q

ما هي المعايير التي قصدها الامام الحسين بن علي (ع) في أحقّيّة المرء في التّغيير الاجتماعي عندما قال {وَأَنا أَحَقُّ مَنْ غَيَّر}؟.

بمعنى آخر، هل انّ هناك أُناس معيّنون يحقّ لهم قيادة عمليّة التغيير الاجتماعي، وآخرون لا يحقّ لهم؟!.

انّ التغيير، كأَيّة مسؤوليّة او مهمّة أخرى او واجب اجتماعي وعام آخر يتصدى له الانسان، اي انسان، يتطلّب معايير ومُواصفات خاصّة، فليس كلُّ مَن يدّعي انّهُ يُريد التّغيير والإصلاح سينجح او سيُحقق ما يروم ويصبو اليه، فكم من مغيّر تورّط بما تورّط بهِ الطّاغوت الظّالم لحظة إنجاز التغيير؟ وكم من مُصلح ورّط المجتمع بنفسِ الأمراض التي كان قد ورّطه

بها الحاكم المستبدّ؟ وكم من تغييرٍ أنتج ظروفاً أسوء من السّابق؟ ولعلّ في نتائج ثورات (الرّبيع العربي) دليلٌ من التّجربة المعاصرة، فيما يُعتبر العبّاسيّون أسوأ تجربة تاريخيّة في (الإصلاح الاجتماعي) عندما استخلفهم الله تعالى بعد هلاك الأمويّين ليُمارسوا من الظّلم الشّيء الكثير الذي فاق أَسلافهم!.

كلّ ذلك لأنّ الذي تصدّى للتّغيير لم يكن اهلًا لأدائهِ وقبل ذلك لقيادته، فمثلُ الفاسد الذي يتصدّى لقيادة التّغيير، كمثل التّكفيري الذي يتصدّى لقيادة حوار الأديان! او كمثل المومس التي تقود حملةً لنشر الفضيلةِ والشّرف!.

والامام السبط عليه السلام قصد بكلامهِ هنا النّوع، لأنّنا نعرف انّ في كلّ زمانٍ هناك مُصلحون يتصدّون لعمليّة التغيير في المجتمع، عندما يظهر الفساد ويطغى الظّلم ويتجبّر النّظام السّياسي وتتغوّل اجهزتهِ القمعيّة، فيسحق حقوق الامّة ويصادر كرامة النّاس ويستأثِر بكلّ شيء.

فما هي المعايير التي تؤهّل هذا المصلح على وجه التّحديد دون سواه لقيادة التّغيير؟.

انّ الحسين عليه السلام هو النُّموذج الحي والحقيقي لهذه المعايير، فاذا عرِفنا بعض ملامح شخصيته الفذّة التي تمظهرت في عمليّة التصدي للإصلاح وتحمّل مسؤوليّة التّغيير، فربّما سنعرف ما الذي ينبغي توفّره في المصلح في كلّ زمانٍ ومكانٍ ليمارس عمليّة الإصلاح والتغيير، فيكون أحقّ بقيادتها من غيره.

اولاً؛ ان لا يكونَ المصلحُ جزءً من الواقعِ الفاسد، لان [فاقدَ الشيء لا يُعطيه] كما تقول الحكمة، وانّ الذي هو جزء من المشكلة لا يمكن ابداً ان يكونَ جزءً من الحل.

هذا المعيار الانساني نلمسهُ في كلّ عمليّات التغيير والإصلاح التاريخيّة التي حققت نجاحاً فغيّرت المجتمع وقادتهُ الى الأفضل والاحسن، والعكس هو الصّحيح، فالتغيير الذي يقود للاسوء سببهُ ان من يتصدّى له هو جزءٌ من المشكلة التي يعاني منها المجتمع، سواءً كانت سياسيةً او اقتصاديةً او اخلاقيةً او ما أشبه.

فالتغيير العظيم الذي انجزهُ نبي الله يوسف عليه السلام في مجتمع مصر، انّما بسبب انّهُ لم يكن جزءً من الفساد المالي والاداري الذي خيّم على المجتمع والدولة على حد سواء.

كما انه لم يكن جزءً من المؤسسة الدّينية الفاسدة التي كانت تُتاجر بالدّين وباسم الله لخداع المجتمع والسيطرة عليه ونهبهِ.

