لأنها النافذة الوحيدة للتعبير والتواصل في العراق، تستأثر صفحات الفيس بوك العراقية باهتمام المتابعين للشأن العراقي، أكثر مما تستثيره صفحات الصحف والمواقع الالكترونية والفضائيات، لأنها في معظمها مملوكة لجهات وأحزاب سياسية، تعيش انفصالا تاما عن الواقع، وإذا تنازلت فهي تنظر اليه من منظارها الأيديولوجي فقط.
ولان الاعلام العراقي أيضا، يعيش على الاشاعة وعلى الأكاذيب، ولا يتحرى الصدق في نشر المعلومة، لأنه أصلا يفتقد حرية الوصول اليها.
لا أبالغ إذا قلت ان تسعين بالمائة مما ينشر على صفحات الفيس بوك هذه الأيام، يركز على موضوعة التظاهر والاعتصام، وإذا كانت التظاهرات هي محل اهتمام يتوهج ويخبو منذ اندلاعها في نهاية تموز من العام الماضي، فان الصفحات هذه الايام تتوهج بحركة الاعتصام التي دعا اليها التيار الصدري، احد اقطاب التحالف الوطني العراقي.
يمكن تسجيل عدد من الملاحظات على ما ينشر حول التظاهرات والاعتصامات:
• انحسار اللغة الطائفية وتراجعها في المنشورات، مع بروز لغة فئوية، او حزبية، في مقام التهجم او الدفاع، وتتعلق هنا بالشق الشيعي – الشيعي، بعد ان كانت تتعلق بثنائية الشيعي – السني.
• بروز خطاب "وطني" يرتفع فوق الثنائيات الطائفية او القومية التي كانت سائدة، ولا يعني هذا على الأقل في الوقت الحاضر، غياب تلك الثنائيات بشكل تام، لكنها تراجعت امام طوفان اللحظة الحرجة، التي يمكن ان تطيح بالجميع.
• لم تعد هناك "اغلبية صامتة" وهو المصطلح الذي تم تداوله لسنوات طويلة "بالمعنى السلبي" لهذه الأغلبية، انها ورغم امتلاكها لأدوات التعبير دون تفعيل طيلة السنوات السابقة، الا انها وفي هذه اللحظة قامت بتفعيل هذه الأداة واخذت تمارس حقها في التعبير عما تريده، وحقها في ان تشارك في عملية التغيير.
• سقوط الكثير من الخطوط الحمر والتقديس الوهمي للأشخاص والجهات السياسية، التي رسمت حولها هالات من القداسة طيلة سنوات طويلة، ترقى عند بعضها الى عقود قبل العام 2003، وعدم انتقادها في ممارساتها لشأن من الشؤون العامة، وهذا اعطى الجرأة للمطالبة بتغيير هؤلاء الأشخاص بعد ان كانت المطالبات سابقا تتعلق بالسياسات او السلوك السياسي وحده.
• سقوط الكثير من "أوهام الإسلام السياسي" عن نفسه وعن المحكومين، ولعل ابرز تلك الأوهام هو "الوهم الطائفي" الذي استطاعت من خلاله أحزاب ذلك "الإسلام" بشقيها الشيعي والسني ان تتمكن عبره من القبض على مقاليد السلطة طيلة السنوات السابقة بعد العام 2003 ، إضافة الى الوهم "القومي" ممثلا بالأكراد.
اكتفي بهذا القدر من الملاحظات، فهناك الكثير غيرها مما يمكن رصده عبر تلك الصفحات وما ينشر فوقها.
أتوجه الان الى اختيار عدد من النماذج التي كتبها أصحابها في متابعتهم للتظاهرات والاعتصام، طيلة الايام الماضية، وهي نماذج قسم منها لا يميل الى المباشرة في طرح الفكرة، بل يحاول ان يقدمها من خلال عدد من المقاربات تشمل "النظام السياسي – طبيعة الممارسة الديمقراطية – كيفية بناء الدولة في المرحلة الانتقالية – التوقعات المستقبلية للحراك الحالي – تحليل المواقف للكتل المتصارعة على ضفتي المواقع، الموقع الحكومي وموقع المتظاهرين والمعتصمين" الى اخر ذلك مما يمكن رصده عبر الكثير من النماذج المختارة او المتروكة.
