ملفات - عاشوراء

سُلطةِ الحقِّ والعدلِ والحريَّةِ

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (١١)

الله تعالى أَمر عبادهُ بحمايةِ حقُوق النَّاسِ من الضَّياعِ فلا يعتدِي علَيها أَحدٌ ولا تسحقَها الحكُومة الجائِرة بذريعةِ الأَمنِ القَومي أَو المصالحِ الوطنيَّةِ العُليا ولا يُمكنُ لحاكمٍ ظالمٍ أَن يُحقِّقَ كُلَّ ذلكَ كما لا يطمَئنَّ النَّاسَ على حقوقهِم إِلَّا في ظلِّ حكومةٍ صالحةٍ تتَّسِمُ بالعدلِ والنَّزاهةِ...

نعم عاشوراء سياسةٌ وكربلاء حكومةٌ والحُسين السِّبط (ع) تضحيةٌ من أَجلِ سُلطةِ الحقِّ والعدلِ والحريَّةِ.

 وقبلَ أَن نُجيبَ على السُّؤَالِ الذي يتردَّد كثيراً فيما إِذا كانت النَّهضة الحُسينيَّة قد سعَت لـ [الخلافةِ] أَم لا؟! دعنا نجيبُ قبلَ ذلكَ على السُّؤَالِ التَّالي؛

 هل يحقُّ للأَنبياءِ والأَئمَّةِ والصَّالحينَ والخيِّرينَ السَّعي نحوَ السُّلطةِ؟! أَم أَنَّها حِكرٌ على القتَلةِ والمُجرمينَ وقُطَّاعِ الطُّرُقِ والسفَّاكينَ ومصَّاصي دماء الشُّعوب ومُحتكري خَيرات البِلاد الذين يستولُونَ على كُلِّ شيءٍ ويتركُونَ المُجتمع يعيشُ الذلَّة والهَوان والعبوديَّة بكُلِّ أَشكالِها؟!.

 ولتركيزِ السُّؤَال نسوقُ المثلُ الحي التَّالي؛ هل يحِقُّ للحُسين السِّبط (ع) أَن يسعى للسُّلطةِ؟! أَم أَنَّ ذلكَ محرَّمٌ عليهِ وحلالٌ على طاغيةٍ أَرعنٍ فاسدٍ متهتِّكٍ مثلَ يزيد بن مُعاوية فقط؟!.

 ١/ إِنَّ الحكومة جائِزةٌ لكُلِّ بني البَشر، يمكنُ أَن يسعى لها النَّاس من دونِ فرقٍ أَو تمييزٍ فلا يحقُّ لفئةٍ إِحتكارها ومنعِها على الآخرين، فالله تعالى لم يخلق لها بشراً من نوعٍ خاصٍّ وبمواصفاتٍ خاصَّةٍ، ولذلكَ فأَنا أَعتقِدُ جازِماً بأَنَّ نظريَّة [أَنَّ السُّلطةَ قميصُ الله يُقمِّصهُ مَن يشاءُ من عبادهِ] فاسدةٌ جُملةً وتفصيلاً يلجأُ إِليها الدجَّالُونَ لخداعِ المُغفَّلينَ وتضليلِ الجهلةِ للسَّيطرةِ على عقُولهِم ومشاعرهِم بالمُقدَّساتِ المُزيَّفةِ.

 وهذا التَّاريخُ القديمُ والحديثُ أَمامنا يحدِّثنا عن صالحينَ سعَوا إِليها فنالُوها فأَقامُوا القِسطَ والعدلَ فعاشَ النَّاسُ بكرامةٍ في ظلِّ حكُوماتهِم، كما أَنَّهُ يقصُّ لنا قصصاً عن طالحينَ سعَوا إِليها كذلكَ فنالُوها فذاقَ النَّاسُ الأَمرَّينَ في ظلِّ حكوماتهِم.

 والجوازُ حدَّ الضَّرورةِ نابِعٌ من حاجةِ النَّاسِ إِلى الحكومةِ التي لم يدُم فراغها طويلاً مهما كانت الأَسبابِ، صالحةً كانت أَم طالِحة، عادِلةً أَم ظالِمة، لأَنَّ أَمرهُم لا يستقيمُ من دونِها.

 فمِن كلامٍ لأَميرِ المُؤمنِينَ (ع) في الخوارجِ لمَّا سمعَ قولهُم [لا حُكمَ إلَّا لله] قالَ (ع) {كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ! نَعَمْ إِنَّه لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّه ولَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ لَا إِمْرَةَ إِلَّا لِلَّه وإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ ويَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ ويُبَلِّغُ اللَّه فِيهَا الأَجَلَ ويُجْمَعُ بِهِ الْفَيْءُ ويُقَاتَلُ بِه الْعَدُوُّ وتَأْمَنُ بِه السُّبُلُ ويُؤْخَذُ بِه لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ ويُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ}.

 وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّه (ع) لَمَّا سَمِعَ تَحْكِيمَهُمْ قَالَ {حُكْمَ اللَّه أَنْتَظِرُ فِيكُمْ}.

 وقَالَ {أَمَّا الإِمْرَةُ الْبَرَّةُ فَيَعْمَلُ فِيهَا التَّقِيُّ وأَمَّا الإِمْرَةُ الْفَاجِرَةُ فَيَتَمَتَّعُ فِيهَا الشَّقِيُّ إِلَى أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ وتُدْرِكَهُ مَنِيَّتُهُ}.

 ٢/ ومِن مجموعِ الآياتِ القُرآنيَّةِ الكريمةِ يتبيَّنُ لنا أَنَّ الأَصلَ في الحكومةِ يجب أَن يسعى ويتصدَّى لها البَرُّ وليسَ الفاجِرَ، لأَنَّ الله تعالى عندما خلقَ عبادَهُ أَمرهُم بأَن يقيمُوا الحقَّ والعدلَ والحدُودَ ولا يتحقَّقُ كُلَّ ذلكَ في ظلِّ حكومةٍ جائرةٍ وسُلطانٍ ظالمٍ كما هوَ معرُوفٌ أَبداً.

 ولذلكَ فإِنَّ قاعدةَ العُقلاءِ تحكمُ بتصدِّي الأَفضل للحكومةِ حتَّى على الفاضلِ فما بالُكَ بغيرهِ؟!.

 كما ذهبَ إِلى ذلك [عُلماء] الأُمَّة على اختلافِ مشاربهِم كما في قَولِ أبَو الحسنِ الأَشعريِّ [يجب أَنْ يكونَ الإِمام أَفضل أَهلَ زمانهِ في شرُوطِ الإِمامةِ ولا تنعقدَ الإِمامةُ لأَحدٍ معَ وجودِ مَن هوَ أَفضلُ منهُ فيها] وكذا قَولُ النَّاصبي إِبنُ تيميةَ [تولِيةُ المفضُولِ معَ وجودِ الأَفضلِ ظُلمٌ عظيمٌ].

 وإِن كانُوا قد سحقُوا آراءهُم بأَقدامهِم عندما تعارضَت معَ دُنياهُم!.

 لنقرأَ آيات القُرآن التَّالية التي يحثُّ فيها المُشرِّعِ خلقهُ على إِقامةِ الحقِّ والعدلِ والحدُودِ؛

 يقولُ تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَايَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} و {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖوَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖوَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} و {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} و {فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖوَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖاللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} و {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِاللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} و {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.

 كما أَنَّهُ تعالى أَمرَ عبادهُ بأَن يحكمُوا بما أَنزلَ عليهِم من حدودٍ وقوانينَ ودساتيرَ ومبادئ تقودُ المُجتمع الإِنساني إِلى العدلِ والمُساواةِ وتكافُؤِ الفُرصِ والسِّلمِ المُجتمعي، فكيفَ يتحقَّقُ كُلَّ ذلكَ في ظلِّ حكومةٍ جائِرةٍ وحاكمٍ ظالمٍ جاهلٍ لا يفهَم شيئاً من حدُودِ الله تعالى أَو أَنَّهُ يعرفَها حقَّ المعرفةِ لكنَّهُ لا يتَّقي الله تعالى في عبادهِ وفي تلكَ الحدُودِ؟!.

 يقولُ تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} و {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}.

 كذلكَ فإِنَّ الله تعالى أَمر عبادهُ بحمايةِ حقُوق النَّاسِ من الضَّياعِ فلا يعتدِي علَيها أَحدٌ ولا تسحقَها الحكُومة الجائِرة بذريعةِ [الأَمنِ القَومي] أَو [المصالحِ الوطنيَّةِ العُليا] ولا يُمكنُ لحاكمٍ ظالمٍ أَن يُحقِّقَ كُلَّ ذلكَ على أَرضِ الواقعِ أَبداً، كما لا يطمَئنَّ النَّاسَ على حقوقهِم و [أَشيائهِم] إِلَّا في ظلِّ حكومةٍ صالحةٍ تتَّسِمُ بالعدلِ والنَّزاهةِ.

 يقولُ تعالى {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.

 لقد أَثبتت تجارب البشريَّة بالفعلِ أَنَّ [النَّاسَ على دينِ ملوكهِم] ولذلكَ لا يُمكنُ أَن نتصوَّرَ أَبداً عدلاً في المُجتمعِ وإِنصافاً وإِلتزاماً بحدُودِ الله تعالى وقِسطاً بالقضاءِ ومُساواةً في الفُرصِ إِلَّا إِذا كانت الحكُومة صالحةً حريصةً على الإِلتزامِ بكُلِّ ذلكَ تبذُل كُلَّ جُهدِها لتحقيقهِ في المُجتمعِ.

 يقولُ تعالى {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} و {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍتَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

يتبع...

اضف تعليق