كربلاء المقدسة يجب أن تكون بعد عشر أو عشرين سنة غير كربلاء الآن من ناحية البنى التحتية المختلفة، كالمواصلات والصحة والكهرباء والبلديات والشوارع والساحات والفنادق وكل الخدمات التي يجب أن تتوافر لملايين الزوار التي تتضاعف أعدادها مع كل سنة جديدة، فهل فكر المسؤولون في الدولة بمدينة كربلاء المقدسة بعد عشرين سنة مثلا؟...
بالأمس العاشر من محرم الحرام، أحيى ملايين الزوار الكرام مراسيم زيارة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، حيث تدفق على مرقده الشريف في مدينة كربلاء المقدسة ملايين الزوار الكرام من خارج العراق ومن داخله، على الرغم من الظروف الجوية القاسية ودرجات الحرارة العالية، إلا أن محبّي سيد شباب أهل الجنة لبّوا النداء وأحيوا المراسيم المطلوبة المناصر للحسين عليه السلام.
ومن الواضح للداني والقاصي أن أهالي كربلاء الكرام، والمؤسسات الرسمية كافة والعتبتين المقدستين والأجهزة الأمنية كافة، ودوائر وزارة الصحة والدفاع المدني والمنظمات المدنية الساندة، والمواكب الحسينية كافة، وكل من أسهم بشكل وحجم ما في دعم الجهود اللوجستية لاستمرارية خدمة زوار أبي عبد الله الحسين، هؤلاء جميعا قاموا على مدار الوقت بتقديم الخدمات اللازمة لإنجاح مراسيم هذه الزيارة الخالدة.
فتم توفير الكميات اللازمة من مياه الشرب المبرَّد، ومياه الطبخ، ومياه الغسيل، وتم توفير الكهرباء بقدر المستطاع خصوصا في ذروة التواجد البشري في قلب المدينة المقدسة، وتم توفير وجبات الطعام لملايين الزوار، وهذه في الحقيقة جهود كبيرة جدا وتحتاج إلى تخطيط وتنظيم وإدارة من نوع خاص لتحقيق النجاح، وهو ما حدث في هذه السنة وفي السنوات السابقة، حيث يتطوع الآلاف من أهالي كربلاء ومن أجهزة الدولة كافة لإنجاح زيارة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وإخراجها بأفضل وأتم الصور والنتائج.
الآن لو أننا نضع تصورا مستقبليا لهذه الزيارة الضخمة، وكيف يمكن إحياءها بعد عشر سنوات أو أقل أو بعد عشرين سنة، لابد أن أعداد الزائرين الكرام سوف تتضاعف مرات ومرات، وهذا يعني أن البنية التحتية المتهالكة في هذه المدينة (الكهرباء، الماء، الخدمات الأخرى)، لا يمكن أن تصمد أمام الأعداد الكبيرة القادمة من جميع أرجاء العالم لإحياء مراسيم زيارة عاشوراء.
العراق يعاني من بنية تحتية متهالكة
الجميع يتفق على أن العراق كله اليوم يعاني من بنية تحتية متهالكة، بدءا من العاصمة ومرورا بكل المحافظات، ومن بينها مدينة كربلاء المقدسة التي لا تختلف في طبيعة ومتانة بنيتها التحتية عن المحافظات الأخرى، ولكن طالما أن هذه المدينة لها خصوصيتها، وهي تحتضن في ثراها مرقد الإمام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام، وأنها المكان الذي تُحيى فيه الكثير من الزيارات الدينية المتعاقبة وإقامة الشعائر الحسينية باستمرار، فهذا يعني أن لهذه المدينة ظروفها الخاصة، وأنها تستحق أن يُنظَر لها برؤية مختلفة عن سواها من مدن العراق، من ناحية حجم وسعة ومتانة البنية التحتية التي تحتاجها ومن النواحي الأخرى.
