الإرادة الحرة لا يمكن بلوغها من دون نموذج وقيم أصيلة، فالنفسٌ أمارة بالسوء وتلهث خلف الأموال والماديات ولا علاقة لها بعمل الخير إلا إذا تحصَّنت بالقيم، وهذا هو الانسان صاحب الارادة الضعيفة، أما صاحب الارادة الحرة والاختيار الاصح والافضل، فهو الذي استفاد من قوته الذاتية وسيطرته على نفسه...
المقصود بالإرادة الحرة، أن يكون الإنسان قادرا على الكلام والتعبير بحرية همّا يؤمن به، وهذا النوع من الحرية يحتاج إلى قوة ذاتية بالدرجة الأولى، فالإنسان إذا كان ضعيفا ومهزوزا من الداخل، لا يمكن لأي قوة أخرى أن تنقذه من تردده وخوفه، والقوة الذاتية تعني ببساطة قوة إرادة الشخص في اتخاذ القرار، والإيمان بما يراه صالحا له.
الإرادة الحرة لا يمكن بلوغها من دون نموذج وقيم أصيلة، فالنفسٌ أمارة بالسوء وتلهث خلف الأموال والماديات ولا علاقة لها بعمل الخير إلا إذا تحصَّنت بالقيم، وهذا هو الانسان صاحب الارادة الضعيفة، أما صاحب الارادة الحرة والاختيار الاصح والافضل، فهو الذي استفاد من قوته الذاتية وسيطرته على نفسه واستفاد من عقله وعرف كيفية استغلال قدراته.
هذا النوع من الناس هو ممن يتحلى بإرادة حرة تميز بين الحق والباطل، وخير مثال لذلك تتجسد فيه الارادة الحرة هو الإمام الحسين (ع) الذي جسد كل القيم الانسانية من شجاعة وكرامة ورفض للظلم وعفو وإنصاف، وهي قيم أهل البيت (ع)، وقد أكد الإمام الحسين كل هذه القيم عن طريق ارادته الحرة التي صنعت عاشوراء وقيمها العظيمة.
وقد حاول الطاغية المستبد يزيد مع الإمام الحسين (ع) وخيره ما بين أن يعيش حياة مرفهة في دنيا زائلة من خلال المبايعة او القتل، وبالطبع فإن شخصا نافذ البصيرة وصاحب عقيدة عظيمة وقيم أصيلة مثل الامام الحسين سوف يختار جنة الخلود، لذلك فإن التركيز على هذه القيم، سوف يصنع مؤمنين أصحاب إرادات حرة لا يقهرها الظلم أو الاستبداد، ويجب ان تتجسد قيم عاشوراء في كل شخص حسيني يرفض الظلم بإرادته الحرة التي تمكنه من إدراك الاختيار الصحيح.
شبكة النبأ المعلوماتية ألقت الضوء على أهمية قيم عاشوراء في تقوية الإرادة الحرة للإنسان، كي يكون قادرا على مواجهة الظلم بكل أشكاله، وألقت على عدد من الكتاب والمهتمين سؤالا مفاده: كيف يمكن استثمار قيم عاشوراء لتنمية الإرادة الحرة لدى الإنسان؟؟
القيم والمبادئ التي أنتجتها عاشوراء
عن هذا السؤال أجابنا الدكتور الأديب والإعلامي محمد عبد فيحان أجاب بالقول: عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام مأساة إنسانية كبرى وملحمة بطولية خالدة.. وقد أنتجت هذه المأساة والملحمة قيما ومبادئ عليا، رسخت وجود الحق والعدل والإصلاح والحرية في حياة البشرية جمعاء، وفتحت أبوابا على مصاريعها كانت مغلقة ومحظورة لمحاربة الظالمين والطغاة، والدفاع عن المحرومين والمظلومين والفقراء...
