رغم تضاؤل قيمة القمم العربية وتراجع اهميتها السياسية، لكن حضور العراق في قمة الأردن اختلف من حيث الاهمية عن حضوره في القمم التي سبقتها، منذ سقوط النظام السابق ولحد الآن، كان الحضور العراقي واضحا، لأنه حضر قويا مجللا بانتصاره العسكري، وزخمه الدبلوماسي وتصاعد الثقة الدولية بتماسكه وعودته الى طريق التعافي.
قبل القمة العربية كان الاهتمام الدولي لاسيما مع قدوم ادارة الرئيس الامريكي ترامب يمنح العراق مزيدا من الثقة والاطمئنان بانه خرج من تصنيف الدول الهشة أو انه في طريقه للخروج، بعدما راكم مزيدا من امكانات القوة واقترب اكثر فاكثر من تخوم الدول الفاعلة في محيطها، لا الدول التي تنفعل بسياسات غيرها.
هذه المعطيات الجديدة المتمثلة بالحراك الدبلوماسي الدولي والاقليمي باتجاه العراق، تزامن مع تزايد ثقة المنظمات الدولية ومؤسسات الاقراض المالي وسعي دول كبرى لمساعدة العراق ومخاطبته للدخول في تحالفات استراتيجية، كل ذلك يشير الى اهمية انتهاج سياسة العمل الدؤوب والهادئ وعقلانية الخطاب، والتركيز على المصالح، والموازنة بين متطلبات الساحة الداخلية ومصالح العراق الخارجية. ولم يكن ذلك متاحا وممكنا لولا النجاح الكبير في ساحات المعارك ضد دولة الخلافة الداعشية، والتعبئة الوطنية الكبيرة، والانسجام النسبي الذي تحقق بين أطراف الجماعة الوطنية العراقية والذي ساعد على جعل الانتصار العسكري اولوية وطنية كبرى.
لكن مايلفت الاهتمام اخيرا هو الاقتراب العربي من العراق بما يشبه الخروج من غيبوبة التغافل عن دور واهمية العراق عربيا واقليميا ودوليا.
اين كان الاشقاء عن العراق طيلة الفترة الماضية رغم بعض الاستثناءات؟
ولماذا اكتشفوا اخيرا ان عودتهم الى الانفتاح على بغداد ضرورة عربية؟
وخطوة ظلت منتظرة لإحياء النظام الاقليمي العربي الذي بقي مشلولا وممزقا وتقوده مصالح دول لاتتذكر اشقائها الا حينما تغرق في بحر مشكلات كبرى، نتذكر مساعي ادارتي بوش الابن وباراك اوباما ومحاولاتهما فتح قنوات تفاهم عراقية عربية لاسيما مع السعودية ومصر، ونتذكر ايضا جهود وزير الخارجية الامريكي الاسبق جيمس بيكر مكلفا من الرئيس بوش الابن لإسقاط ديون العراق العربية والدولية، فقبلت دول صديقة وامتنعت بعض الدول الشقيقة، كان واضحا حينها ان الاشقاء العرب لايريدون للعراق ان يتعافى الا بشروطهم، يتدخلون في تركيبة نظامه السياسي ويتأكدون من خطابه الدبلوماسي وسياسته الخارجية، يومها ضن بعض الاشقاء في ارسال وزراء الخارجية لحضور قمة بغداد عام ٢.١٢ وامتنع اخرون عن ارسال سفرائهم امعانا في محاصرة وعزل النظام الجديد والامتناع عن منحه الشرعية خارجيا، لكنهم لم يمتنعوا عن غض الطرف عن الفتاوى وبيانات التأييد وجمع الاموال لقاطعي الرؤوس من (مجاهدي المقاومة) العراقية ضد المحتل الامريكي!!!؟؟ ولمناصرة الاشقاء من العرب السنة فقط، اما عرب العراق الشيعة فكانت دماؤهم زرقاء، وكان الشعار السائد حينها، اتركوهم لمصيرهم، يصارعون المفخخات والخذلان ويناطحون تنظيمات الارهاب السلفية ولايجدون نصيرا سوى ايران وحفنة دول تنظر لمصالحها في العراق والمنطقة بأفق بعيد.
كان العرب خائفون من العراق الجديد رغم آلامه ومشكلاته وعلله، ولم يكونوا خائفين عليه، ولم تحركهم مبادئ العروبة وروابطها القومية حتى لحظة دخول داعش من سوريا بجحافل تسقط المدن وتستبيح الحرمات، ولم يدر بخلدهم ان العراق سيتعافى وسينهض رغم جراحاته العميقة لان همسات بعض سفراء العراق، وملفات وفود لمكونات عراقية محلية وتقارير استخباراتية ودعاية اعلامية قوية، كانت تصور العراق بعبعا يعزف على وتر ناشز خارج سياقات ومصالح الامن القومي العربي.
الان بدا ان كل ذلك سيصبح من الماضي وان تبادل الوفود واللقاءات والزيارات وتوقيع الاتفاقيات يهيئ لمرحلة جديدة من العلاقات، لكن من الحق ان يطالب العراق بتطبيع حقيقي يتجاوز الخطاب الرسمي، لان المشكلة في النخب العربية التي تدير المناخات الدينية والاعلامية والدراسات السياسية والبحوث وتقدم خطابها الشعبي ونصائحها لمتخذي المواقف والسياسات.
لانريد ان نكون حبيسي الماضي وعقده واخطائه، كما لانريد ان نكون بلا ذاكرة وننسى بسهولة سنوات الكراهية والتحريض والشماتة، فاذا كان للعراقيين اخطائهم، فللعرب خطايا كثر ساهمت في اطلاق اكبر حملة كراهية طائفية واعلامية ونفسية، ومن السذاجة المراهنة على تحولات في المواقف لاتصحبها تعديلات جوهرية في الخطاب الاعلامي والسياسي والديني بعد ان تحولت مساجد العرب ومحافلهم السياسية والاعلامية والثقافية الى مراكز للتجنيد والتحريض ضد العراق، غير بعيد عن اعين السلطات، فالسياسات الخارجية غير بعيدة عن المزاج الداخلي وهي صورة عن المواقف الشعبية والاوضاع الداخلية.
سيكون العراق اقوى من ذي قبل حينما يتأكد بعض العراقيين ان لابديل عن الدولة العراقية المستقرة القوية كضامن وحيد لمصالحهم رغم اغراءات الدعم والتخويف والاملاء من بعض الاشقاء الاقليميين.
اضف تعليق