وكذا الحال في عمليّة التغيير التّاريخية الكبرى التي قادها رسول الله (ص) في مجتمع مكّة، فبينما فَشَتْ اخلاقيّات منحرفة في المجتمع مثل الكذب والخيانة واللّصوصيّة والظُّلم والطبقيّة، عُرف رَسُولُ الله بـ [الصّادقُ الامين] فلقد كان (ص) متميّز عن المجتمع بكلّ شيء ولذلك اختاره الله تعالى الذي يصفهُ في محكم كتابه الكريم {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} لأَداء الرِّسالة الخاتمة.

ولم يشذّ أمير المؤمنين (ع) عن هذه القاعدة، فعندما اثبتَ الامام انّهُ يختلف كلياً عن الواقع الفاسد والظّالم الذي عاشهُ المجتمع آنذاك، وعندما لم يكن جزءً من مشكلةِ الدّولة والسّياسة والسّلطة التي كرّست الظلم بكلّ أشكالهِ بسبب سياسات التّمييز العنصري التي أنتجت الطّبقيّة في المجتمع، لذلك كان أحقّ من غيرهِ وأجدر وأقدر على قيادة عمليّة الاصلاح الاجتماعي والسياسي الكبرى التي قادها بعد مقتل الخليفة الثّالث، فكان ان أعاد للمجتمع قيم العدالة والمساواة وقضى على التمييز والفَساد المالي والاداري الذي عشعشَ في كلّ مفاصل الدّولة والمجتمع حينها.

فَلَو انّهُ عليه السلام لم يَكُن يتميَّز عن الواقع المر، لما قال {أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِم، وَلا سَغَبِ مَظْلُوم، لاَلقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلاَلفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز} او قولهُ عليه السلام {أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ: أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ}.

امّا سيّد الشّهداء الحسين بن علي عليهما السلام، فقد كان مصداقاً بارزاً وواضحاً لهذا المفهوم، اذ كان كلّ كيانهِ يتناقض كلّياً من الواقع المأساوي والمرّ الذي يمرّ به المجتمع آنئذ، فعندما عبدَ المجتمع الدّنيا واستسلمَ للخليفَةِ الفاسد، كان الحسين (ع) يعبدُ الله تعالى رافضاً الاستسلام لكلّ انواع الانحراف الذي يؤدي الى الذُّل والعبوديّة، فأطلق شعارهُ الخالد {هَيْهات منّا الذِّلَّة} ليرفض بيعة الذّلّ والعبوديّة قائلاً {إنَّا أهلُ بيتِ النّبوّةِ، ومعدِنِ الرّسالةِ، ومُختلَفِ الملائِكَةِ، بِنا فَتحَ الله، وبِنا خَتَم، ويَزيد فاسقٌ فاجرٌ شاربُ الخمْرِ، قاتِلُ النَّفسِ المُحتَرَمَةِ، مُعلِنٌ بالفِسقِ والفُجورِ، وَمثلي لا يُبايعُ مِثْلَهُ}.

وعندما استسلمَ الجميعُ للواقعِ المنحرف الجديد بتسلّم يزيد الخلافة بعد هلاكِ أبيهِ مُعاوية، وفيهم كبارُ الصّحابةِ والتّابعين والقُرّاء والحُفاظ، رفضَ الامامُ كلّ ألوان الاستسلام قائلاً {إنّا لله وإنا إليه راجعون وعلى الإسلامِ السّلام إذا بُليتِ الأمّة براعٍ مثلِ يزيد} وكأنّهُ يُرِيدُ القولَ انّ اعتلاءِ الارعن يزيد للخلافةِ يُمثّلُ أعظمُ مصيبةٍ تحِلُّ بالامّةِ وبالدّين وبتاريخِ المسلمينَ.

إذنْ، انّ اوّلَ شروط القائد الذي يُرِيدُ ان يتصدّى للتّغيير والإصلاح، هو ان لا يكونَ جزءً من الواقعِ المرّ والفاسد، وان لا يكونَ جزءً من المشكلةِ.

ومن ضروريّات هذا الشّرط ان القائد يكون محمياً من الفضائح وفي منأى عن الابتزاز والتّهديد، ولذلك لن يخضعَ لهما أبداً فلن يغيّر او يُبَدِّل او يستسلم او يتراجع، وعكسهُ ذاك الذي يتصدّى للإصلاح وهو متورط في ملفات فساد مثلا او انّهُ جزء من المشكلة، فتراه يتعرض للتّهديد والابتزاز كلّما حاول التغيير والإصلاح، ولذلك يفشل ولا يقدر على الاستمرار واكمال المشوار.