فكانت ثورة الحسين في عاشوراء الطف فتحا مبينا، لتدعيم وإحياء رسالة الإسلام الإنسانية بالتضحية والفداء والدم الطهور، ونشرها عبر أرجاء المعمورة .. فلم يعد في العالم كله أحد لا يعرف نهضة الحسين ومظلوميته ووقفته الشجاعة الباسلة، بوجه أعتى قوة عسكرية وسياسية غاشمة.. الوقفة التي تحدى فيها ثلاثة وسبعون رجلاً عشرات الألوف من الجيوش الأموية المدججة بالسلاح، والحقد والبغضاء والأطماع والمصالح الدنيئة.
لو لم يكن الحسين حرا بإرادته وإيمانه ووعيه وعقيدته وفكره.. ولو لم يكن امتدادا لرسالة السماء في الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لما وقف تلك الوقفة البطولية الخالدة لينتصر بنحره ونحور أهل بيته وأصحابه، على سيوف بني أمية وطغيانهم ودولتهم وجيوشهم.. الحسين فكرة ثورية إنسانية سياسية اجتماعية أخلاقية عظيمة، لا مثيل لها في ثورات الكون سابقاً وحاضرا ولاحقا.
فحري بنا أن نتمثل هذه الفكرة الخلاقة بالنزوع إلى الحرية في الحياة.. حرية الإرادة وحرية الفكر وحرية المعتقد بعيداً عن الصنمية والتبعية والذيلية والطاعة العمياء.. علينا أن نستثمر عاشوراء الحسين وقيمه ومبادئه لتنمية الوعي الفكري وبناء الشخصية الإسلامية الإنسانية الحرة القوية بذاتها وروحها وأفعالها الخيرة.
الحسين ليس طقوس فقط وإنما فكر أصيل وعميق ومتجدد.. الحسين كنز من القيم السامية التي يجب أن نبعثها ونجسدها في حياتنا اليومية سلوكا وأخلاقا وأفعالا وممارسات.. الحسين مشروع حضاري بحد ذاته يزدهر ويكبر، كلما تقادمت عليه العصور يسحق بعنفوانه كل الطغاة والظالمين والفاسدين.. علينا أن نفهمه ونعرف أبعاده ونستشرف دلالاته، ونبعثه رسالة حق وأخلاق وتربية وإيمان، وأمل ومحبة وسلام لكل العالم.
الحسين رسالة إصلاح شاملة لكل الإنسانية.. كلما مارس الطغاة الظالمون عليها التضييق والمنع ازدادت عنفوانا وحرارة في النفوس وتأصلت جذورها في أعماق الوجدان، وامتدت أغصانها في الدماء والعقول والإرادات.. فمن يؤمن بالحسين إماما وثائرا ومصلحا وشهيدا يمتلك طاقة الحياة الإيجابية، وفاعلية التحدي لكل الشرور والمخاطر، ويختزن في نفسه إمكانية الانتصار بكل صفحاتها وعناوينها.
قضية الحسين هي قضية الإنسان المظلوم في كل مكان وزمان لا يخمد أوارها أبدا.. وتبقى جذوة مشتعلة في النفوس الكبيرة والضمائر الحية والقلوب الصادقة النقية.. عاشوراء الحسين يمنحنا اليوم وكل يوم طاقة الحياة والحرية الفاعلة والايجابية وقوة الصبر والتحدي لكل الأعداء والمتآمرين والفاسدين.
الحسين عليه السلام قوة سحرية عجيبة ومذهلة، وبطولة خارقة فائقة، وإصرار فريد على صنع الحياة الحرة الكريمة بسعادة الموت الحر الشريف الشجاع.. رجل مسك الخلود بكفه وقهر الموت والسيوف والطغاة، وأقام في أعالي المجد والخلود عصيا على النسيان، متوهجا في الوجدان متناسلا في أصلاب الرجال وأرحام الأمهات نطفة طاهرة مطهرة من الحب والولاء والانتماء لخالد سرمدي لم يمت أبدا ملأ الدنيا والكون بعظمته، وأيقظ النائمين والعالمين بصوته المدوي عبر الأزمان.
