"الدولة التي تتطلع إلى تعزيز السلام على الصعيد الداخلي، فضلًا عن الصعيد الدولي، يجب أن تبدي اهتمامًا خاصًا لدى التخويل في صنع و/أو استيراد أسلحة ومواد كيميائية داخل أراضيها، وأن ترفض بشدة تلك التي بحكم طبيعتها جرى التفكير فيها وتصنيعها من أجل الحرب المعادية لقيمة السلام". المجلس الدستوري في كوستاريكا.
رغم جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية للحد من انتشار الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، فان العالم لا زال ماضيا نحو المزيد من الجنون لتصنيع تلك الأسلحة وتصديرها واستيرادها، مستفيدة مصانع الأسلحة من هذا الجنون في زيادة مبيعاتها، وبالتالي مراكمة أرباحها القادمة من تجارة الشر.
فيما يتعلق بالأسلحة النووية والتي هي الأشد فتكا، كشف دايفيد فرنانديز بويانا، احد المسؤولين الامميين، ان هناك 22 ألف سلاح نووي في عالمنا اليوم، وهي قادرة على افناء الأرض اكثر من مرة واحدة بجميع من عليها وتحتها. كما أشار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون (يقف العالم على حافة هاوية).
وبسبب ما وقع من حوادث نووية وإشعاعية خطيرة، مثل حادثة مايل آيلاند في عام 1979، وكارثة تشيرنوبل في عام 1986 ومفاعل فوكوشيما في عهد أقرب في عام 2011، احتدم السجال في شأن استخدام الطاقة النووية.
فأنصار هذا الشكل من الطاقة يذهبون إلى أن الطاقة النووية مصدر طاقة مستدام يخفض الانبعاثات الكاربونية. ويعتقد المعارضون، من الجهة الأخرى، أن الطاقة النووية تشكل مصدر تهديدات عديدة للبشر والبيئة.
توَّلد حاليًا نحو 14 في المئة من كهرباء العالم من محطات طاقة نووية، نصفها في الولايات المتحدة وفرنسا واليابان. وتتسم فرنسا بأعلى درجة من الاعتماد على الطاقة النووية بين بلدان العالم، وهي تنتج نحو 80 في المئة من طاقتها الكهربائية من 21 محطة توليد، و58 مفاعلًا نوويًا.
تحتاج المحطات النووية كميات هائلة من الماء. ولهذا السبب تكون المحطات النووية قريبة من البحر أو الأنهر أو البحيرات أو السدود.
يضاف إلى ذلك أن الماء المستخدم في التبريد يُعاد إلى النهر، وهو أسخن بكثير منه حين سُحب منه. ويمكن لمحطات الطاقة حين تعيد الماء المستخدَم أن ترفع الحرارة في مجرى الماء بواقع 3 درجات، الأمر الذي يؤثر على بيئة النهر بكاملها.
يرتبط السلام والبيئة بعلاقة وثيقة، كما أوضح إعلان ريو حول البيئة والتنمية في عام 1992. ينص المبدأ 25 بصفة خاصة على الاعتماد المتبادل بين السلام والتنمية وحماية البيئة في كل لا ينفصم، ويقول المبدأ 26: "إن الدول تحلّ نزاعاتها البيئية سلميًا وبالطرق المناسبة وفق ميثاق الأمم المتحدة".
لو تركنا الأسلحة النووية ومخاطرها وجميع ما يتعلق بالطاقة النووية جانبا، وتحدثنا عن بقية الأنواع من الأسلحة مثل الألغام، نلحظ ان هذا السلاح هو الأكثر فتكا بالناس لكثرة استخدامه بين المتحاربين.. على سبيل المثال، ورغم مرور اكثر من عقدين على نهاية الحرب العراقية الإيرانية، لا زال هناك ضحايا جدد لهذه الحرب يفقدون حياتهم نتيجة لتلك الألغام لتي لم تتم ازالتها حتى الان.
ففي مقال كتبه مدير المنظمة العراقية لإزالة الألغام مزاحم جهاد في صحيفة المدى البغدادية تحدث عن "وجود 26 مليون لغم مزروع وملايين المقذوفات غير المنفلقة (المنفجرة)"، وعن "أن 8-10 أشخاص هم ضحايا الألغام والمقذوفات يومياً، كما أن تكلفة تطهير لغم تبلغ 350 دولاراً أميركياً".
