q

شكل هروب الرئيس اليمني المعزول "عبد ربه منصور هادي" من المكان الذي احتجزه فيه الحوثيين، منعطفا جديد في الازمة اليمنية، التي باتت تقترب كثيرا من المشهد الليبي، بعد ان ابدى مراقبون مخاوفهم من قيام حكومتين، واحدة في الشمال يجري العمل عليها بقيادة الحوثيين، والاخرى في عدن حيث انتقل "هادي" وعاود نشاطه السياسي هناك، اضافة الى تنامي الحراك الجنوبي وعودة المطالبات بإقامة دولة الجنوب، فيما لم يشكل المجتمع الدولي والامم المتحدة دورا فاعلا خلال الازمة اليمنية، سيما وان مخاوفا اعلن عنها مسؤولون بارزون من تنامي نفوذ فرع القاعدة في اليمن (الذي تعتبره الولايات المتحدة الامريكية من انشط فروع تنظيم القاعدة)، وسط الفوضى السياسية والامنية التي ما زالت حاضرة في المشهد اليمني.

وهادي شخصية مدعومة من اطراف اقليمية ودولية ما زالت تعتبره الرئيس الشرعي لليمن، لذلك يحاول العودة الى تصدر المشهد السياسي في بلادة من جديد، لكن كما تشير الاحداث المتداخلة لن تكون امامه مهمة سهلة، مثلما لن تكون المهمة سهلة بالنسبة للحوثيين ايضا، فاليمن وصلت بالفعل الى "النقطة الحرجة"، ويمكن اعتبار الخيار الذي سيذهب اليه "هادي" بتحدي سلطة الحوثيين اختيارا فاشلا، ويمكن ان يسبب المزيد من الصدام والانحدار الى الهاوية، وفي حال تحدى الحوثيون سلطة هادي وتمسكوا بخيار الاستمرار بمفردهم حتى النهاية، فان حربا اهلية قد تندلع في اليمن لتتحول الى "دولة فاشلة" كما يحدث الان في ليبيا، وربما يكون الخيار الصائب (من الطرفين) العودة الى طاولة المفاوضات والحديث عن النقاط المشتركة وارجاء الخلافية لحين تهدئة الاوضاع، وطبعا هذا لا يتم إلا بدعم اممي، حتى لا يتحول الصراع على السلطة في اليمن الى صراع اقليمي بين اطراف مارست هذا الصراع في اماكن كثيرة من الشرق الاوسط.

في سياق متصل رفضت الحكومة اليمنية المستقيلة تكليفا لها من الحوثيين بتصريف الأعمال إلى حين تمكنهم من تشكيل حكومة جديدة، وقال مصدر في مكتب رئيس الوزراء المستقيل خالد بحّاح لوسائل إعلام يمنية "لا يمكن للحكومة أن تعمل تحت سلطة ميليشيات مسلحة انقلبت على السلطة الشرعية"، وكان الحوثيون قد أعلنوا توليهم مقاليد الأمور في اليمن بعد أشهر قليلة من سيطرة مسلحيهم على العاصمة صنعاء، في خطوة رفضها مجلس الأمن الدولي، فيما وصف الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي أعلن تراجعه عن استقالته، إجراءات الحوثيين بأنها "انقلاب غير شرعي"، وتمكن هادي من الهروب من إقامة جبرية فرضها عليه الحوثيين في صنعاء، ثم أعلن أنه بدأ ممارسة مهامه الرئاسية من مدينة عدن جنوبي البلاد، وكلف هادي وزراء الحكومة بممارسة أعمالهم من عدن حتى ينتهي الحصار الذي يفرضه الحوثيون على رئيس الوزراء في صنعاء، وعلم من الحوثيين أن الحركة الحوثية تجري مشاورات مكثفة مع قيادات جنوبية لتولي مهام رئاسة مجلس رئاسي انتقالي ردا على هروب الرئيس هادي من إقامة جبرية كانت مفروضة عليه في صنعاء، كما قال مصدر أمني في محافظة الحديدة إن قوات الأمن في المحافظة رصدت تعزيزات عسكرية للحوثيين باتجاه مدينة المخا التابعة لمحافظة تعز استعدادا لاقتحامها ردا كما يقول على بيان الرئيس هادي، في المقابل هاجم القيادي في الحركة الحوثية علي العماد الرئيس هادي، وقال العماد في منشور له على صفحته في الفيسبوك إن شرعية هادي التي وصفها بـ"المزعومة التي نص عليها دستور المبادرة الخليجية قد انتهت وأصبح من الآن مجرد طرف سياسي" بحسب وصفه، كما اتهم السعودية وقطر وبريطانيا وأمريكا بـ"استخدام هادي كوسيلة لإرباك المشهد والتأثير على أي اتفاق". بحسب بي بي سي.

