يعتبر المسلمون الشيعة في الشرق الاوسط، جزء مهم من العالم الاسلامي والتركيبة السكانية الشرق اوسطية، وقد يتحدث البعض عن كونهم اقلية (دينية/سكانية)، الا ان الاقلية قد تكون اغلبية في معرض الحديث عن دولة ايران او العراق او البحرين، اضافة الى وجودهم بنسب لا يستهان بها في اغلب دول الخليج ودول حوض البحر المتوسط، اضافة الى باكستان والهند ودول غرب اسيا الاخرى، وبالتالي فان الحديث عن مدى التأثير السياسي والاقتصادي والثقافي والديني، (بدلا من الحديث عن الاقلية او الاغلبية)، هو الذي فرض واقع الحال، واكد ان الشيعة في الشرق الاوسط يتمتعون بعدة عوامل مكنتهم من احداث التأثير والتغيير في هذه المنطقة التي تعاني العديد من المشاكل والصراعات التي لا تنتهي.
من جهة اخرى، يمكن القول ان الشيعة في اغلب دول الشرق الاوسط مندمجون في اوطانهم، ولهم تقاليدهم وعاداتهم التي هي جزء من اعراف وتقاليد هذه الدول، الا انهم، في الغالب، يشتركون في عدة عوامل ميزتهم عن الاخرين:
1. الهوية الوطنية هي المحرك الاساسي للمسلمين الشيعة في بلدانهم، وهي جزء من عقيدتهم الدينية ايضا، سيما وان الولاء للوطن (يختلف عن الولاء للحاكم او نظام الحكم)، حافز كبير لتماسك المجتمع من جهة والحفاظ على الاوطان من جهة اخرى.
2. الاستهداف والتهميش من قبل الانظمة الحاكمة على مر التاريخ، والعصر الحديث ليس استثناءً عما سبقه، خصوصا مع المطالبة بحقوق المواطنة او اطلاق الحريات العامة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وقس على ذلك ما جرى في البحرين والسعودية واليمن ومصر، بعد احداث الربيع العربي، وحتى في العراق ابان حكم نظام صدام حسين، حتى سقوطه على يد القوات الامريكية عام 2003، كما ان التهميش والاقصاء يطال اغلب الشيعة في جميع بلدان الشرق الاوسط، باستثناء الدول التي شارك الشيعة في نظام الحكم فيها (العراق، لبنان) او تشكل الشيعة الاغلبية المطلقة فيها مثل ايران.
3. العنف والتطرف (الذي تقوم به الجماعات التكفيرية) يستهدف الشيعة في المقام الاول، خصوصا وان المنظمات والحركات الجهادية الاسلامية المتطرفة (والتي تنشط في الشرق الاوسط)، كتنظيم القاعدة والدولة الاسلامية وطالبان وشبكة حقاني وغيرها، تكفر المسلمين الشيعة وتخرجهم عن ملة الاسلام، وهو امر يجري، ايضا، على جميع شيعة الشرق الاوسط، بغض النظر عن مللهم او مذاهبهم الاخرى.
وقد نشط شيعة الشرق الاوسط في العقد الاخير بصورة ملحوظة، ففي العراق استطاع الشيعة ان يشكلوا اغلبية برلمانية وسياسية، بعد التهميش الذي عانوا منه عبر اجيال من الزمن، كذلك النشاط السياسي الكبير للشيعة في لبنان واليمن، اضافة الى تنامي المطالب بالإصلاح السياسي في دول الخليج، على الرغم من رفض الانظمة العربية الخليجية التعامل مع هذه المطالب بواقعية سياسية، ما ادى الى حملات امنية منظمة استهدفت النشطاء السياسيين واصحاب الرأي والمعارضين، وادانتها الكثير من المنظمات العالمية والدول الكبرى، خصوصا في البحرين والسعودية، وساهمت جملة من العوامل الداخلية والخارجية في تنامي مطالب شيعة الشرق الاوسط بحقوقهم المغيبة على يد الانظمة التي تعمد ممارسة الضغوط السياسية والامنية والاقتصادية ضدهم، وغالبا ما تعتمد هذه الانظمة المستبدة تهم مستهلكة لتبرير اقصاء الشيعة عن ممارسة دورهم الطبيعي في بلدانهم التي ينتمون اليها.
لكن ومع التطورات السياسية الاخيرة التي تحصل عليها المواطنين الشيعة في بعض بلدان الشرق الاوسط، الا ان الكثير منهم في بلدان شرق اوسطية اخرى، ما زالوا يعانون من الصعوبات التي تفرضها عليهم تلك الانظمة، من دون ان يكون هناك اي مؤشرات مستقبلية على حدوث تغيرات ملموسة في هذا الوضع القائم، بالمقابل يمكن تأشير جملة من الملاحظات التي يمكن الاستفادة منها، في تطوير العمل السياسي لشيعة الشرق الاوسط، من اجل الحصول على المزيد من الاصلاحات الضرورية:
1. العمل على تشكيل جماعات ضغط دولية، بالتنسيق مع المسلمين الشيعة المنتشرين في اغلب دول العالم، وبالأخص في العالم الغربي، وهو امر ضروري للحصول على جهات داعمة ذات مكانة دولية.
2. التعاون مع المنظمات الدولية ذات الطابع الحقوقي، من اجل رصد وتسجيل الانتهاكات اليومية الموجهة ضد الشيعة من قبل الانظمة المستبدة والجهات التكفيرية، كونها تستحق الادانة الدولية، سيما وان هذه المنظمات لها تأثير قوي في الراي العام للمجتمع الدولي.
3. الاستمرار في تأسيس منظمات حقوقية ناشطة ومراكز دراسات وابحاث، تسهم في تقديم المزيد من الافكار السياسية والحقوقية ذات البعد الاستراتيجي الخاص بمستقبل الشيعة في منطقة الشرق الاوسط، اضافة الى دور هذه المنظمات والمراكز في جمع المفكرين والباحثين في إطار عمل بحثي ذو طابع علمي ومنهاجي.
4. التأكيد على هوية الاعتدال التي يتميز بها شيعة العالم على وجه العموم، وشيعة الشرق الاوسط بالخصوص، على الرغم من حجم الهجمات الشرسة التي يتعرض لها الشيعة في جميع مناطق تواجدهم، اضافة الى فتح باب الحوار وتبادل الافكار مع الجهات الدينية الاخرى (ذات الطابع المعتدل ايضا) وهو امر ضروري للغاية وسط تنامي هوية التطرف الديني والارهاب الجهادي المنتشر في الشرق الاوسط.
اضف تعليق