اختتمت زيارة الرئيس دونالد ترامب بعد رحلة بدأت بالسعودية والفاتيكان والأراضي المحتلة وبروكسل وصقلية، رحلة خارجية استمرت لمدة ثمانية أيام، بالنسبة للإدارة الأمريكية هي الأفضل في أداء ترامب منذ أن تولى الرئاسة، ولعل من أسباب النجاح أن ترامب إستطاع من حرف التركيز على إقالة جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي وما يمكن أن تتسبب له بفضيحة كفضيحة ووترغيت إبان حكم الرئيس السابق نيكسون، كما إستطاع أن يحرف الإعلام الذي كان يركز على روسيا وعلاقتها بحملة ترامب الرئاسية ووصفها بالأخبار الكاذبة.
كما أن خطابه في المملكة العربية حظى بمقبولية واسعة في الأوساط الأمريكية والعربية والإسلامية نسبيا فيما يتعلق بحشد قادة تلك الدول الخمسين لمواجهة الإرهاب، كما أن هذا الخطاب أشبه بخطاب تصالحي حواري مع الإسلام وان كان شكليا.
كما أن أهم إنجاز يحسب لترامب من هذه الزيارة عقد إتفاقات أسلحة ضخمة مع السعودية، كما أنشأ أول خطوات لنسج تحالف إقليمي جديد لمواجهة داعش وعزل إيران في المنطقة، كما إنه بإشتعال الخلاف الخليجي-القطري والذي يبدو إنه جاء نتيجة زيارة ترامب للمملكة يضع الرئيس أول خطواته لمواجهة خطر الإخوان المسلمين عبر الضغط على قطر وتركيا بعد الزيارة الفاشلة إلى واشنطن قبل زيارة ترامب للشرق الأوسط وعدم مشاركة أردوغان في تلك القمم الثلاث التي عقدت، وإبتعاث وزير الخارجية للمشاركة الهامشية.
أما في زيارته للأراضي الفلسطينية المحتلة من إسرائيل، فالمجتمع الدولي والداخل الأمريكي قرأ تلك الزيارة بإيجابية عالية رغم أن ترامب لم يفعل شيئا سوى إنه وعد بإطلاق جهود جديدة لإقامة سلام إسرائيلي-فلسطيني. والتزم بحماية أمريكية لإسرائيل ووعد بزيادة المساعدات الأمريكية لها وطمأنة إسرائيل بالإبقاء على التفوق العسكري في المنطقة.
وفي الفاتيكان، عقد ترامب لقاءا وديا مع البابا فرانسيس، تمثل هدفه بإضفاء لمسة دينية على توجهاته المحافظة وإحترامه للقيم المسيحية في فترة رئاسته.
أما زيارته لبروكسل ولقائه الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فقد نجح ترامب بالتركيز على المسائل المالية للدول الأعضاء وضرورة الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه التحالف ونجح بصياغة مقاربة بهذا الشأن وهي: إذا أردتم حماية أمريكية والتزام أوسع ما عليكم إلا تسديد المبالغ المترتبة بذمتكم لأمريكا، عدا ذلك فالمخاطر الروسية ومخاطر الإرهاب داخل دول الناتو ستكون جدية ومستمرة.
كما أن ترامب إستطاع بمهارة أن يجد حلول للخلافات الدبلوماسية مع بريطانيا بشأن ما أشيع من تسريب الولايات المتحدة لمعلومات إستخباراتية حول تفجير مانشستر.
ولهذا فإن نتائج زيارة ترامب كانت ملموسة، فقد قلّت وتراجعت مؤاخذات المنتقدين على الرئيس لتقتصر على مسائل شخصية وجسدية، كإنتقاد لغة جسده في الصور الرسمية كمسك يد زوجته وإبعاده عنها خلال مراسم الوصول والإستقبال، ومسك يد البابا، وعدم وضعه سماعة الترجمة عند إلقاء كلمات من القادة المشاركين في الإجتماعات طيلة مدة زيارته، وتبدو هذه مسائل صغيرة وتافهة، بينما يمكن القول أن ترامب واقعيا وجاداً وموضوعياً ورئاسياً أيضاً كحصيلة لتلك الزيارات.
لكن تبقى الرسائل السلبية حاضرة في تلك الزيارات فزيارته إلى صقلية للقاء دول 7G قوبلت بسخط وحنق شديد من المراقبين وحتى اليساريين في أمريكا كان بسبب رفض ترامب تأييد إتفاق باريس بشأن التغيير المناخي وإعلان الإنسحاب من الإتفاق خلال قمة مجموعة السبعة الكبار، وهذا قد يضره ويضر مكاسب كثيرة من هذا الإتفاق كما يضر علاقته بالشركاء الأوربيين وأولهم فرنسا.
كما أن التصعيد السعودي ضد قطر وبرود علاقة أمريكا بتركيا قبل وأثناء القمم سيعمل على تحول في السياسة الخارجية التركية، إذ ستتحول خطوات تركيا المترددة نحو تعزيز العلاقات مع موسكو إلى خيار إستراتيجي، بهدف صنع توازن مع خيبة التوقعات من التحالف التقليدي مع الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تكون الحملة على قطر مقدمة للتصعيد في ليبيا وهذا سيفتح صراع جديد، على أمريكا أن تكون رأس حربة فيه هذه المرة ولهذا الإجراء عواقب وخيمة.
أما الأوضاع في اليمن فإنها تتجه نحو الإنقسام، بجهد إماراتي وموافقة سعودية ودعم أمريكي وهذا فيه مخاطر محتملة لصراعات مفتوحة داخلية وإقليمية، وكما يبدو من خلال زيارة السعودية أن هنالك تحركا حثيثا في السعودية لإحداث تغيير في هيكل الحكم وصعود محمد بن سلمان، مما يفتح جرحا عميقا في السعودية ينعكس على إستقرارها وإستقرار المنطقة إن حصلت هنالك تداعيات داخلية وهذا أيضا لا يصب بمصلحة أمريكا الآن.
لكن السؤال الأساس هنا، حينما عاد ترامب إلى واشنطن، هل سيقرر تنفيذ أجندة تلك الزيارات المتنوعة وتجسيد هذا النجاح لهذه الرحلة في السنوات القادمة من حكمه؟، أم إنه سيعود إلى مستنقع دائرة الجدل الذي تركه وراءه؟
اضف تعليق