كما انّ المجتمع عادةً لا يثقُ كثيراً بصاحب السّوابق او بمن يمتلك ضدهُ الآخرون ملفات فساد ومن ايّ نوعٍ كان.

لذلك يلزم ان يكون القائد الذي يتصدّى للإصلاح والتغيير طاهراً نظيف اليد لا تحومُ حولهُ الشّبُهات ومن ايّ نوعٍ كان، ليصمد في وجه المتضرّرين من الإصلاح ولا يستسلم للابتزاز أبداً، ومن اجل ان يتحدث بصوت عال وبضرس قاطع.

فعندما اعتلى امير المؤمنين (ع) سدّة الخلافة وأطلق حربه الشعواء ضد الفساد المالي والاداري، لم يكن لاحدٌ فيه معمر أبداً، ولذلك لم يشأ الجبابرة والطغاة الذين تضرروا من هذه الحرب ان يبتزّوه او يهدّدوه بملفٍ مثلاً او بشيء من هذا القبيل، ولذلك كان صوته عالياً وفعلهُ قاطعاً.

وعندما تصدّى الحسين السّبط عليه السلام لإصلاح الفساد الذي ضرب المجتمع الاسلامي آنئذ لم يجرؤ أحدٌ ان يتهمهُ بشيء أبداً كما لم يجرؤ احدٌ على ان يهدده بملفٍ مثلا او بموقفٍ غير سليم كان قد بدرَ منه فيما مضى من الأيام إطلاقاً.

حتى المجتمع لم يصدّق كلّ التهم والافتراءات التي لفّقها ضده النظام الأموي لتشويه حقيقة وجوهر حركتهِ الرّسالية ونهضتهِ الرّبانية، لانه كان يعرف من هو الحسين بن فاطمة بنت رسول الله (ص) حق المعرفة.

ثانياً؛ ان يكونَ مستعداً لدفعِ ثمنِ التّغيير مهما غلا، فالمتردِّد والخائف لا يُمكن ان يتصدّى للتّغيير، لانه سينهزم في اوّلِ مواجهةٍ مع الواقع المرّ الذي يعيشهُ المجتمع.

ولكي يكون المرء مستعداً لدفعِ الثّمن المطلوب، فإنّ عليه ان يدرس الواقع جيداً ويرمي ببصرهِ بعيداً، ومن كلّ الجوانب، فيضعَ امامهُ كلّ الاحتمالات ويفكّر بكلّ الحلول والبدائل والأجوبة التي تُثيرها تساؤلات ليست في البال، وتطوّرات غير محسوبة، بسبب المفاجئات غير المنظورة.

ولهذا السّبب نُلاحظ ان الامام الحسين عليه السلام كان مستعداً لدفعِ كامل الثّمن عندما قال {شاء الله ان يَراني قتيلاً، وشاءَ الله ان يراهُنَّ سَبايا} ليس يأساً كما يُفسر ذلك بعض العوامّ او الطائفييّن ممن يسعَون للطّعن بحركةِ الامام ونهضتهِ وأهدافِها، ابداً، وانّما هي لُغة التحدّي بل أقصى التّحدي الذي يُظهره الثّائر بوجهِ الظّالم عندما يُهدّدهُ بالقتلِ مثلاً او بالفناء او ما أشبه.

انّ سلاح الطّاغوت هو التهديد بالعنف، كما {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ* لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} وفي المقابل فإنّ سلاح المصلح عندما يثِق بطريقتهِ في إنجاز الهدف هو قبول التّحدي والثّمن، كما كان جواب السّحرة له بقولهم {قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ* وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}.

انها الحربُ النّفسيّة التي يوظفها الثائر المصلح بالضّد من كل سياسات التّرغيب والتّرهيب التي توظفها اجهزتهُ القمعيّة والتّضليليّة للنّيلِ مِنْهُ.

