إستكمال تشكيل محور سني عربي سعودي مصري إماراتي بحريني تنضم إليه الأردن بشكل غير مباشر وكذلك الكويت بعد قضية العبدلي وتراجع التمثيل الدبلوماسي بين الكويت وإيران مما يدفعها إلى المحور السعودي، ومحاولة إستمالة العراق كذلك وهذا حصل بعد زيارة وزير الداخلية العراقي للمملكة وزيارة رئيس أركان الجيش السعودي للعراق، ويكون هذا المحور متشددا مع إيران وقطر لإعادة ضبط التوازن في المنطقة، وهذا المحور ان تشكل سيكون له الدور المستقبلي في أحداث المنطقة العربية والشرق الأوسط العربي وبشكل خاص تحديد مسارات العلاقة مع إسرائيل وتغيرات جوهرية في ليبيا واليمن وسوريا، تعيد إنتاج أدوات الصراع والتنافس بين القوى الإقليمية الثلاثة في المنطقة، إيران، السعودية، تركيا مع بقاء التراجع المصري.
اضف تعليق