لأنه لا يشبه الاخرين، فقد طارد موته وادركه..
هو الوحيد الذي فعل ذلك.
قبل ان يولد بُشّر بالموت المتألق.. وبعد ولادته، رافقته النبوءة طيلة حياته.
كلنا نموت في يوم ما، لكن احدا منا لا يجرؤ ان يسعى خلف موته، مهما اوتي من جلد وشكيمة.
حتى لو امتلك أحدنا الإرادة على القبض على الموت وهو يستبطن الشهادة في داخله، الا انه يبقى لديه نوع من الرغبة الدفينة بان ينجو من هذا القادم نحوه، الا الحسين لم تخامره لحظة واحدة من مثل تلك الرغبة، رغم كونها مشروعة.
اعجب كثيرا وانا اسمع رسائل الذاهبين الى الموت من جماعات (الإسلام الجهادي) الذي يسعى الى الموت لكنه لا يدركه الا عبر تشظية جسده في الأسواق او المدارس او تجمعات السكان الأخرى، تسبقه الى الموت وهو حي، روحه، تلك التي باعها الى الشيطان، ليدركه الموت وهو جيفة عفنة منذ زمن بعيد..
هنا..
اسم إلاشارة هذا، يعني في زمن رخص الأرواح واثمانها البخسة، وانا اكتب هذه السطور في كربلاء المقدسة، يبعد عني شاخص الشهادة الحقيقي، كيلومترات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وربما اقل حين تسعى بي اللهفة لكي اشكو اليه حال زماننا..
وهو (ها هنا) ، اقرب من شاخصه في القلوب والضمائر، لا تضل بوصلتي يوما حين ابحث عن معنى للشهادة يليق بالكرامة وبالإنسان.
وهو (هناك)أو(هنالك) حيث الأرواح اللائبة شوقا للدنو منه واكتشاف ما يليق بالكرامة وبالإنسان.
لهذا تجد الشيعي دائما في موقف الاعتراض والتمرد والاحتجاج والثورة (هناك) مثلما حاله (هنا) يريد ان يدرك الموت مثل قدوته الأولى، مع بعض من رغبة مشروعة بالبقاء، لكنه لا يريد ان يدرك ذلك في أسواق او تجمعات الاخرين، فهو ليس مثلهم، فلازالت روحه بين جنبيه يمنحها لمعلم الشهادة الأول، ولا يمنحها الى الشيطان مهما كانت المغريات.
هل ذلك ما يجعل الطغاة والمستبدين يخافون من الحسين ومن اتباعه، يطاردونهم ويضيقون عليهم ويقتّلونهم؟ هل يخافون من تلك الجذوة المتقدة في القلوب وفي العقول والضمائر والتي تزداد اشتعالا رغم بعد العهد عمن اوقدها في ساعة احتضانه للموت الانيق؟
بلى يخافون من ذلك، ويشعرون بالرعب يحاصرهم.
الازهر يغلق مسجد الحسين خوفا من الشهادة التي تصدح فيه ويسمعها الاتباع، والسعودية تصادق على حكم القتل بحق الشيخ النمر لخروجه على (ولي الامر) وهو (ولي) يشبه ماتتابع علينا من ولاة لا هم لهم سوى القتل والتنكيل بكل من تصدح حنجرته بقول (لا) او (هيهات منا الذلة).
يرتقي الحسين بـ (هيهات) واحدة كتبها بحروف من دم، ويزداد المسلمون ذلة فوق ذلتهم.
اضف تعليق