أنا الحسين بن علي.. مثلي لا يبايع مثله.. فما أحرانا أليوم أن نتمثل خطى أبي عبدالله ونسير على منهجه الشريف، منهج القرآن الكريم ومنهج الحياة السعيدة.. منهج الحرية لا منهح العبودية والصنمية... منهج الأحرار والثوار والشهداء لا منهج الفاسدين والطائفيين.
الثورة الأكثر نورا وسطوعا
الكاتب الإعلامي في شبكة الإعلام العراقي كاظم حسوني قال: مرت حقب وازمان طويلة وتعاقبت اجيال لا حصر لها، على اندلاع ثورة الإمام الحسين ع لكنها ظلت ساطعة. مضيئة وملهمة لروح الانسان وجدانه. وستظل من دون شك والى الابد نبراسا ومنارا للثوار والشعوب المظلومة، لانها حملت اعظم واغنى وانزه القيم الانسانية، فهي تكاد تكون الثورة الاكثر نورا وسطوعا في تاريخ البشر.. اذ تعد مدرسة عظيمة استمدت منها الكثير من الثورات والانتفاضات في ازمنة مختلفة معالم الطريق للكفاح والمواجهة بغية انتزاع الحقوق والحريات.
و غدت الثورة الحسينية في شتى بقاع الأرض درسا بليغا و مثلا يضرب لمقارعة الظلم ومواجهة الظالمين مهما اشتد بأسهم وكثرت عدتهم.. وفي العراق الذي قاتل. واستشهد فيه الإمام الحسين (ع) مع القلة من اصحابة، في مواجهة طغاة زمانه ببسالة استثنائية نادرة في واقعة الطف بكربلاء.. التي لها وقع بالغ وحضور كبير في نفوسنا وعلى مدى الاجيال.. اقول ما احرانا اكثر من غيرنا في ان نستلهم دروس هذه الثورة العظيمة ونحمل قيمها النبيلة ونفهم بلاغة سموها ورفعتها في التصدي لطغاة عصرنا والمفسدين الذين عاثوا في البلاد فسادا ونشروا عن عمد الجهل والظلام الفقر والمرض..
كما نشروا ثقافة القطيع وتقديس الاصنام ليثروا بشكل فاحش ويزداد الشعب بؤسا، ليعود العراق القهقري الى الخلف عشرات ومئات السنين. فيما دول الجوار من حولنا، بل وبلدان العالم اجمع تتنافس في التقدم والتطور والمضي حثيثا من اجل ازدهار العلم والتكنولوجيا والبناء وخدمة شعوبها. فيما نحن للاسف نتراجع ونزداد تخلفا.
ورغم اننا نقيم ونمارس الطقوس المقدسة كل عام ونزور الإمام الحسين ع ونذرف الدموع، لكننا لو التفتنا قليلا وتوقفنا وعدنا الى هذا الإرث الباهر المتمثل بثورة الحسين وتقصينا معانيها السامية التي شعت في ارجاء الارض. لكنا في مقدمة كل البلدان في التحضر والتقدم والازدهار ونيل الحرية.
فوائد تأييد النهضة الحسينية
أما الكاتبة والإعلامية في جمعية المودّة والازدهار مروة خالد فقالت: ن استثمار قيم عاشوراء في ذات الإنسان وتطويرها يعتمد أولا على سعة المعرفة ومدى الإطلاع على سيرة الإمام الحسين عليه السلام، والتعمق في أدق تفاصيلها، والتركيز على القيم الخالدة التي أعلنها ورسخها الإمام (ع) في نفوس مناصريه وأصحابه عليهم السلام، فتلك القيم الروحية هي التي جعلت من كل فرد من أصحاب الحسين جبلا في الصبر والشجاعة والإقدام والثبات المقرون باللين والعفو وعدم بدء المقاتلة مع العدو.