نعم كربلاء المقدسة يجب أن تكون بعد عشر أو عشرين سنة غير كربلاء الآن من ناحية البنى التحتية المختلفة، كالمواصلات والصحة والكهرباء والبلديات والشوارع والساحات والفنادق وكل الخدمات التي يجب أن تتوافر لملايين الزوار التي تتضاعف أعدادها مع كل سنة جديدة. فهل فكر المسؤولون في الدولة العراقية وفي الحكومات الاتحادية والمحلية المتعاقبة، هل فكروا بمدينة كربلاء المقدسة بعد عشرين سنة مثلا؟
هل خططوا منذ الآن لطبيعة بنيتها التحتية آنذاك وكيف يجب أن تكون لكي تستوعب ملايين الزوار المتضاعفة بعد توالي السنوات وتعاقبها، أم أن الأمور متروكة على الغارب، أو متروكة لحينها، بلا انتباه ولا تخطيط للغد؟، مع أن هذه الأمور (البنية التحتية) تتوسع بالتراكم في التشييد والخبرات، استنادا إلى احصاءات دقيقة أو أقرب إلى الدقية من حيث عدد سكان المدينة، وأعداد الزائرين الكرام المتزايد سنة بعد أخرى؟
رؤية بنيوية خاصة لكربلاء المقدسة
إن كربلاء المقدسة كما هو معروف ومتَّفق عليه لها وضعها الخدمي الخاص، ولهذا فهي تحتاج إلى رؤية خدمية خاصة تتناسب مع حجم الزيارات المليونية التي تتكرر فيها على مدار العام بشكل دوري منتظم، ومنها زيارات ضخمة جدا كالزيارة التي أحيينا مراسيمها هذه الأيام زيادة العاشر من محرم، وكذلك زيارة أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) وزيارات أخرى غيرها منها الزيارة الشعبانية المباركة التي تستقطب ملايين الزوار الكرام.
هذه المعلومات البديهية تحتّم على صناع القرار كافة، التفكير بشكل علمي وجاد ومسؤول أن يخططوا منذ الآن ويستبقوا ما سيحدث بعد عشر أو عشرين سنة في كربلاء المقدسة وهي تستقبل أعداد هائلة ومتزايدة من الزائرين، وما يحتاجونه من خدامات كبيرة تستوجب التخطيط والتنفيذ لتشييد بنية تحتية متينة تتناسب وحجم الزيارات الضخمة القامة.
بنية مدينة كربلاء المستقبلية يجب أن تصبح مشروعا واضحا للعيان، علميا، يضع جميع أهل الخبرة بصماتهم في تشييد هذه البنية التحتية المستقبلية والحالية بطبيعة الحال، على أن تكون حملة تشييد البنية التحتية لمدينة كربلاء مدروسة بدقة وعناية وعلمية تامة، يمكن تنفيذها بالاستفادة من الخبرات المحلية والعربية والإسلامية والعالمية.
ومن المستحسن أن يتم التخطيط لبنية كربلاء التحتية ضمن البناء العالم للبنية التحتية لمدن العراق كافة، لأن ترصين البنية التحتية في كربلاء وحدها لا يخدم العراقيين ولا الزوار الكرام، لاسيما أن مدن العراق كلها تستقبل في الغالب الملايين من الزوار القادمين إلى كربلاء المقدسة، سواء سيرا على الأقدام أو عبر وسائل النقل المختلفة.
كما أن الزيارات الضخمة تُقام في مدن أخرى من مدن العراق، كالنجف الأشرف، والكاظمية وسامراء ومدينة بابل والديوانية ومدن أخرى تنتشر فيها مراقد دينية وأماكن أثرية سياحية تستقطب الكثير من الزوار سنويا. ففي كل الأحوال، نحن نحتاج إلى كربلاء قادرة على استضافة أعداد هائلة من الزوار الكرام، وكلما كانت خدمة الزوار أفضل وأكثر اكتمالا سوف يكون الأجر والثواب أفضل وأكبر، بالإضافة إلى كسب رضى الزوار وانتشار السمعة الطيبة عن أهالي ومسؤولي العراق وكربلاء في بلدان العالم الأخرى.
إذن فلنشمّر عن سواعدنا وعقولنا وخبراتنا ومواهبنا ونبدأ منذ اليوم الذي انتهت في زيارة العاشر من محرم لهذا العام، ونخطط (وأعني الجهات الرسمية والمدنية والدينية) التي يقع التخطيط والتنفيذ للبنية التحتية على عاتقها، نواصل التخطيط والتنفيذ للنهوض بالبنية التحتية المتكاملة من حيث تقديم خدمات (الماء، الكهرباء، المواصلات، الاتصالات، الصحة، الساحات والشوارع العامة والفنادق والمرافق الصحية بأعداد كبيرة)، ولنبدأ منذ الآن ونضع تصورا لبنية تحتية ضخمة لمدينة كربلاء المقدسة بعد عشر أو عشرين سنة من الآن.
اضف تعليق