كتب الدكتور محمد القريشي:
(عدم حل الأزمة تحت خيمة التحالف الوطني يعني عجز المكون الشيعي عن ادارة نفسه وضمنا عن ادارة العراق الذي يرتكز عليه كمكون كبير. التذبذب في مواقف الحكومة أضافة الى بيان دولة القانون الأخير، افرز للمراقب خندقين متقابلين حول الإصلاح دولة القانون امام الشارع .... تذكرنا هذه المواقف والتذبذبات في القرارات بتجربة العراق في ادارة أزمة احتلال الكويت وكيف أغلقت قيادة العراق مسامعها عن صيحات العالم ومنعت مجساتها من معرفة المزاج الجماهيري فخسرت كل شيء وخسر العراق معها .... وهنا كذلك يبرز الفرق بين المزاج العراقي الصلب والماسك بناصيته أينما تسير الامور والمزاج المصري المرن الذي ادار ازماته وحصل على مكتسباته وحفظ الدولة باقل الخسائر. فهل نقرا التاريخ والجغرافيا وتجارب الآخرين كي نحفظ الدماء والوطن ؟).
في الردود على ماكتبه القريشي، لا تجد لغة طائفية متشنجة، صريحة وواضحة، قد تكون مضمرة في الرد، الا انها لا تعلن عن نفسها بصورة فجة، كما كان عليه الحال طيلة السنوات التي سبقت داعش وهذه التظاهرات.
وهي أيضا "الردود" تحاول ان تفسر وتحلل ما يحدث حاليا، ولاتبقى في لجظة الحاضر الآسرة والمتوهجة، تحاول ان تحدد افقا مستقبليا وتفتح نافذة باتجاه المجهول او نهاية النفق.
ربما يخون الكثيرون التعبير عما يريدون التعبير عنه، وهو وارد جدا، تبعا لمستوياتهم الثقافية وقدرتهم على صياغة ما يريدون بأسلوب كتابي يبتعد عن الكثير من البلاغة الادبية، الا انه يركز على الفكرة وحدها لغرض ايصالها الى الاخر.. وهي أيضا تكشف عن نوع من الاهتمام والمتابعة لما يجري في العراق، وهو اهتمام لا يقتصر على التلقي فقط، كما كان الحال سائدا قبل سنوات، كما المحنا الى ذلك قبل سطور قليلة عند الحديث عن "الأغلبية الصامتة".
فأحد المتابعين يكون تعليقه على الشكل التالي:
(عن أي تحالف وطني تتكلم يا دكتور! تحالف لم ينجح في اختيار رئيس له، وفشل في انتخاب هيئة سياسية مشتركة ترسم ملامحه العريضة؟).
وتكشف التعليقات أيضا، نوعا من اليأس الممزوج بالمرارة، حين تعقد مقارنة تفاضل فيه بين الوضع الحالي ووضع العراق قبل العام 2003، وترى في الوضع السابق انه الأفضل بالنسبة للعراقيين، مما يكشف عن ارتباك في الرؤية السائدة حاليا لدى الكثير من العراقيين، حول "الاستبداد – الديمقراطية – التعددية الحزبية – الإسلام السياسي" وغيرها من مفاهيم لم تستطع سنوات التغيير ان تزيل اللبس عن الكثير منها. وهو يشي أيضا بان هناك لغة سياسية يستعين بها الجيل السياسي الجديد "ليس بالضرورة ان يكون حزبيا، او منتميا الى أحد الأحزاب على الساحة العراقية"
يكتب أحدهم معلقا:
(كنت اتمنى للبلد بعد سقوط النظام ان يعيش تجربة ديمقراطية كتجارب الديمقراطية في اوربا وامريكا، ايمانا ان النظام الديمقراطي نظام عادل الى حد ما. وبعد ١٣ عاما من هذه التجربة المرة وصلنا الى حقيقة امرّ من هذه التجربة، وهي ان هذا البلد لا يحكمه الا نظام دكتاتوري قوي. وان صدام حسين كان محقا في الكثير من الامور منها منع التعددية الحزبية، محاربة الاحزاب الاسلامية جميعا، طرده لشرذمة كبيرة خارج الوطن ... يجب ان نتقبل ان العراق كان بلدا قويا مستقرا الى حد ما وجاءت احزابنا الاسلامية ودمرت العراق).
هناك الكثير من النماذج التي يمكن ان يخضعها الباحثون للتحليل وقراءة التوجهات السياسية التي يفكر بها العراقيون، مع هذا التشكل والتأسيس لصحافة المواطن التي تراقب وتنتقد وتقدم الحلول من موقع المعارضة للحكومة، انطلاقا من الشعور بالمسؤولية والمصلحة العامة.
اضف تعليق