مثلت طروحات الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب في دعايته الانتخابية انقلاباً جذرياً على الأعراف الانتخابية الأمريكية المتعارف عليها، وزادت من تخوف العالم اجمع، لاسيما بعد تأكيد فوز ترامب في سباق الرئاسة الأمريكية على حساب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
وقد اجمع المختصون والمراقبون بأن العالم مقبل على تغيرات شاملة وتطورات سياسية كبيرة، لاسيما فيما يتعلق بسياسات العولمة والتحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية. ونتيجة للطروحات الترامبية "الداخلية والخارجية" توقع البعض بأن الرئيس الجديد للبيت الأبيض قد يدخل في صراع سياسي مع المؤسسة السياسية العريقة في واشنطن والبيت الأبيض، لاسيما وأن ترامب اختار كابنته الوزارية من خارج هذه المنظمة "المنظومة السياسية المحافظة على التقاليد الأمريكية" في واشنطن. وهنا تكمن فرضية المقال، هل أن المنظومة السياسية الأمريكية كسبت الصراع ضد الرئيس الجديد وتطلعاته السياسية ورؤيته الاستراتيجية بعد الضربة الصاروخية على معسكر الشعيرات أم أن الرئيس الأمريكي ما يزال يحتفظ برؤيته الانتخابية؟
كانت طروحات ترامب الانتخابية تمثل انعكاس لرؤية الرجل الاقتصادي، وأبرز تلك الطروحات تمحورت حول دور واشنطن في قيادة العالم وعلاقاتها مع أوروبا وموقفها من الصراع في الشرق الأوسط وحلفاءها التقليديين. وقد مثل الاتفاق النووي الإيراني والخروج من منظمة التجارة العالمية وحلف شمال الاطلسي "الناتو" ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس وبناء الجدار العازل مع المكسيك، وتحجيم دور واشنطن العسكري في الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب والموقف من الدول الداعمة له وقضية اللاجئين، أبرز ما طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
يرى البعض بأن الهجوم الصاروخي الذي نفذته الولايات المتحدة الأمريكية صباح يوم الجمعة الماضية 7نيسان/أبريل على قاعدة الشعيرات السورية، هو توجه جديد يعكس رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة، وهذا التوجه ربما هو بداية لكسب الصراع بين ترامب والمنظومة السياسية في واشنطن، على الرغم من أن أنصار الرئيس ترامب متفاجئين من القرار المفاجئ أو التحول المفاجئ في مواقف الرئيس الأمريكي. ونشرت صحيفة "الفايننشال تايمز" مقال بعنوان "هل عاد شرطي العالم مع ترامب؟" للكاتب غيديون راكمان بقوله "إن شن الولايات المتحدة ضربات صاروخية في الشرق الأوسط، ليس أمرا يدعو للبهجة، لكن علامات الرضا كانت ظاهرة على المسؤولين عن السياسة الخارجية الأمريكية، ويرى بأن ردة الفعل تعكس في الظاهر السخط الواسع من استعمال النظام السوري للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين والأطفال.
لكن السبب الخفي لابتهاج واشنطن هو أملها في أن يكون تحرك ترامب إيذانا بعودة “شرطي العالم‘‘، وهذا ما تريده المنظومة السياسية في واشنطن؛ لأنها تعتبر هذا الهجوم هو تحول في الفكر أو الأيديولوجية الترامبية التي أعلن عنها الرئيس ترامب قبل مجيئه إلى البيت الأبيض، ومنسجماً مع تطلعاتها السياسية والاستراتيجية المتناغمة مع التقاليد الأمريكية التي رسمها الرؤساء الأمريكان.
لكنها تمثل من وجهة نظر أنصار الرئيس الأمريكي تراجعاً عن مشروعه أو برنامجه الانتخابي، فالرئيس لم يفعل شيئاً حيال الاتفاق النووي الإيراني ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، كما أنه لم يلتق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فضلاَ عن ذلك فإن موقفه من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الاطلسي والعولمة السياسية والاقتصادية تحول من العداء المعلن إلى الدعم الحذر والمشروط، وهذه الشرطية قد تعكس قبول وانحناء الرئيس الأمريكي أمام تقاليد المنظومة السياسية الأمريكية وتخليه عن تطلعاته السياسية والاقتصادية التي أعلن عنها من خلال دعايته الانتخابية.
وبهذا فقد ينجر الرئيس الامريكي الى سياسة المنظومة السياسية العالمية التقليدية التي انتقدها خلال دعايته الانتخابية. وهذا ربما يزيد من احتمالية خطر تزايد الصراع في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما مع تزايد الوجود العسكري للدب الروسي وحلفاءه في المنطقة، أو يزيد من مخاطر الصراع ضد تنظيم "داعش"، لاسيما أن الرئيس الأمريكي له أولويات استراتيجية في المنطقة تتعلق بحماية إسرائيل وتحجيم النفوذ الإيراني والقضاء على تنظيم "داعش". وبهذه الأولويات قد تكون تطلعات المنظومة السياسية في واشنطن سائدة على تطلعات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
اضف تعليق