التعاون ومد أيادي العون لإزالة مشكلة او حل أزمة معينة، يُعد من المبادئ الانسانية التي لا يستغني عنها المجتمع الحيوي والطامح الى التقدم والرُقي. لذا نلاحظ مدى الشعور بالارتياح في النفس لدى تقديم يد المساعدة والعون في منطقة سكنية لتوفير مبلغ عاجل تطلبه المستشفى لعملية جراحية مصيرية. او لإنقاذ عائلة من فقدان سكنها بسبب تأخر سداد بدل الايجار، وغير ذلك، وكلما زادت مساحة التعاون واتسعت ابعادها، اتسعت في الوقت ذاته، آثارها على ارض الواقع. فنحن نلاحظ نتائج التعاون على من يتم انقاذه من مرض عضال وموت محتوم، او على أسرة فقيرة متعففة، كما يمكننا ان نلاحظ آثار هذا التعاون على تغيير ملامح مجتمع ومصير شعب وأمة بأسرها.
ولو ألقينا نظرة خاطفة على الازمات المحيطة بنا، وجدناها تعود الى قضايا كبرى في المجتمع والدولة، ولأبعادها الواسعة، يتصور الكثير أن لا حول وله ولا قوة له في التأثير عليها، ويحيل الأمر دائماً الى المسؤولين في الدولة، او اصحاب الرساميل او العلماء والمثقفين ومن بيدهم القدرة على التأثير وصنع القرار. صحيح هذه الفئات العالية المستوى مطالبة دائماً بالتعاون والتنسيق فيما بينها لحل الازمات ثم التفكير دائماً بالخطوات نحو التقدم. بيد أن الازمات واستحقاقات التطور والتقدم ليست خاصة بهؤلاء، إنما تعني كل فرد من افراد المجتمع في البلد الواحد، ثم تتسع الدائرة لتشمل الامة جمعاء.
الى ذلك يشير سماحة الامام الراحل في كتابه "التعاون والعمل أساسا التقدم"، فالعمل "والتعاون لا العمل الفردي، بل العمل الجماعي أبلغ لوصول الغايات والأهداف". وهذا التعاون يمكن ان يتجسّد في مجالين رئيسيين بالحياة؛ الاقتصاد والسياسة.
الاول: الاقتصاد المتقدم
الظاهر في ملامح البلدان النامية في العالم الثالث والتي طوت مراحل النمو والتطور، مثل الهند وكوريا الجنوبية والبرازيل وغيرها، اعتمادها على العلم والجهد الذهني والتشجيع على الابداع وصولاً على الابتكارات العلمية واعداد الخطط والبرامج الناجحة للتطور في المجالات التي ترفع من شأن اقتصاد البلد، مثل الصناعة والزراعة والطب والهندسة وغيرها، بحيث باتت ملجأ سائر الدول الفقيرة في هذا الجانب. بينما الوجه الآخر للقضية؛ الحالة النفسية والثقافة الاجتماعية السائدة. فالدول التي أشرنا اليها من باب المثال لا الحصر، تعد من الدول الفقيرة وليست الثرية في العالم الثالث، فهي لا تمتلك آبار بترول وثروات معدنية هائلة كالذي نشهده في العراق والسعودية والكويت وغيرها، بمعنى أن افراد الشعب هناك لا يتوقعون المكافآت المالية والهدايا والامتيازات لأنهم توصلوا الى ابتكار علمي معين، إنما يعدون أنفسهم جنوداً في حصن واحد أمام التحديات الخارجية فالتفكير منحصر على كيفية الدفاع عن هذا الحصن وان يكون رقماً وعاملاً مؤثراً في توفير القدر الاكبر من الحماية والمنعة.
وعن ذلك امثلة عديدة، ابرزها ما يستشهد به الامام الشيرازي في كتابه عن مسيرة الاستقلال التي طواها الشعب الهندي، وكيف انه تعاون فرداً فرداً مع القائد "غاندي" في مقاطعة النسيج البريطاني والقيام بحملة واسعة للغزل اليدوي، ليكون شعاراً وسلاحاً للمواجهة، فكان هذا من عوامل انصياع الاستعمار البريطاني لمطالب هذا الشعب في نيل استقلاله الاقتصادي والسياسي في وقت واحد.
