زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام طقس ديني سنوي خالد، درج عليه المسلمون منذ أن تجرّأ الطغيان على الدم النبوي الطاهر، حين أقدم يزيد على قتل سبط النبي الأكرم (ص)، وقد مرت هذه الزيارة بمراحل عديدة منها ما حاول وأدها وقمعها وإلغائها من الوجود كليا، ومنها من حاول تعويقها، ولكن كما تؤكد حقائق التأريخ لم تفلح جميع محاولات الوأد والمحو والتعويق في تحقيق هدفها، وهو أمر يؤكد أن جميع الطقوس والفعاليات الانسانية الصحيحة والأصيلة لاينجح معها القمع او الالغاء مهما استخدم من وسائل متقدمة في القهر والقتل وسواه.
وتعد زيارة الاربعين في المنظور الراهن، من أهم مظاهر العهد الديمقراطي العراقي الجديد، الذي يؤكد ويتيح للجميع حرية ممارسة الطقوس الدينية وحرية العقائد، وتعتبر زيارة الاربعين من أهم هذه الطقوس، وأكثرها حضورا بين العراقيين، حيث شكلت مرحلة ما بعد زوال الدكتاتورية، في نيسان 2003 إنطلاقة جديدة للعراقيين، كي يعبروا عن عقائدهم بوضوح وصراحة وظهور تام بعيدا عن التخفي، ومن دون خوف، من السلطان او الحكومات الغاشمة.
وباتت تأدية الطقوس الدينية بمختلف انتماءاتها، أمرا متاحا لجميع المكونات العراقية، وعاملا مساعدا على التقارب فيما بينها، وذلك من خلال المشاركة المتبادلة بين هذه المكونات في تأدية هذه الطقوس.
وهكذا عادت زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، لتأخذ دورها ومكانتها التي تحققت عبر تأريخ طويل، على الرغم من سعي الطغاة المحموم والمتواصل لمنعها، أو محوها كليا من ذاكرة المسلمين، في العراق وخارجه، وهكذا توهجت هذه الزيارة الخالدة، بطقوسها الايمانية من جديد، لتسهم في تشكيل الواقع العراقي الجديد، وتضفي عليه طابعا متحررا ديمقراطيا، في التعامل مع الجوانب العقائدية وغيرها.
ويمكن للمراقب الدقيق، أن يقرأ النتائج الايجابية الكبيرة التي حققتها هذه الزيارة للعراقيين وغيرهم، على ارض الواقع، وهي مؤشرات واضحة، تدل على نمو وازدهار حالات التكافل، والتسامح، والتعاون، والقبول بالآخر، وازدهار التنوع المجتمعي، مع توافر وحدة الموقف، ازاء الحاضر الذي يعيشه العراقيون، وهم يحثون الخطى لبناء دولتهم الجديدة، القائمة على الحرية، ومفرداتها وتوابعها، مع الالتزام بالضوابط، التي تحفظ للجميع حقوقهم وكراماتهم.
ويمكن لنا أن نحدد بعض النتائج البالغة الأهمية التي تحققت من خلال الاقبال الواسع والمتنامي، لتأدية طقوس هذه الزيارة المباركة سنويا، ويمكن أن نتناولها تباعا، بما يؤكد فاعليتها في الواقع المتحرك، وكما يلي:
- شكلت هذه الزيارة، دليلا لا يقبل الشك على ديمقراطية العراق الجديد، وتجاوزه لمرحلة الفكر الأحادي، الذي يعمل على إقصاء الآخرين، وفرض أجنداته حصرا على الغير.
- لم تكن زيارة الاربعين حكرا على جماعة، دون غيرها من العراقيين، فهي ليست حكرا على المذهب الشيعي، حيث تؤكد الوقائع، إسهامات السنة والمسحيين وغيرهم، مع اخوانهم في مناطق السكن المشتركة، او في غيرها من الاماكن التي تقدم فيها الخدمات المختلفة للزوار، من مأكل، ومشرب، وراحة، ومنام وما شابه، وهذا ما يؤكد حالة التعاون والتكافل، التي سبق الحديث عنها.
- ساعدت هذه الزيارة، على نشر ثقافة التسامح، واللاعنف، وتنامي حالة التراحم بين العراقيين عموما، وهو شرط انساني، يسهم ببناء الدولة الجديدة، على أسس التعاون، والقبول المتبادل للجميع.
- تسهم زيارة الاربعين، بتحريك الاقتصاد العراقي، وتزيد من سيولته، من خلال صنعها لعدد كبير من فرص العمل، وزيادة السياحة الداخلية، والخارجية معا، وهو عامل مساعد للاقتصاد العراقي.
- تسهم هذه الزيارة، بزيادة تلاحم الآخرين، خارج العراق، مع العراقيين في الداخل، للمساعدة في تذليل مصاعبهم، ومساندتهم على تجاوز محنهم.
- تشكل هذه الزيارة، مظهرا واضحا للتعاون المتبادل، بين الجهدين الرسمي والأهلي، سواء فيما يتعلق بحفظ وتحقيق مستلزمات الزيارة نفسها، او ما يتعلق بالدور الذي تؤديه الاجهزة الامنية، بالحفاظ على الزائرين، وهو جهد تعاوني متبادل، يساعد على زيادة التلاحم بين الطرفين، بعد أن كانت الاجهزة الامنية في ظل الانظمة السابقة، ادوات لمطاردة، ومحاربة، ومحاصرة هذه الطقوس واصحابها.
- وتسهم هذه الزيارة بحماية الواقع الديمقراطي الجديد، من الانحراف، الى جادة الاستبداد، والعودة الى الوراء، كما كان يحدث في ظل الحكومات المستبدة.
- ومن أهم مزايا الأربعينية، أنها تشجع على العمل الطوعي للجميع، وهو الامر الذي يعد من أهم مظاهر الديمقراطية المعاصرة، حيث يبادر الجميع، الى تقديم الخدمات، لغيره من دون مقابل مادي أو مصلحي.
وهكذا يمكننا ملاحظة هذه الجوانب المهمة، والنتائج الكبيرة، لطقوس هذه الزيارة السنوية، التي تهدف في اول ما تهدف اليه، الى تعميق النهج الايماني، التحرري، التعاوني، المتسامح، بين عموم العراقيين والمسلمين وغيرهم.
اضف تعليق