نيسان الاكاذيب هذا العام لم يستأثر باهتمام العراقيين، لانهم ومنذ العام 2003 ربما يعيشون كذبتهم الكبرى، والتي تتصاغر امامها الاف الاكاذيب التي تستدعي الضحك والمرح، لكن كذبتهم الكبرى هذه اخذت الكثير من حياتهم ودمائهم وبالتالي لا حاجة لأكاذيب صغيرة.
واقصد بالكذبة الكبرى، التاسع من نيسان في ذلك العام، والذي سقط فيه صنم الطاغية صدام بفعل الحبال الامريكية والمطرقة العراقية لـ(كاظم الجبوري) في ساحة الفردوس، ولا ننسى شحاطة ابو تحسين على احدى الطرقات ينهال بها ضربا على صورة القائد الضرورة، وهو نفس (ابو تحسين) الذي صدق تلك الكذبة الكبرى، مفترشا الارض في اعتصامه ضد من حكموا بعد صاحب الصنم.
انها مفارقة، (نسيان) في (نيسان)، يا الله ما اقرب الكلمات الى بعضها رغم التغير في حرف واحد منها.. ولا اقصد بالنسيان هنا الايجابي منه واجتراح ذاكرة جديدة لعراق جديد تأسس على خراب عراق صدام.
نعم هو عراق صدام لا غيره، طبعه بطابعه وعشيرته واقرب المقربين اليه، العراقيون سرعان ما تناسوا ما قام به صدام طيلة سنوات حكمه، واخذوا يترحمون عليه نتيجة هذا الفشل الذريع في تمرينات الحرية والديمقراطية التي يقومون بها منذ العام 2003 ولحد الان، وهم لم ينجحوا في العديد من تلك الاختبارات وتحصلوا على اصفار كبيرة، الا اللهم في المبالغ التي فسدوا وافسدوا فيها فهي بأرقام فلكية وفي هذا الاختبار نجح معظمهم.
حتى الان ثنائية الحرية والامن هي التي تتحكم بالعقل العراقي، وهم يرجحون الامن في خياراتهم على الحرية، وهو نفس ما يرجحه العبد في قطيع مولاه، اكل وشرب ونوم، لا فرق بينه وبين من تسوسه عصا صاحب القطيع في السير به ذات اليمين او ذات الشمال.
وحتى الان لم يتفق العراقيون على تسمية موحدة لهذا اليوم من العام 2003، هل هو سقوط أم احتلال ام هو تحرير؟، ستأثر كتابات الفيس بوك العراقي في هذا اليوم بما يمكن تسميته (نظرية الموزة) التي يصر عليها كثيرون في المقارنة بين زمنين، زمن قبل العام 2003 وما بعده، وخاصة اولئك الذي صادفت قدرتهم على تناول الموز في التسعينات وهي سنوات الحصار.. وهي ايضا (نظرية الموبايل) و(نظرية الفضائيات) و(نظرية الامن والحرية) و(نظرية الشاف والماشاف) وغيرها من نظريات تستهوي هذا العقل الجمعي العراقي، لكن الغالب الاعم فيها هو النسيان الذي يترافق مع نيسان.
وابرز دلالات هذا( النسيان النيساني) هو اننا كثيرا ما نتشبث بالنتائج وننسى الاسباب التي قادت اليها، فـ (التحرير – السقوط – الاحتلال) لم يكن ليحدث لولا تلك السياسات المتهورة للقائد الضرورة طيلة أكثر من ثلاثة عقود من حكمه.
ومواكب القتلى الذين يتساقطون كل يوم على امتداد الكثير من مناطق العراق هم امتداد لأولئك القتلى الذي سقطوا ايام صدام وحكمه، الا ان الفارق انه لم يكن اعلام وقتها يسلط الضوء عليهم، بغض النظر عن المقارنة العددية لمن سقط بين الزمنين.
والبنى التحتية المتهالكة هي امتداد لتهالكها الذي بدأ في التسعينات من القرن الماضي، والديون التي سددها العراق بعد العام 12003 هي مديونيات ما قبل ذلك العام من حرب ضد ايران وضد الكويت وحروب اخرى ضد أبناء الوطن، لكن (النسيان النيساني) مريح لأوجاعنا وهو علاج حتى وان كان مؤقتا لتلك الاوجاع.
قلت في السطور السابقة ان صنم صدام قد سقط لكننا انتجنا اصناما اخرى، والسؤال هو لماذا لدينا هذه القدرة المتجددة على انتاج صدام واشباهه وخاصة مثل جماعات (تاج راسك) او (الخط الاحمر)؟ لماذا فشلنا في بناء دولة ونحن اصحاب حضارة عمرها ٧٠٠٠ عام مقارنة بالبدو واهل (بول البعير)؟.
ربما يفيدنا ان نقتبس للدكتور محمد القريشي ماكتبه على صفحته في الفيس بوك: (في التاسع من نيسان ٢٠٠٣ سقط نظام صدام الظالم بفكره وسلوكه وحل محله ( اللانظام ) الذي ظلم بأنانيات مكوناته والفوضى التي خلقها لتشق قافلة العنف طريقها من جديد وتنافس معدلات القتل السياسي والفساد والفشل فيها نظيراتها في زمن صدام او تتفوق عليها ..،.. .ولم ننجح لحد الان في :
- اجراء مراجعات دقيقة وعلمية للماضي والحاضر
- الاعتذار عن اخطاء الماضي والحاضر
- تلمس الطريق نحو المستقبل
عندما ننجح في انتاج ( قلق جمعي وحلم جمعي ) سننجح في إيجاد حلول تصطف خلفها الجماعات وتتوحد........ وعندها .،،، عندها فقط تبدأ مسيرة المنجزات ..، غير ذلك سنبقى نبدع في التنظير ونتفوق في الدوران حول المشاكل وحول أنفسنا حسب مقولة (فسر الماء بعد الجهد بالماء).
اضف تعليق