كما يمكن الاشارة الى مثال بسيط آخر لكنه كبير من لبنان، حيث يتعلّم الطفل في المرحلة الابتدائية على أن رميه لأوراق الشكولاتة او بقايا السكاكر على الارض، من شأنه ان يرسم صورة قبيحة وسيئة للشارع والمدينة فيتراجع عدد السائحين وبذلك يقلل من وارد البلد من العملة الصعبة، بمعنى أن الطفل الصغير بإمكانه ان يوفر – مثلاً- دولاً واحداً او اكثر لبلده المحتاج الى العملة الصعبة لإدارة اقتصاده .
كما قرأت عن مراحل التقدم والتطور في كوريا الجنوبية، أن العامل وايضاً المهندس، وغيرهم يقنعون بالأجور القليلة مقابل استمرارية العمل. فهم قبل ان يفكروا بالامتيازات والرواتب العالية، يتطلعون الى المراتب العليا لاقتصادهم والطريقة التي يقتربون من خلالها الى اقتصاديات الدول الغربية المتقدمة. نفس هذه الثقافة نلاحظها في الصين ذات المليار ونصف المليار نسمة. وها هي كوريا الجنوبية والصين تنافسان بقوة دولاً مثل اليابان والولايات المتحدة واوربا.
ثانياً: السياسة المتطورة
وهذا الميدان، ربما يكون أبعد ما يستشعره الانسان الفرد في قدرته على الخوض فيه، فاذا كانت ثمة نوايا للتغيير، فهي من مهمة الاحزاب السياسية بالدرجة الاولى، وهذا ما نلاحظه بوضوح في العراق– مثلاً- حيث يُتوقع من الاحزاب السياسية او حتى من الشخصيات المتنفذة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً من ان تشكل حزباً او تياراً ثم يعرض مشروعه في الحملة الانتخابية ثم يُنظر في أمره...! وربما تكون النظرة والرؤية غير متكاملة او جزئية، فتخرج الاحكام جزئية وخاطئة، والسبب أن الشريحة الواسعة من الناس لم يكن لها دخل في تشكيل هذا الحزب وذاك التيار او التنظيم، من هنا نجد أن سماحة الامام الراحل يشير الى أن "من مصاديق التعاون في زماننا تأسيس تنظيمات سياسية نزيهة تضمن استقلال بلادنا وتمنع انتشار الافكار الهدامة وتسلل العناصر الشريرة الى داخل المجتمع الاسلامي".
وليس بالضرورة يسهم الناس في تشكيل احزاب سياسية من الدرجة الاولى ذات افكار ونظريات واموال وكوادر.... إنما الخطوة الاولى في طريق "منظمات المجتمع المدني"، التي تتوزع على اهتمامات عديدة تكون على تماس مع المجتمع، مثل الصحة والتعليم والخدمات والاعلام وغيرها. وهذا النمط من العمل المنظم هو الذي يعاضد العمل الحزبي الناجح في الدول الغربية، فتكون حلقة الوصل بين هذه الاحزاب وبين الجماهير، فيما يتعلق بأمور مثل البيئة والصحة العامة والسكن والعمل وغيرها، ما من شأنه التأثير على القرار السياسي او يخلق رأي عام او حتى يصل الى قبة البرلمان ليتحول الى قانون يتم التصويت عليه.
وهنا ثمة التفاتة جديرة؛ في عديد بلادنا نلاحظ دعوات الحكومات بـ "التعاون" مع الأجهزة الامنية – مثلاً- او القرارات المتعلقة بالاقتصاد وغير ذلك، على أمل انجاح السياسات العامة المتبعة، بيد ان الشعب الناهض والطامح الى التقدم والتغيير نحو الاحسن، يفترض به ان يكون مبادراً في الاسهام بالتطوير السياسي من خلال الخروج من الحالة الفردية الى الحالة الجماعية، ابتداءاً من الحي السكني الصغير مثل المنطقة الاكبر في المدينة ثم المدينة بأكملها وتشكيل تنظيمات وجمعيات تعنى بقضايا عامة، وهذا من شأنه ان يدق جرس انذار في الاروقة السياسية، سواءً في السلطة التنفيذية او التشريعية او حتى القضاء بأن هناك يقظة ومطالبات من مساحة واسعة في المجتمع بتحقيق الافضل والاحسن، ومعالجة حقيقية للازمات.
ان روح العمل الجماعي والتعاون فيما افراد المجتمع، يمثل قوة معنوية – بالحقيقة- وهذه القوة تفوق – كما هو معروف- القوة المادية في كثير من الاحيان، بل ان الانجازات الكبيرة تكون بحاجة دائماً الى المستوى العالي من الحالة المعنوية، وبالنتيجة نكون على طريق التقدم والتطور.
اضف تعليق