استطاع تنظيم (الدولة الإسلامية/ داعش)، خلال فترة زمنية قصيرة، البروز الى واجهة الاحداث، كواحد من اهم التنظيمات الجهادية المتطرفة على مستوى العالم، والتي استدعت (من اجل محاولة الحد من نشاطات هذا التنظيم) قيام الولايات المتحدة الامريكية بجمع اكثر من 60 دولة غربية وعربية في "تحالف دولي" للقيام بعمليات عسكرية جوية ضد عناصر التنظيم والمواقع التي يتحصن فيها داخل العراق وسوريا، إضافة الى بناه التحتية (ابار ومصافي النفط، القواعد العسكرية التي سيطر عليها، القادة البارزين في التنظيم...الخ).
ومع ان الكلام يدور حول استغلال هذا التنظيم "لظروف خاصة" لموجات الاختلال الأمني والسياسي التي وقعت في عدة دول عربية بعد عام 2011 (وبالأخص في سوريا)، إلا ان هذه الكلام ربما يعبر عن نصف الحقيقية وليس كلها، والا لكان الأولى بتنظيم "القاعدة" ان يبادر بهذه المهمة، بدلا من ترك فرع تابع له (سابقا) بأخذ زمام المبادرة، ثم التفوق عليه لاحقا من حيث التجنيد والسيطرة والتمويل والقوة، والغريب في الامر، ان التحالف الدولي الذي أقيم في الأساس بهدف التصدي لتمدد داعش في العراق وسوريا، وتدمير عناصر قوة داعش الأساسية، ما زال يتبع الأساليب المعروفة والقديمة نفسها، والتي عادة ما ينجح في استخدامها ضد التنظيمات الجهادية التقليدية، فالضربات الجوية لا تكفي مع تنظيم يمارس اكثر من طريقة للتكيف مع الضغوط وامتصاص زخم الضربات الجوية.
وفي هذا السياق كان ينبغي على "التحالف الدولي" والدول المتصدية لمكافحة تنظيم داعش، أن تأخذ بالاعتبار، ثلاثة أسلحة او وسائل يعتمد عليها التنظيم في التمدد والانتشار وفرض سيطرته وهي:
1. التنظيم:
فقد أكد خبراء امنيون وعسكريون، ان تنظيم داعش، وبحسب معطيات الأرض، من أفضل التنظيمات الجهادية المتطرفة تنظيما من الناحية الهيكلية والعسكرية، فقدرته على التنظيم المالي مثلا، جعله بمعزل عن التأثر بالإجراءات الرقابية والعقابية التي تحاول الدول الغربية والعربية القيام بها لمنع وصول مصادر التمويل الى عناصر داعش، وجاءت هذه القدرة من اعتماده على التنوع في جباية الأموال اللازمة لتمويل عملياته العسكرية وغيرها.
كما ان التنظيم الإداري والهيكلية العسكرية (التي تشابه الى حد ما تنظيم القاعدة) التي يتمتع بها التنظيم، تمكنت من الصمود امام الضربات العسكرية الجوية لقوات التحالف، وهي لا تعتمد كثيرا على القيادات البارزة داخل التنظيم، او حتى زعيم التنظيم نفسه (أبو بكر البغدادي)، وهي نقطة مهمة تفرقه عن تنظيم القاعدة الام الذي تضرر كثيرا بعد مقتل زعيم التنظيم (أسامة بن لان) عام 2011، فالغالب ان التنظيم سيستمر بقوته حتى في حال استهداف زعيمهم البغدادي بضربة موجهة.
لذا فان اختراق هذا التنظيم من الداخل امر مهم، والعمل الاستخباري مطلوب في هذه المرحلة، ولا ينبغي الاعتماد على الضربات او المراقبة الجوية من دون وجود جهد مخابراتي يعمل على تدمير التنظيم من الداخل.
2. الحرب البرية:
الميزة الأخرى التي اعتمدها التنظيم، هي الحرب البرية والسيطرة على الأراضي، لإقامة دولة الخلافة المزعومة، بدلا من الاكتفاء بتنفيذ عمليات انتحارية او هجمات نوعية محدودة، وهو ما كان له الأثر البالغ في زيادة عدد مجنديه واتباعه من مختلف دول العالم (اكثر من 80 جنسية تقاتل تحت لواء التنظيم)، بعد ان استطاع اقناعهم بأن ثمار العمل الجهادي تحققت بفعل السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسوريا، كما ان هذه الحرب البرية الواسعة (ذكرت مصادر ان تنظيم داعش يقاتل على خط جبهه طوله اكثر من 400 كيلومتر) اثبتت فشل فاعلية سلاح الجو في تدمير قوة التنظيم، وان كان لها اثر في الحد من انتشاره، لكن بصورة محدودة، بخلاف العمليات العسكرية المباشرة (خصوصا في العراق) التي اثبتت نجاحها في دحر عناصر داعش وإيقاف مدهم، وهنا يتطلب من التحالف الدولي والمجتمع الدولي العمل بجدية اكبر (في حال أراد القضاء على خطر داعش) مع القوات المقاتلة على الأرض ودعمها وتسليحها وتدريبها (خصوصا على مستوى قتال حرب الشوارع التي يتفوق فيها التنظيم على الجيش العراقي من هذه الناحية)، حتى يتسنى تحقيق المزيد من الانتصارات البرية.
3. الحرب الإعلامية:
يجمع الباحثون والمحللون على ان الحرب الإعلامية التي يستخدمها التنظيم للدعاية والتجنيد وبث الرعب والترويج لحملاته العسكرية، كانت من اقوى وسائل التنظيم في تحقيق الانتشار، ولعل "حرب الرهائن" التي قام بها مؤخرا، وأحرج من خلالها دولتين (اليابان والأردن)، إضافة الى الطريقة "الهوليودية" التي اخرج فيها مقطع حرق الطيار الأردني "الكساسبة"، تظهر بوضوح ان الحرب الإعلامية من اهم أولويات التنظيم الذي يحاول الاستفادة من كل الفرص والوسائل الإعلامية لتحقيق الشهرة والظهور بموقف القوي والمنتصر في جميع المواجهات، بالمقابل فان الاعلام الغربي (على الرغم من امكانياته الضخمة والهائلة) والعربي ما زال ضعيفا وغير موحد في مجابهة الهالة الإعلامية لداعش والتي يحاول ان يغرسها في عقول وقلوب الشباب المسلمين، وبث رسائل الرعب والموت والدمار لمن يحاول ان يعترض طريقهم.
اعتقد ان التحرك الدولي تجاه هذه "الأسلحة الداعشية" ليس بالأمر المستصعب، ولا المستحيل، لكن الغريب حقا ان تجد الجهد الدولي ينصب فقط على ضربات "استعراضية" او "انتقامية" من السماء، فيما يترك لعناصر داعش العمل بحرية على الأرض، رغم معرفة جميع الأطراف العربية والإقليمية والدولية ان خطر التنظيم لم يعد يستثني احدا، وان من يعتقد انه بمأمن من التطرف والإرهاب فعليه مراجعة حساباته، كما ان تحرك الأطراف الدولية المؤثرة بهذا الخصوص، ومراجعة حساباتهم وطرق تصديهم للتنظيم، بات امرا ضروريا في هذه المرحلة.
اضف تعليق