فيما اكدت مصادر سياسية يمنية ان الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي تمكن من الافلات من الاقامة الجبرية وعاد ليمارس مهامه من مدينة عدن الجنوبية، يؤيد الحوار للخروج من الازمة ولكن خارج صنعاء التي يسيطر عليها المسلحون الحوثيون، وفي المقابل، قال مصدر قريب من رئيس الحكومة اليمنية المستقيلة خالد بحاح ان هذه الحكومة ترفض تسيير اعمال البلاد تنفيذا لقرار اصدره الحوثيون، وقالت مصادر حاضرة في حوار القوى السياسية الذي استؤنف في صنعاء، ان المبعوث الاممي لليمن جمال بن عمر اكد للمجتمعين انه اتصل بالرئيس هادي وسمع منه انه متمسك بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي نصت على مراحل انتقال السلطة بعد تنحي الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتمسكه بنتائج الحوار الوطني الذي قرر تحويل اليمن الى بلد اتحادي من ستة اقاليم، واكد مصدر من الحاضرين ان الرئيس هادي "تحفظ على الحوار في صنعاء ودعا إلى ضرورة نقل الحوار الى مكان آمن يتوافق عليه الجميع". بحسب فرانس برس.

وأوضح المصدر أن هذه المسألة ومسائل اخرى اشترطها هادي "تتم مناقشتها حاليا بين القوى السياسية المتحاورة"، وكانت اللجنة الثورية العليا، وهي اللجنة التي شكلها الحوثيون لقيادة عملية السيطرة على الحكم في صنعاء، اصدرت قرارا بتكليف "الحكومة المستقيلة بتصريف الشؤون العامة للدولة لحين تشكيل الحكومة الانتقالية ﻭﻓﻘﺎ ﻷﺣﻜﺎﻡ الإعلان الدستوري"، والاعلان الدستوري هو الاعلان الذي اصدره الحوثيون في السادس من شباط/فبراير وحلوا بموجبه البرلمان مع تشكيل لجنة امنية لإدارة شؤون البلاد بانتظار تشكيل مجلس رئاسي، وقال مصدر قريب من رئيس الحكومة المستقيلة ان "حكومة بحاح تؤكد أن قرار الانقلابين الحوثين لا يعنيها وأن موقفها واضح وهو التمسك بالاستقالة"، وتمكن هادي من الفرار الى عدن من مكان اقامته الجبرية التي فرضت عليه منذ استيلاء الحوثيين على القصر الرئاسي في صنعاء في 20 كانون الثاني/يناير، وكان هادي قدم استقالته بعد ذلك بيومين هو ورئيس الوزراء خالد بحاح في قرار كرس سيطرة الحوثيين الكاملة على صنعاء، وفور وصوله الى عدن التي تعد معقلا لأنصاره، بدأ هادي ممارسة النشاطات السياسية واعتبر ان كل القرارات التي اتخذها الحوثيون منذ احتلالهم صنعاء في 21 ايلول/سبتمبر "باطلة ولا شرعية لها"، وحض هادي المجتمع الدولي على "رفض الانقلاب" الذي نفذته هذه المليشيات.

ويسعى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لاستئناف مهامه كرئيس للدولة، حيث عقد أول اجتماع علني مع مسؤولين بالدولة منذ فراره من الإقامة الجبرية بمقر إقامته في صنعاء التي فرضها عليه الحوثيون الذين يهيمنون على النصف الشمالي من البلاد، واجتمع هادي بمحافظي عدد من محافظات الجنوب (عدن ولحج والضالع وسوقطرة) والقادة العسكريين بمنتجع رئاسي في العاصمة الاقتصادية عدن في اجتماع أذيع على قناة تلفزيون محلية بالمدينة، وقالت مصادر في الاجتماع إن هادي أكد مجددا التزامه بالمبادرة الخليجية التي رعتها دول مجلس التعاون الخليجي عام 2011 لنقل السلطة والتي سمحت لسلفه علي عبد الله صالح بالتنحي بعد أشهر من الاحتجاجات، وهاجم هادي جماعة الحوثي التي سيطرت على صنعاء في سبتمبر/ أيلول واستكملت سيطرتها على الحكومة، ونقل أحد المصادر عن هادي قوله أمام من حضروا الاجتماع "ما يجري هو صراع من أجل السلطة، لا بدافع القلق على مصالح الشعب"، ودعا هادي إلى الإفراج عن رئيس الحكومة خالد بحاح ومسؤولين حكوميين آخرين مازالوا رهن الإقامة الجبرية بمنازلهم وطالب بالسماح لهم باستئناف مهامهم.

فيما نقل موقع الأخبار اليمني عن عضو المكتب السياسي للحوثيين علي القحوم قوله إن هادي هرب من مقر إقامته المحاصر متنكرا، وأضاف القحوم أنه لم يعد يهم بقاء الرئيس السابق في صنعاء أو مغادرته، وقد يقوض هروب هادي واستئنافه مهامه المحادثات الجارية بين القوى السياسية للاتفاق على إدارة انتقالية جديدة لحكم البلاد، ويأتي توجه هادي إلى عدن في أعقاب اتفاق بين الفصائل المتصارعة في اليمن بوساطة الأمم المتحدة على تشكيل مجلس انتقالي ويقضي ببقاء البرلمان والسماح للحكومة بأن تستمر في العمل بمشاركة بعض الجماعات الأخرى.

اضف تعليق