فعندما يقبل المُصلح بدفع كامل الثّمن وأغلاه من اجل تحقيق هدفهِ، عندها لن يبق امام الطّاغوت الا الاستسلام والهزيمة، وهذا ما فعله الحسين عليه السلام مع الطّاغية يزيد ومع كل من حاول الضّغط عليه ليتردّد او يشكّ او يتراجع، فعندما قال عليه السلام {الحمدُ لله وما شاءَ الله، ولا قوّة الا بالله، خُطّ الموتُ على وُلدِ آدم مخطَّ القِلادة على جيدِ الفتاة وما أولهَني إلى أسلافي اشتياق يَعْقُوبَ إلى يوسُف، وخيرٌ لي مصرعٌ انا لاقيهِ، كأنّي بأوصالي تقطّعها عُسلان الفلواتِ بين النّواويس وكربلا، فيملأنَّ منّي أكراشاً جوفاً وأحويةً سغباً، لا محيصَ عن يومٍ خُطّ بالقلمِ، رضا الله رضانا أهل البيت نصبرُ على بلائهِ ويوفّينا أجورَ الصّابرين، لن تشُذَّ عن رَسُولِ الله لحمتهُ، وهي مجموعةٌ لهُ في حظيرةِ القدسِ، تقرّ بهم عينهُ ويُنجز بهم وعدهُ، من كان باذلاً فينا مهجتهُ، وموطّناً على لقاءِ الله نَفْسَهُ، فليرحل معنا فانّي راحلٌ مصبحاً إن شاءَ الله} علم الجميع ان لا مفرّ من تراجعهِم واستسلامهم امام حركةِ الامامِ واستراتيجيتهِ الإصلاحية واصرارهِ وثباتهِ، بمن فيهم الطّاغوت واجهزتِهِ.

ثالثا؛ ان يمتلك الرّؤية الواضحة وخارطة الطّريق المفضّلة التي سيسير عليها الى ان يبلغَ مقصدهُ من عمليّة التغيير، والا فسيظلّ يتخبّط لا يعرف كيف يبدأ ومن أين والى اين؟ وربما لماذا؟!.

رابعاً؛ ان تكونَ منطلقاتهُ واهدافه وأدواته نظيفة سواء من النّاحية الماديّة او من الناحية المعنوية، العقديّة والفكريّة والثّقافيّة.

خامساً؛ ان يتميّز بالانتماء العام ليكون قادرًا على استيعاب كل السّاحة، فصاحب الانتماءات الضيّقة، الحزبيّة مثلاً او الفئويّة او العشائريّة او ما أشبه، لا يقدر على استيعاب كلّ الساحة عندما يتصدّى لعمليّة التغيير، خاصة في مجتمع متنوع ومتعدّد في كلّ شيء.

سادساً؛ ان لا يطمعَ في شَيْءٍ يبيعُ من اجلهِ كلّ شيء، قيمهُ ومبادئهُ واصحابهُ ودينهُ وكلّ شيء، ولذلك قال امير المؤمنين عليه السلام {لاَ يُقِيمُ أَمْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ إلاَّ مَنْ لاَ يُصَانِعُ، وَلاَ يُضَارِعُ، وَلاَ يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ}.

ولقد جسّدَ سيّد الشّهداء (ع) كلّ هذه المعايير عندما قال {وَأنا أحَقُّ مَنْ غَيَّر} فكانَ الاجدر بالتّصدّي للإصلاح، كونَهُ النّموذج في كلّ المعايير، والنّموذج الذي يُحتذى، ولذلك فهو لم يُبالغ عندما حصرَ أحقّيّة التغيير في شخصهِ، فلقد كانَ الاخرون ممّن سعى لإيهام الامّة بقدرتهِ على التّغيير، يفتقر الى معيارٍ واحدٍ على الأقل من هذهِ المعايير، فبين مَنْ كان جزءً من الواقع الفاسد، ولذلك عندما اعلن عن نيّتهِ التّصدي للتغيير نقل الواقع من حالٍ سيّئةٍ الى حالٍ أَسوء، او انّهُ كان يتبنّى أهدافاً تصبُّ في خانةِ المصالح الانانيّة والضيّقة، ولذلك رأيناه عندما تصدّى لعمليّة التغيير وظّف كلّ الادوات الطّاهرة وغير الطاهرة لتحقيق الهدف! فيما تبيّن، فيما بعد، انّ بعضَ الذين مارسوا التغيير لم يكُن هدفهُم من ذلك الا السّلطة ومن أجلِها فحَسب، وليس من أجلِ الهدف الاسمى الذي يتمثّل بإقامةِ القسطِ والعدلِ وردّ المظالِم الى اَهلها، ولذلك مرّ على جثث الضّحايا وسحق حقوق الرّعيّة وسرقَ المال العام من أجل ان يصِلَ اليها! حتّى قَالَ أحدُهُم لوَلَدِهِ [والله لَوْ نازعتَني فيها لأخذتُ الّذي فِيهِ عَيناك].

اضف تعليق