ان السير إلى كربلاء بجميع المناسبات يحق لنا ان نعتبره امتدادا للثورة الخالدة، إلى جانب ذلك يبرهن مدى انتصار الدم على السيف، فما دام هنالك حق وباطل، نشاهد الجموع تتدفق إلى كربلاء لشم عطر الجنة من ضريح سيد الشهداء، والتسلح بسلاح المعرفة والشجاعة لمقارعة الظلم والطغيان...
لم يعهد التاريخ البشري مثل الثورة الحسينية بجميع جزئياتها، وحيثياتها، فهي فريدة بأسلوب الوقوع وكذلك مديات التأثير التي احدثتها في أمة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فمثلما كانت مختلفة الأحداث استمرت غريبة التحولات منذ يومها الأول إلى حاضرنا هذا.
الكثير من الثورات حدثت في بقاع العالم المختلفة، وبعضها تجاوز صداها فاجعة عاشوراء الأليمة، من حيث مدى الانتشار والتعبئة، لكنها وفي ذات الوقت لم تصمد امام المتغيرات وتقدم السنين، اذ نراها ترقد في رفرف النسيان، ونالت قدرا كبيرا من الإهمال وعدم الأحياء من قبل البشرية بصورة عامة، مما ادى إلى تراكم غبار الزمن عليها وتآكل مبادئها التي قامت من اجلها، في حين هذا لم يحصل مع قضية كربلاء التي ظلت شامخة على مر الأزمان.
لكل ثورة مجموعة من الأهداف والقيم اندلعت من اجلها، وهذه الأغراض تعتبر الأديم الذي يعطي الثورة روحا وتجددا لديمومتها وفاعليتها على مدار الوقت، فالثورة الحسينية ليس كما الثورات الاخرى، انها تتميز بوضوح الركائز التي أرادت تدعيمها في المجتمع آن ذاك.
ومن بين حزمة الاهداف المنشودة هو تحقيق العدالة الاجتماعية عبر إزالة الفوارق الطبقية التي وضعها الحكام، وميزتهم عن عامة الرعية، فأصبحوا اسياد الأرض وعاثوا بها فسادا، فاُريقت الدماء واُستبيحت الأعراض، وأصبحت الوحشية هي من تتصدر المواقف، بينما تراجعت الإنسانية وتغيرت القوانين الوضعية وكذلك السماوية.
يوم العاشر من المحرم كان يوما مفصليا بتاريخ الأمة، هذه الأمة التي اصطفاها الله عز وجل لان تكون خير الأمم وهادية للناس، آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر، لكنها تحولت في مسارها وطرق تفكيرها، وسلمت أمورها لحكام يتخذون من الإسلام شعارا لأغراض توسعية وغايات فردية.
وبالفعل حدث ذلك حين طفح الكيل وضاقت الأرض بما رحبت على آل البيت الاطهار، بعدما تفشت الظواهر غير الإنسانية، وأصبحت هنالك ضرورة ملحة لاحقاق الحق واعلاء صوت الله، وتطبيق الأحكام السماوية التي نزلت على خاتم الأنبياء والمرسلين عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.
فالذي دار يوم عاشوراء يمكن لنا ان نسميه حجر الزاوية الذي بُنيت عليه اركان النهضة الحسينية الخالدة، فلولا هذه التضحيات لما كانت هنالك إمكانية الرسوخ في الأذهان، ومن الأشياء التي أكدتها الثورة الحسينية هو حتمية انتصار الحق على الباطل، وان الظلم زائل لا محالة.
ومنذ ذلك الحين استمر الصراع بين الخير متمثلا بمعسكر الحسين عليه السلام، والشر الذي يمثله محور يزيد بن معاوية واتباعه عليهم اللعنة، وقد توارثت الأجيال هذه الصراعات التي مر عليها حينا من الدهر، حتى أصبح كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء في إشارة إلى ديمومة المواجهة بين أنصار الحق واتباع الباطل.
أما نحن اليوم نستنشق عبير الفكر الحسيني الخالد، والمبادئ الإسلامية السامية، وهذا ما نراه جليا في تمسك محبي واتباع اهل البيت عليهم السلام بزيارة المراقد المقدسة التي تشحذ فيهم الهمم لمواصلة المسير بطريق الإنسانية، فالمتأمل للجموع التي تحي ذكرى أربعينية الإمام عليه السلام، يجدها كمن أنصاره في يوم عاشوراء الذين بذلوا مهجهم دون الحسين وأهل بيته الإظهار.
ان السير إلى كربلاء بجميع المناسبات يحق لنا ان نعتبره امتدادا للثورة الخالدة، إلى جانب ذلك يبرهن مدى انتصار الدم على السيف، فما دام هنالك حق وباطل، نشاهد الجموع تتدفق إلى كربلاء لشم عطر الجنة من ضريح سيد الشهداء، والتسلح بسلاح المعرفة والشجاعة لمقارعة الظلم والطغيان.
اضف تعليق