يمكن التعبير عن هذا المسير أن هناك سحراُ غريباً على طريق المشاية، وكأنها ليست من طرقات الأرض التي نعيش عليها، حقيقة شعور غريب يصعب شرحه أو التعبير عنه. في هذه الزيارة الناس سواسية فيمكنك أن ترى العلماء والرؤساء والوزراء والنواب والضباط والعسكريين وعامة الشعب على طريق المشي. وتنتشر...
بقلم: عبد الله ناصرالدين-لبنان
كعادتهم في كل عام، توجّه ملايين الزوار لأداء شعيرة الزيارة الأربعينية لضريح الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب -حفيد رسول الله محمد بن عبد الله(ص)-، بمناسبة ذكرى مرور أربعين يوماً على استشهاده يوم العاشر من محرم عام 61 للهجرة، 680 ميلادي، هو وأصحابه وأهل بيته أخوة وأبناء على يد جيش الأمويين.
وحسب أرباب التاريخ، خرج الحسين (ع)، ثالث الأئمة، من الحجاز، قاصداً الكوفة مع عدد من أهله وصحبه يصل عددهم الى 72 من الأصحاب و17 من بني هاشم بالإضافة الى النساء والاطفال، بعد تلقيه دعوات من أهل العراق.
وأرسل والي البصرة والكوفة، عبيد الله بن زياد، قوة عسكرية قوامها حوالي ثلاثين ألفاً من الجنود لقتل الحسين (ع) ومن معه، واجبروهم على مواصلة السير باتجاه صحراء تسمى كربلاء، حيث قتلوا في منازلة غير متكافئة من حيث العدد والعتاد، استشهد خلالها جميع الرجال وبعض الاطفال والتحق بهم اثناء النزال عدد من المناصرين من طوائف مختلفة نصرةً لحفيد رسول الله محمد، وبعد المعركة سُبيت نساء العترة الطاهرة مع أطفالهم من العراق الى الشام.
وزيارة الأربعين حدث عالمي يشارك فيها أكثر من 22 مليون زائر سنوياً من جميع الدول والقارات حسب الإحصائية الرسمية العراقية.
لماذا سُميت بالأربعين؟
بعد عودة الإمام زين العابدين بن الحسين (ع) من رحلة السبي والأسر التي بدأت يوم العاشر من محرم عام 61 للهجرة، ترافقه السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب شقيقة الحسين (ع) وحفيدة رسول الله محمد (ص) ونساء وأطفال واقعة الطف، عرّجوا لزيارة ضريح الإمام الحسين (ع) وأخيه العباس واصحابه وأهل بيته بعد أربعين يوماً على استشهادهم في كربلاء وحملوا معهم الرؤوس المقطوعة التي حُملت على الرماح يوم واقعة الطف من العراق الى الشام من أجل دفنها مع الأجساد.
ومنذ ذلك اليوم أصبحت هذه الزيارة التي تدل على الإيمان العميق والحب الشديد لآل البيت، تقليداً عند جميع محبي الحسين (ع).
يذكر بان هذه الزيارة منعت في زمان النظام العراقي البائد وأيامه كان يحصل اعتقالات وقتل، وكان يحصل فيها المآسي، ولكن محبو أهل البيت ظلوا مصرين على الاستمرار بهذه الزيارة سنويّاً، لذلك كان طريق مسير الاربعين وقتها مختلف عن طريق الزيارة الحالية، حيث كان الزوار يسلكون الطريق بين البساتين على ضفاف الفرات اسمه "طريق العلماء".
زيارة الاربعين في يومنا هذا
زيارة الاربعين اليوم ليس لها طريق واحد بل لها عدة مسارات، حيث يوجد طرق مختلفة وهي:
١- طريق النجف/ كربلاء المسافة بين ٨٠ و١٠٠ كم (هذه الطريق مزودة بأعمدة يبلغ عددها ١٤٥٢ ويوجد رقم تسلسلي على كل عامود، بين كل عامود وآخر ٥٠ مترا).
٢- طريق رأس البيشة في شبه جزيرة الفاو "محافظة البصرة" الى كربلاء طولها ٦٠٠ كم، يسلكه الزوار مشياً على الأقدام قبل يوم ٢٠ صفر بأسابيع من أجل أن تصل يوم الاربعين إلى مقام الإمام الحسين (ع).
٣- طريق بغداد - كربلاء
٤- طريق الحلة - كربلاء
٥- طريق الكوفة - كربلاء
٦- الحدود الإيرانية العراقية - كربلاء.
واللافت في هذه المسيرة المليونية مشاركة أفراد ومجموعات من الطوائف والمذاهب الأخرى والأديان المختلفة من شتى أصقاع الأرض ومن مختلف الشرائح المجتمعية والاختصاصات العلميّة والثقافية والفكريّة، بالإضافة إلى الزوار الذين يسمون أنفسهم بالعاشقين لأهل البيت (ع) والمخلصين للحسين(ع) وملبي النداء.
