اهم سؤال يواجهه الانسان هو سؤال المصير (الى اين)، بعد ان يطرح سؤال من اين..
كل مراحل الانسان (من والى اين) يختصرها هذا المعنى الجوهري والوجودي لأسئلته وهو الجواب عن سؤال الحرية..
لا احد يستطيع تجاوز هذا السؤال، ان كان واعيا لوجوده ورسالته في هذا الوجود، او كان غير واع لذلك. لان هذا السؤال هو الشرط الأولي لشكل الوجود الإنساني المنشود. وكل ما يحيط بهذا الوجود الإنساني (قهر وقسر وإجبار وإرغام في الفعل أو الاختيار أو القرار)؛ يستدعي هذا السؤال ويصر عليه ويكرسه شرطا من شروط الوجود الإنساني.. لأنّ كل ما يحيط بالإنسان يفسد الحرية تماما، وبالنتيجة تفسد طبيعة الإنسان.
في جميع الديانات وفي جميع الفلسفات لا يعتبر الإنسان مسئولا إلا بما يصدر عنه بحرية واختيار. فالحرية هي الشرط الأول في المسؤولية. وسواء تعلق الأمر بالمسئولية أمام القانون أو أمام الله أو بالمسئولية أمام الضمير، وهذه الأخيرة هي "المسؤولية الأخلاقية"، فإن الحرية هي الشرط المسبق، شرط في قيام الأخلاق نفسها، فالمكره على فعل ما، لا يُسأل عليه.
في استذكارنا المستمر والمتكرر لنهضة الحسين (عليه السلام) واستشهاده، هو استذكار لرسالته الإنسانية التي اشتملت على مطالب الحرية والكرامة والعدالة، ولا تكون الرسالة إنسانية جامعة دون اشتمالها على تلك المطالب..
لقد استطاعت النهضة الحسينية بكل فصولها البطولية تكريس ثقافة التحرر والحرية في النفوس منذ لحظة انطلاقها وحتى استذكارها المستمر.
أدرك الحسين (عليه السلام) أن مشكلة أعدائه تكمن في كونهم ليسوا أحرارا. وبأن مشكلة الإنسان بشكل عام هي مشكلة غياب الإحساس بالحرية. ومن هنا نفهم مقولته الشهيرة: "إن كنتم لا تخافون الله ولا تؤمنون بالمعاد فكونوا أحرارا في دنياكم إن كنتم عربا كما تزعمون".
لقد تحرر معسكر الحسين (ع) من كل القيود المانعة إياه من طلب منتهى الشهادة في سبيل أنبل القيم الإنسانية التي هي الحرية. وهي استجابة لفلسفة كان قد سطرها أبوه قبل ذلك، علي بن أبي طالب (ع) : "لا تكن عبدا لغيرك وقد خلقك الله حرا".
لقد دعا القوم قبل ذلك بأن يكونوا أحرارا إن لم يكونوا يخافون الله أو يؤمنون بالمعاد. وبهذا أكد على أن الحرية قيمة إنسانية لا يمكن التفريط فيها. فهي واجبة في حق الإنسان مع الإيمان وعدمه. على أن غاية الإيمان نفسها تحرير الإنسان من الأسر والأغلال التي كانت عليه. وبهذا تصبح مساحة الحرية أوسع.
إن الإنسان هو المسؤول عن حريته. وإن الملحمة الحسينية بنفحتها العلوية تعلم الإنسان بالحكمة والفعل بأن لا أحد يملك انتزاع الإحساس بالحرية من ضمير الإنسان الحر. لقد تأثر الحر بن يزيد الرياحي بالخطاب التحرري للإمام الحسين (عليه السلام)، فانتصر على عبودية المواقف الخاطئة، كما انتصر على كل القيود التي جاءت به أول مرة لمحاصرة الإمام الحسين (عليه السلام) في نينوى. لكن بمجرد أن استقر هذا الإحساس التحرري في وجدان الحر بن يزيد حتى ثار على نفسه وعلى معسكره فكان أول مبارز ينقلب ضد المعسكر الأموي.
الحرية في النهضة الحسينية هي القدرة على مواجهة الخوف الذي يكبل الانسان في المطالبة بحقوقه امام الاخرين، حرصا على حياته، او مصدر رزقه. فهو لايبالي بالنتائج إذا أحس بحريته وقيمة وجودها في حياته مقابل فقدانها.
والحرية في النهضة الحسينية هي القدرة على تحرير الإرادة الإنسانية من جميع القيود المكبلة لها، إرادة الاختيار في العيش الكريم، وإرادة الثورة على الذل والظلم، وإرادة اختيار المصير احتجاجا على انسداد الأفق امام الانسان الحر، ضد ما يكبل ارادته تلك من حواجز وموانع يفرضها واقع المستبدين والطغاة..
من هنا كانت الثورات على مدار التاريخ صرخة للحرية مقابل العبودية التي انتهجها الطغاة والمستبدون سبيلا الى السيطرة على العقول والابدان.
اضف تعليق