من عظمةِ الإِسلام كدينٍ سماويٍّ هو أَنَّهُ رحمةً للعالَمينَ عندما قضى على كُلِّ أَنواع التَّمييز والعصبيَّة والعُنصريَّة التي كانت سائدةً وقتَ نزُول القُرآن الكريم في الجزيرةِ العربيَّة وعمُوما في بلادِ العرب، وذلكَ من خلالِ اعتمادِ قيمَةِ المُواطنةِ كمعيارٍ وليسَ القبيلة أَو اللَّون أَو الجِنس او غَيرَ ذلكَ...
واحدةٌ من أَخطرِ المعاييرِ والقِيَمِ الإِسلاميَّة والإِنسانيَّة التي حصلَ فيها انقلابٌ جذريٌّ على يدِ المنهجيَّةِ الأَمويَّةِ هو مبدأ العدل والمُساواة في المُواطنة بغضِّ النَّظرِ عنِ الخلفيَّةِ فانقلبت إِلى العُنصريَّة والتَّمييز والعصبيَّة، وهو المبدأ [العصبيَّة تحديداً] الذي برَّرهُ إِبن خلدُون في مقدِّمتهِ ليمنحَ سُلطة الأَمويِّين وتحديداً سُلطة الطَّاغية الطَّليق مُعاوية الشَّرعيَّة [الدينيَّة] بعدَ أَن لم يجِد لهُ أَيَّة شرعيَّة من أَيِّ نَوعٍ كانَ! ففلسفَ العصبيَّة ومنحها الشَّرعيَّة ليُضفيها على سُلطةِ طاغيةِ الشَّامِ بقولهِ [التغلُّب والحُكم بالقَهر].
وبالفعل فإِنَّ الطَّاغية مُعاوية تمكَّن بالقهر إِذ كانَ يتمدَّد على دَولةِ الخلافةِ بالغارات والذَّبح واللصوصيَّة وغيرِها من الأَساليب القذِرة التي كانَ الإِسلام قد طهَّرَ المُجتمع الجديد منها ليُحييها الأَمويُّون من جديدٍ لبسطِ نفوذهِم وفرضِ سُلطتهِم.
ولقد شرحَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) صورةً من هذهِ الأَساليب بقولهِ في خُطبةٍ لهُ {حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ [وَ] قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلَائِدَهَا وَرُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَالِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ}.
إِنَّ جانباً من عظمةِ الإِسلام كدينٍ سماويٍّ هو أَنَّهُ رحمةً للعالَمينَ عندما قضى على كُلِّ أَنواع التَّمييز والعصبيَّة والعُنصريَّة التي كانت سائدةً وقتَ نزُول القُرآن الكريم في الجزيرةِ العربيَّة وعمُوما في بلادِ العرب، وذلكَ من خلالِ اعتمادِ قيمَةِ المُواطنةِ كمعيارٍ وليسَ القبيلة أَو اللَّون أَو الجِنس او غَيرَ ذلكَ، فلقد وردَ في السِّيرةِ النبويَّة [النَّهيُ عن التَّفاخُرِ والكِبرِ] والعصبيَّة كما في الحديث الشَّريفِ عن رسولِ الله (ص) {لينتَهينَّ أقوامٌ يفتخرون بآبائِهم الَّذين ماتوا إنَّما هم فحمُ جهنَّمَ أو ليكونَنَّ أهونَ على اللهِ عزَّ وجلَّ من الجُعلِ الَّذي يُدهِدُه الخُرْءُ بأنفِه إنَّ اللهَ أذهب عنكم عبيَّةَ الجاهليَّةِ وفخرَها بالآباءِ إنَّما هو مؤمنٌ تقيٌّ وفاجرٌ شقيٌّ النَّاسُ بنو آدمَ وآدمُ خُلِق من ترابٍ} وقولهُ (ص) {لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ}.
أَمَّا أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فيقولُ {وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِهِمْ وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ}.
ولقد تجلَّت قيمة المُواطنة من خلالِ الحقُوق والواجِبات في الدَّولةِ التي لم يتميَّز بها أَحدٌ عنِ الآخر الّإِ بالإِنجازِ الذي يُحسِنُ صنعهُ في الدَّولةِ والمُجتمعِ كما يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {قيمةُ كلِّ امرئٍ ما يُحسِنُ}.
ولقد شرحَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) ميزان الحقُوق والواجِبات في دَولة المُواطنة بأَعظمِ نصِّ بقولهِ {أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلَايَةِ أَمْرِكُمْ وَلَكُمْ عَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الْأَشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ وَأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ لَا يَجْرِي لِأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْهِ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ إِلَّا جَرَى لَهُ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَلَا يَجْرِيَ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَلِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُهُ}.
ويُضيفُ (ع) {ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَلَا يُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ}.
كما تجلَّت قيمة المُواطنة في الأَمنِ المُجتمعي فقالَ تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}.
وقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلَائِدَهَا وَرُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَالِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً}.
أَمَّا الأَمويُّونَ فلقد قلبُوا هذا المِعيار وهذهِ القيمة السماويَّة الرساليَّة الإِنسانيَّة رأساً على عقِب، فميَّزُوا في الحقُوقِ والواجبات، وميَّزُوا بينَ الأُصولِ فهذا عربيٌّ وهذا أَعجميٌّ وميَّزُوا بين العشائِر فهذه عارِبة وتلكَ مُستعربة وهذا أَمويٌّ وذاكَ بدويٌّ وهكذا.
لقد ميَّزُوا في العطاءِ وفي الحقوقِ وفي الفُرص فلم يعُد هناكَ شيءٌ إِسمهُ تكافُؤ الفُرص على أَساسِ القُدرة والكفاءَة وشجاعة الإِنجاز، حتَّى لقد قالَ قائلهُم وهوَ سعيد بن العاص والي الخليفة الثَّالث على الكوفةِ [السَّوادُ بُستانٌ لقُريش ما شِئنا أَخذنا منهُ وما شِئنا تركناهُ]! فيما وصف الحُسينُ السِّبط (ع) الحالَ بقَولهِ {واستأثَرُوا بالفَيء}.
وجاءت عاشُوراء كربلاء لتنسفَ كُلَّ هذهِ الأَنواع من التَّمييزِ، فكانت فرصةً تاريخيَّةً فتحَ بابها الحُسين السِّبط (ع) لكُلِّ مَن أَرادَ أَن يشترِكَ في الإِصلاحِ والتَّغييرِ والتَّجديدِ في القيَمِ وحمايتِها وإِعادتِها إِلى مسارِها الطَّبيعي عندما كتبَ في وصيَّتهِ التي تركَها عند أَخيهِ مُحمَّد بن الحنفيَّة في المدينةِ المُنوَّرة {إِنِّي لَم أَخرُج أَشِراً ولا بَطِراً وإِنَّما خرَجتُ لطَلبِ الإِصلاحِ في أُمَّةِ جدِّي} ثمَّ قولهُ (ع) {وأَنا أَحقُّ مَن غيَّر} ليُعلنَ نفسهُ زعيماً لهذا الإِصلاحِ وقائِداً لهذا التَّغييرِ وإِماماً لكُلِّ مَن قبِلهُ بقَبولِ الحقِّ لينضَويَ تحتَ رايتهِ مِن أَجلِ تحقيقِ هدفِ الإِصلاحِ الرِّسالي العظيم.
اضف تعليق