q

الحرب الاهلية الدائرة في سوريا، والتي ستدخل عامها الرابع، اثارت الكثير من التكهنات وتنوعت فيها القراءات لمستقبل هذا البلد الذي تتنازع فيه السلطة (على الارض) اكثر من جهة، فبينما استطاع النظام السوري العودة كطرف اساسي في النزاع، واستعاد السيطرة على الكثير من الاراضي التي فقدها، مع بداية الازمة علم 2011، خصوصا في الوسط، استطاعت المجاميع والمنظمات الجهادية العاملة في سوريا (جبهة النصرة، داعش...الخ) فرض سيطرتها على مناطق شمال وشرق سوريا، فيما تحاول المجاميع المسلحة المدعومة من الغرب وتحسب على انها قوات معارضة للنظام، ابقاء سيطرتها على المناطق الجنوبية من البلاد، بعد الهزائم المتلاحقة التي منيت بها من طرف النظام والجماعات الجهادية الاخرى.

وساهمت التدخلات الاقليمية والدولية في خلق المزيد من التوتر والتعقيد في القضية السورية، بعد ان استبعدت جميع الحلول السياسية الممكنة التي تم مناقشتها سابقا في مؤتمري (جنيف1 وجنيف2)، مثلما فشلت جميع الحلول العسكرية والضغوط الممارسة في ترجيح كفة ما على حساب الكفة الاخرى، في تقاطع يعكس تضارب المصالح للدول الداعمة لمختلف الجهات المتصارعة داخل سوريا وخارجها، فمصالح ايران وروسيا تختلف عن تركيا وقطر، وكلاهما يختلف عن توجهات السعودية، فضلا عن مصالح الولايات المتحدة الامريكية التي اتهمت بالتردد واطالة امد النزاع في سوريا لارتباطها بملفات اخرى عالقة في الشرق الاوسط، لكن وان اختلفت التوقعات بمستقبل هذا الصراع الثلاثي والداعمين له يمكن التفكير في ثلاث قضايا رئيسية قد تمهد لتغيير الاوضاع للمستقبل القريب في سوريا:

1. تحجيم دور الجماعات والمنظمات الجهادية: وهو ما سعت اليه استراتيجية الرئيس الامريكي بعد الدعوة لقيام "تحالف دولي" في اواخر العام الماضي، لضرب تنظيم (الدولة الاسلامية/ داعش) في العراق اولا، وفي سوريا لاحقا، من خلال الطلعات الجوية المركزة، ودعم الجماعات المسلحة الاخرى (والتي لا تحسبها الولايات المتحدة والمتحالفين معها ضمن الجماعات الا سلامية المتطرفة)، وقد ذكرت العديد من الوكالات العالمية، في تقاريرها ان "الولايات المتحدة لها بالفعل علاقات بشبكات من المقاتلين السوريين بما في ذلك من خلال برنامج سري للمخابرات المركزية الأمريكية درب مقاتلين بالفعل ومن خلال برامج حكومية أمريكية لتقديم مساعدات غير مميتة"، واشارت الى قول مسؤول أمريكي ذكر فيه "نحن (الحكومة الأمريكية) لدينا علاقة قائمة مع أناس على الأرض، لن نبدأ من الصفر، والأولوية هي لاستبعاد من ينتهكون حقوق الإنسان والجواسيس والمقاتلين الذين قد يبدلون ولاءاتهم"، فيما قالت وزارة الدفاع الأمريكية، "إن قطر وتركيا والسعودية عرضت استضافة برنامج التدريب لكن الوزارة رفضت مناقشة أسماء بلدان أخرى قد تشارك أيضا، كما أن الأردن عرض أيضا استضافة البرنامج، ويأتي البرنامج في قلب استراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما في سوريا والتي تتمثل في خطة على مدى عدة سنوات لنشر قوات محلية لوقف، ثم دحر، مقاتلي الدولة الإسلامية في نهاية المطاف مع إبقاء القوات الأمريكية خارج ساحة المعركة، وقدرت وزارة الدفاع الأمريكية أن بوسعها تدريب 5400 مجند في العام الأول وإن هناك ضرورة لما يصل إلى 15 ألفا لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية في شرق سوريا".

2. الحفاظ على نظام الاسد في الوقت الحالي: ربما يكون الامر غريبا، لكن قد يكون الخير الاكثر واقعية بالنسبة للقوى المؤثرة (سيما الولايات المتحدة الامريكية)، فمع اختلافها مع نظام الاسد، والموقف المعلن بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية برفض بقاء الاسد في اي خطة مستقبلية لسوريا، إلا ان السياسة الواقعية للولايات المتحدة الامريكية لم تمنع استمرار بقاء نظام الاسد، بعد ان تدخلت ايران وحزب الله بشكل مباشر في منع سقوط نظام الاسد، اضافة الى روسيا بمواقفها السياسية المعروفة، كما لم تستهدف في الضربات الجوية الآلة العسكرية للنظام، بل ابلغته مسبقا بعملياتها العسكرية عن طريق العراق، وهو ما يقرأ على انه تعاون غير مباشر بين النظام وامريكا للقضاء على هدف مشترك، وكان النظام السوري (في هذه المرحلة) يمثل حالة من التوازن بين المقاتلين الذين تدعمهم الولايات المتحدة الامريكية وبين الجماعات الجهادية المتطرفة.

3. تشكيل قوى جديدة غير التي فشلت: في برنامج التدريب السري الذي تبنته الولايات المتحدة الامريكية مؤخرا لبناء مقاتلين جدد قد ينظمون للمعارضة ضد نظام الاسد، لا يستبعد ان تلجأ الولايات المتحدة الامريكية الى تشكيل نواة عمل سياسي جديد قد تكون منسجمة مع المقاتلين على الارض (بخلاف الواقع البعيد بين المقاتلين والمعارضة السياسية الموجودة خارج البلاد)، بعد ان فشلت اغلب القيادات الموجودة حاليا في اقناع الاطراف الغربية بجدية عملها، فضلا عن التناحرات الكبيرة فيما بينها، وليس بالضرورة البحث عن معارضين سياسيين خارج اطار النظام الحالي، مع استبعاد بقاء الاسد في السلطة.

اضف تعليق