السير إلى كربلاء
على مختلف الطرقات التي تم ذكرها المشهد واحد، يمكن التعبير عن هذا المسير أن هناك سحراُ غريباً على طريق المشاية، وكأنها ليست من طرقات الأرض التي نعيش عليها، حقيقة شعور غريب يصعب شرحه أو التعبير عنه. في هذه الزيارة الناس سواسية فيمكنك أن ترى العلماء والرؤساء والوزراء والنواب والضباط والعسكريين وعامة الشعب على طريق المشي. وتنتشر المضائف على طول الطريق مع حفاوة الاستقبال لتقديم الطعام ومعها جميع الخدمات "حمامات، منامة، مياه للاستحمام وللوضوء، واماكن للراحة والصلاة". ويفتح العراقيون بيوتهم للزوار على طول الطريق مجاناً ودون اي مقابل، ومن ضمن الخدمات التي يتم تقديمها لجميع الزوار على طول طريق المشي "غسل الملابس وكيها، اصلاح الاحذية والحقائب وعربات الأطفال والعجزة وخياطين، بالإضافة الى خدمات طبية مختلفة".
وعلى طريق المشي لست بحاجة إلى إبراز هويتك، ولا يسألك أحد من أين أنت، او من اي دين أو مذهب، الهوية الوحيدة لجميع الزوار على طول الطريق إلى الحسين هي "محبة الحسين، وأخيه العباس (قمر العشيرة وكافل زينب)"، هي القاعدة الوحيدة على طريق العشق وهي "طالما سلكت هذا الطريق مع الجموع فأنت في أمان، وأنت في خدمة مستمرة".
الشعب والدولة العراقية
كما ان الدولة العراقية تضع تسهيلات كاملة من أجل إنجاح الزيارة، حيث تقفل جميع الإدارات الرسمية طيلة مدة زيارة الأربعين ليتسنى للجميع القيام بالخدمة اللائقة بالمناسبة حسب قدراته وطاقاته وإمكانياته.
أما الشعب العراقي فيعمل طيلة أيام السنة لتوفير الاموال للتبرع بها من أجل خدمة الزوار، فهذه النقطة ليست موجودة عند أي من شعوب العالم، فهذه حقيقة تجعل من الشعب العراقي شعباً مضيافاً عظيماً.
العتبات
وهي الإدارات المسؤولة عن الأضرحة المقدسة في العراق، فالرتب فيها موحدة، جميع العاملين يحملون شرف لقب "خادم"، بالإضافة إلى عملها اليومي في تحسين ورعاية الأضرحة، تقوم العتبات بتأمين الطعام مجاناً للزوار، وتعمل ليلاً نهاراً من أجل تأمين راحتهم.
شعائر أخرى في الزيارة
تقام مجالس العزاء على طول خط المشي إلى كربلاء، وهي عبارة عن مجالس تثقيفية من أجل التذكير بما حصل مع آل البيت، يتم خلالها استعراض اطروحات ثقافية وعلمية وعقائدية لما حصل مع آل بيت النبوة، فالقصة واحدة لا تتغير لكن يختلف أسلوب الراوي عن غيره، من قصائد ورثاء ونثر.. وأثناء قراءة العزاء يتأثر السامعون بالبكاء أو بلطم الصدور وذلك من فظاعة الاحداث، كما ويُسمع على طول خط المشي الاناشيد الدينية المحمسة للزوار من اجل حثهم على المشي.
وبعد المشي لأيام يصل الزائرون إلى كربلاء المقدسة، وعندما تتراءى لهم القبة الشريفة لسيد الشهداء "شعور آخر"، فعندما ترى قبة سيد الشهداء يسكت العالم بأسره ولا يمكن التعبير حقيقة إلا بالدمعة، لأنك ستتذكر ما حصل مع سيد شباب أهل الجنة على هذه الارض التي كانت يوم العاشر من محرم عام ٦١ للهجرة صحراء قاحلة، يومها وقف الحسين بن علي وحيداً بين آلاف الجنود المعادين بعدما قتل جميع من معه و حامل لوائه العباس (ع)، منادياً "ألا من ناصر ينصرني" وانا ابن بنت رسول الله، واليوم أكثر من 22 مليون زائر يلبون النداء بعد 1384 عام.
الأماكن والاحياء المحيطة بالأضرحة تسمى "الولاية"
داخل الولاية ينظم خدام العتبات دخول الزوار إلى المقامين الشريفين، ويتم تنظيم دخول المجموعات الكبيرة على شكل مواكب عزاء موحدة تدخل من حرم الإمام الحسين (ع) إلى حرم ابو الفضل العباس مروراً بمنطقة بين الحرمين.
ويتم تأمين الزيارة عبر أجهزة مختصة في محافظة كربلاء ودعم ورعاية امناء العتبات المقدسة وكوادرها ويتم الاعتماد على المتطوعين من ابناء الشعب العراقي، حيث تخطى عددهم هذه السنة ١٢٠٠٠ متطوع بالإضافة الى منتسبي العتبات والعناصر الامنية العراقية.
وعند انتهاء الزيارة يتم تأمين الخروج السلمي للزوار الى خارج مدينة كربلاء المقدسة دون تسجيل اي حادث يذكر.
هنيئاً وشكراً لأهل العراق حكومة وشعباً وعتبات.
اضف تعليق