الأمر الثاني يعتمد على مدى الإيمان والولاء للإمام (ع) وتأييد نهضته والاستيعاب التام لخارطة الطريق التي رسمها الحسين (ع)، وفق القيم التي يجب على المؤيدين والمناصرين التمسك بها، حتى يتحقق الهدف الأعظم ألا وهو رفع الظلم والقمع، ووقف عملية حرف الإسلام عن حقيقته ومبادئه التي جسدها الإمام الحسين في كل تفاصيل حياته.
إن صاحب الإيمان المطلق بالإمام وقيم عاشوراء، من البديهي أنه لا يمكن أن يكون خاضعا أو تابعا أو مسلوب الإرادة، ولهذا فإن استثمار قيم عاشوراء بالشكل الصحيح، سوف يحد من الضعف، ويجعل إرادتنا حرة، لا نخشى في الحق لومة لائم، ولا نسكت على الظلم، وهذا لا يعني أننا نميل للخشونة، وإنما الهدف إظهار الثبات والقوة ضد استهداف الحق.
بالتالي فإن قيم عاشوراء هي قيم الثورة على الباطل، والتضحية من أجل المبدأ بالغالي والنفيس، وعدم الرضوخ للظلم والطغيان.. عاشوراء علامة فارقة في تأريخ الإنسانية.. ويجب ان ندرس تلك الواقعة بأدق تفاصيلها، لنستلهم منها القيم التي تحرر إرادتنا.
عاشوراء نموذج لتطوير إرادة الإنسان
الكاتب والإعلامي نور العذاري من محافظة بابل، أجاب: إننا نتطلع إلى قيم عاشوراء من منظور إنساني أولا، لأن ذلك يجعلها نموذجا للاقتداء وتطوير إرادة الإنسان وفكره، ويرسخ المبادئ التي يؤمن بها، ويمنع فقدها الكثير من محتواها.. لذا أجد ان كثيرا من الثائرين قد قرأوا عن ثقافة عاشوراء واستلهموا الكثير من قيمها، منهم غاندي وآخرون.. ولعل ابرز من كتب عن ثورة الإمام الحسين وقيم الحرية والعدالة والإرادة الحرة فيها، هو الكاتب المصري عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحيته الحسين ثائرا وشهيدا.
وهذا يؤكد بأن الكثير من المفكرين والمبدعين العرب وحتى الأجانب، كتبوا عن الإمام الحسين عليه السلام، وقوة المبادئ التي آمن بها، وساعدته على أن يحقق أعظم انتصار تاريخي للحق على الباطل والظلم، فهنالك شعراء كبار منهم محمد مهدي الجواهري، ونزار قباني وغيرهم من المعاصرين، فضلا عن شعراء الحقب الماضية، فهؤلاء جميعا ركزوا على قيم الوقاء والتضحية والثبات على المبدأ مهما كانت النتائج.
وبهذا وحده، أي بالثبات على المبادئ واعتماد القيم الخلاقة، انتصر الحسين عليه السلام، بإرادته التي تحررت من قيود الذات أو الخارج، فلا خوف من الحاكم الظالم، ولا خنوع أمام النفس أو خذلانها، كل هذا قدم لنا درسا في كيفية التمسك بقيم الحق والخير والانتصار للحرية وتقوية الإرادة وتخليصها من أغلال الظلم والتجبّر بكل أنواعه.
وأخيرا لابد من وضع خطط عملية تنظيمية، لاستثمار ثقافة عاشوراء، وتنمية قيمها بين الشباب على وجه الخصوص، حتى نتمكن من صنع أجيال قادرة على مواجهة الظلم والانحراف بكل أنواعه، والهدف الأساس من ذلك هو بناء أمة ومجتمع صالح، لا يخشى الحكام الطواغيت أو الفاسدين بامتلاكهم للإرادة الحرة.
اضف تعليق