كانت دولة (صدام ـ البعث)؛ مشرقةً بكل أشكال الجريمة ومضامينها؛ بل بأفظعها على مستوى التاريخ والجغرافيا. وكان جزءاً من هذا التاريخ المشرق الذي لايزال يلقي بظلاله البشعة على واقع العراق؛ بكل أنواع التجليات:
1- إن دولة (صدام ـ البعث) تأسست بتوافق بريطاني ـ أمريكي. وليس سراً ارتباط صدام حسين بالمخابرات الأمريكية منذ كان منفياً في مصر. وبقي ينفذ مخططات المخابرات الأمريكية في المنطقة؛ بدءاً بضرب القضية الفلسطينية، وتكريس الفوضى الداخلية اللبنانية، وابتزاز الكويت والسعودية، وضرب الثورة الإسلامية في ايران، وشق النظام السوري.
2- كان نظام (صدام ـ البعث) أبشع نموذج لنظام التمييز الطائفي والعنصري؛ الخاضع لهيمنة الأقلية السنية العربية (16% من سكان العراق)، والذي عرّض الأكثرية الشيعية (65% من سكان العراق) لكل أنواع الجريمة؛ بدءاً بالتهميش والتمييز، والاعتقالات والتعذيب، والقتل والمقابر الجماعية، والتسفير، وليس انتهاءً بسلب الحقوق المذهبية. ولم يكتف بهذه الهيمنة الطائفية العنصرية؛ بل حوّل حكم العراق الى حكم المدينة الواحدة (تكريت)، ثم عشيرة صدام، ثم عائلته الصغيرة.
3- بعد أن تمرد على الأمريكان؛ أكمل نظام ( صدام - البعث ) مسلسل تدمير منطقة المشرق العربي باستدعاء القوات الأجنبية بعد العام 1991؛ حين غزا الكويت، وتسبب في تدمير العراق والكويت، واحتلالهما من قبل الأمريكان. ولاتزال المنطقة تتعرض لأبشع انواع الإبتزاز والاحتلال؛ بسبب سلوكه الإجرامي المتوافق مع مخططات أمريكا وبريطانيا.
4- طيلة 35 عاماً من الحكم العميل الدموي الطائفي الشوفيني؛ تسببت دولة (صدام ـ البعث) في قتل وإعدام وإعاقة 20% من الرجال العراقيين؛ جراء الحروب والإعدامات الفردية والمجازر الجماعية؛ بينهم عشرات آلاف علماء الدين والأكاديميين والإختصاصيين والأطباء والمهندسين وضباط الجيش.
5- باتت 50% من النساء العراقيات ثاكلات؛ بين يتيمة وأرملة ومفجوعة بولدها أو أخيها.
6- أصبح 50% من كرد العراق مشردين.
7- أصبح 30% من شيعة العراق مشردين ومهاجرين ومهجرين.
8- عشرة آلاف مليار دولار؛ معدل أموال العراق وثرواته وموازناته التي سرقها وأحرقها وبددها نظام (صدام ـ البعث).
9- بنى تحتية مدمرة على كل المستويات، وبلد مغلق معزول يمنع فيه السفر والموبايل والستلايت، وفقر وجوع وبطالة، وفساد إداري ومالي واجتماعي واخلاقي.
10- بلد لاتوجد فيه دولة ولاحكومة ولابرلمان؛ إلّا بالاسم فقط. لايوجد سوى سلطان قاتل محترف اسمه صدام حسين؛ هو التشريع والتنفيذ والقضاء، وهو الحاكم والحكم، وهو القانون وهو الشعب وهو الوطن.
11- تسبب نظام (صدام ـ البعث) في إذلال العراق وشعبه، وفرط بتراب العراق وسيادته؛ فقد اقتطع للكويت والسعودية وايران والأردن وتركيا مئات الكيلومترات المربعة من أراضي العراق ومياهه، وأخضع كل شبر في العراق ومؤسساته ومخازنه وحرماته الوطنية لتفتيش أجهزة المخابرات الأجنبية، ورهن العراق لمعاهدات الذل والهوان مع الأجنبي في خيمة صفوان في العام 1991.