وهذه الالغام موجودة على حدود طولها 1450 كلم زرعتها الدولتين المتحاربتين من أقصى جنوب العراق عند شط العرب على الخليج العربي إلى الحدود الثلاثية بينهما وبين تُركيا.
وهذه المناطق الحدودية التي تشمل محافظات البصرة جنوب العراق، وميسان جنوب الشرق، وديالى شرقاً والسُليمانية في إقليم كردستان العراق حالياً، كانت جميعها مزروعة بملايين الألغام الأرضية.
وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن المواقع المزروعة بالألغام في العراق تغطي نحو 1.730 كيلومتراً مربعاً، وتؤثر في نحو 1.6 مليون نسمة، وقد تسببت الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في قتل أو جرح مواطنيْن عراقييْن اثنين في المتوسط كل أسبوع خلال عام 2009، وكان 80% منهم فتيان تراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة. كما تعرّض بين 48 إلى 68 ألف عراقي لبتر الأطراف بسبب الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة".
تقتل الألغام عشوائياً أكثر بكثير من العدد المستهدف من جنود وعتاد على جبهة عدو من يضعها، وتحدد منظمة Care العالمية عدد الضحايا بنحو 70 شخصاً يقتل أو يتضرر بسبب الألغام كل يوم. وحتى الآن، قتل مليون شخص بسبب الألغام حول العالم. ونسبة الضحايا الأعلى هي بين الأطفال، لأنها تفجر أجسادهم الصغيرة بالكامل.
في مصر اليوم، في منطقة العلمين، حقول ألغام من أيام الحرب العالمية الثانية، لا يزال خطرها يهدد الناس، ويمنع مشاريع تنموية في المنطقة. وفي منطقة الصحراء الغربية ما يقدر بـ19.7 مليون لغم، راح ضحيتها حتى الآن 8,301 شخص (بينهم 690 قتيلاً).
وفي المناطق المعروف وجود الألغام فيها، مثل أفغانستان وكمبوديا، ما يزيد على %35 من الأراضي، التي تعتبر خسارة كبيرة للبلد وللناس، إذ لا يمكن استثمارها، أو استخدامها للرعي أو الزراعة أو العمارة فيها.
في خطاب له في أبريل 1953، قال الرئيس الأميركي الأسبق دويت إيزنهاور "كل بندقية يتم صنعها، وكل سفينة حربية تُدشّن، وكل صاروخ يطلق، هو بمعناه النهائي سرقة من الجياع الذين يشتهون اللقمة، ومن المتجمدين برداً ولا ثوب يدفئ أجسادهم. عالم صناعة السلاح لا ينفق المال فقط. هو ينفق عرق عماله، وعبقرية علمائه، وآمال أطفاله… هذا ليس سبيلاً للحياة بالمعنى الحقيقي. وتحت غطاء التهديد العسكري، تُعلّق الإنسانية على صليب من الفولاذ".
بعد أكثر من ستين عاماً على خطاب إيزنهاور، بقيت الولايات المتحدة في صدارة الدول في الإنفاق العسكري بنحو 609.9 مليار دولار عام 2014، فتشكل ربع الإنفاق العالمي وحدها. بينما تنفق 9 دول مجتمعة 683.3 مليار دولار، هي الصين (216.4) فرنسا (62.3)، بريطانيا (60.5) الهند (50)، ألمانيا (46.5)، اليابان (45.8)، السعودية (80.8)، روسيا (84.5)، وكوريا الجنوبية (36.7). أما بقية العالم فينفق 482.8 مليار دولار.
أخيرًا، ينبغي التذكير بأن ميثاق الطبيعة العالمي لعام 1982 يؤكد أن الحفاظ على السلام لا يمكن أن يتحقق ما لم تتعلم البشرية التعايش بسلام وتنبذ الحرب والسلاح. وبالتالي، كما طرح إعلان جوهانسبرغ بشأن التنمية المستدامة في عام 2002، فعلى جميع الأطراف أن تعمل معًا، موحدة بتصميم مشترك على إنقاذ كوكبنا، ودفع عجلة التنمية البشرية وتحقيق الازدهار والسلام.
اضف تعليق