12- لم تقتصر جرائمه المنظمة على العراق؛ بل تعدت معظم دول الجوار. فقتل 1% من الشعب الإيراني، وشرد 15% منهم. وقتل 1% من الشعب الكويتي وشرد 80% منهم. كما تسبب في قتل آلاف اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين في جرائم التفجيرات والإعدامات والاغتيالات.
ومن ينتقد اليوم ـ بحق وإخلاص ـ الواقع العراقي؛ بما في ذلك أساليب إدارة الدولة، وانعدام الستراتيجيات، والفساد الإداري والمالي، والسيادة المنقوصة، والخلل في الممارسة الديمقراطية، والأمن المتزعزع، ومستوى المعيشة، والبطالة، ومشاكل الكهرباء والخدمات؛ فلا شك إن الحق معه؛ إذ لا مسوغ لهذا الوضع المأساوي؛ إلّا إذا كانت أسبابه فوق طاقة المسؤولين. ولكن ينبغي حين ننتقد أن نضع قضيتين أساسيتين في حسباننا:
1- إن الأسباب الكبرى للواقع المأساوي الذي يعيشه العراق؛ هي أسباب متجذرة أكبر حجماً ونوعاً من أي حاكم يحكم العراق، و أهمها:
أ- الإرث الطائفي العنصري للدولة العراقية، والذي تسبب في التأسيس لنظام سياسي شاذ تحتكره أقلية طائفية قومية جغرافية ( السنة العرب من المحافظات الغربية الثلاث)، وتهميش المكونات الأخرى بأبشع ألوان التهميش والتمييز. مما تسبب في نشوء عقد سياسية عميقة وأمراض نفسية اجتماعية مستعصية داخل الجسد العراقي. وهذه العقد والأمراض لايمكن تفكيكها ومعالجتها ذاتياً أو بالمراهنة على الزمن؛ بل ربما بالإستئصال والكي.
ب- إرث نظام البعث ـ صدام في المجالات السياسية والثقافية والتعليمية والاجتماعية والنفسية، وعلى مستوى تبعات وجود الأعداد الهائلة لعوائل المعدومين وضحايا الحروب، وكذا إرث البنية التحتية المنهارة، وإرث انتقاص السيادة.
ت- التآمر على العراق الجديد من قبل المحيط الطائفي العربي والإقليمي، ومنع استقرار البلاد نهائياً عبر زرع ودعم الجماعات الإرهابية الطائفية، وضرب الشخصيات الوطنية بكل الوسائل السياسية والمخابراتية الاعلامية.
ث- تبعات الإحتلال الأجنبي وارتهان العراق لسياساته.
2- إن كل ماحصل من مآسي في العراق بعد العام 2003؛ لايساوي واحد بالمليون مما فعله نظام البعث الطائفي الشوفيني المجرم بالعراق وشعبه وبنيته الاجتماعية والعمرانية. بل لعل جرائم تاريخية مفردة؛ كتعذيب وإعدام المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر؛ التي صادفت يوم سقوط دولة البعث – صدام في 9/4؛ تعادل كل مآسي العراق فيما بعد العام 2003؛ لأن محمد باقر الصدر كان أمة في رجل، وقتله لايقل ذنباً عن جرائم اليهود بقتلهم الأنبياء..
ولذلك فإن من بديهيات إستشعار الشيعي لشيعيته، والعراق لوطنيته، والإنسان لإنسانيته؛ أن تبقى صور إجرام دولة (البعث ـ صدام) محفورة في ذاكرة كل عراقي وكل مسلم؛ بل كل إنسان. ومن يعتقد أن الحكم الحالي ـ رغم كل مساوئه ـ أسوء من حكم صدام ـ البعث أو يشبهه؛ فليرجع انسانيته وانتماءه وعقله.
اضف تعليق