q

لمتابعة افرازات وانعكاسات العملية الارهابية الجديدة في باريس، من الجدير معرفة ردود فعل ذوي الضحايا الذين قضوا في التفجيرات الانتحارية، وما هي المشاعر الجديدة التي تعتريهم حالياً إزاء الاسلام، كدين وعقيدة وأحكام...؟ ربما تكون ردة الفعل بقوة الفعل والصدمة وأكثر، لكن تبقى النتيجة واحدة، وهي تكريس الصورة النمطية عن الاسلام. وهذه حملة انطلقت منذ أول عملية ارهابية كبرى في العالم عام 2001 عندما انهار برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك بفعل هجمات انتحارية بالطائرات.

وبغض النظر عن الملابسات الغامضة التي تكتنف العمليات الارهابية التي تقع في البلاد الغربية، والتي تثير أكثر من علامة استفهام عن مصدر قدرة الارهابيين المفترض أنهم مرسلون مما يسمى بـ "الدولة الاسلامية في العراق والشام" بالتحرك في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وغيرها، بيد أن الحقيقة التي يجب ان نعيها جيداً أن المشهد الدموي في عالم اليوم لا تسببه حروب من النوع التقليدي القديم، بين جيشين يقاتلان خلف السواتر الترابية، وللعلم فقط، ربما تكون الحرب العراقية – الايرانية، هي آخر الحروب الكارثية من العهد القديم، شهدها العالم.

إنما الذي نشهده؛ حروباً أشد كارثية ودماراً، تقف خلفها، ليس دولة واحدة، إنما محاور دولية واقليمية، تتمترس خلف العقيدة والفكر، وليس التحصينات الترابية وامثالها. وإذن؛ فان الناس المفجوعين في فرنسا وقبلها في بلاد غربية اخرى، وحتى بلاد غير مسلمة في العالم، يواجهون عدواً سفك دماء ابنائهم، ينتمي الى عقيدة معينة، وهذا يكفي لأن تتشكل الصورة النمطية في الأذهان. فهل يكفي بعد ذلك تكرار القول: بأن "الارهاب لا دين له"؟!.

نعم؛ الارهاب الذي انطلق من عقول مريضة تستمد دائها من "تاريخ مسرطن" مليئ بجرائم الذبح وبتر الاطراف وبقر البطون وسمل العيون وغيرها من التفنن في القتل. لا يفرّق بين مسلم وغير مسلم، إلا ان عنوان الانتماء هو "الإسلام"، فالانتحاريين القادمين من بلاد مختلفة من العالم، يعدون أنفسهم الاكثر تديناً وقدرة على تجسيد الاسلام، ولذا نراهم يهرعون من الشيشان والقوقاز شرقاً، ومن بلاد المغرب العربي، وبلاد الغرب، وحتى من استراليا وبلاد اخرى في العالم، للوصول الى ما يمكن تسميته بـ "الدولة الاسلامية الموعودة".

من هنا؛ تتضح مدى شدة المعركة الحضارية الفاصلة، فبعد "الرعب الاسلامي" الذي أشيع في بلاد الغرب بوجه المسلمين في جميع البلاد الغربية وفي الاطار الاعلامي وضمن سياقات الحرب النفسية بعد احداث الحادي عشر من ايلول عام 2001، فان الخطوة الثانية؛ في "الارهاب الاسلامي" الذي ينشر الدماء والاشلاء والدمار في عمق البلاد الغربية. ويجب ان لا نفصل بين الصورة النمطية لـ "الاسلام العنيف" في بلاد الغرب، بما جندت أيادي "داعش" في تلك البلاد، وبين الصورة النمطية بما جندت أيادي "داعش" ايضاً في "سنجار" معقل الطائفة الايزيدية في العراق، وها هم القوات الكردية (البيشمركة) تشن هجوماً ناجحاً بمساعدة الاميركيين والغربيين لانتزاع هذا القضاء من "داعش"، وأول خبر نسمعه من هناك، اكتشاف مقبرة كبيرة لنساء ايزيديات قتلن ودفن فيها، وربما دفنوا أحياء...! هذه المشاهد والصور نجد لها أصداء مدوية في الغرب، لاسيما وأن هناك مؤسسات ومنظمات تعمل هناك لنصرة هذه الطائفة، نذكر للمثال فقط "متحف الهولوكوست" في اميركا الذي وصف المآسي التي تعرض لها هؤلاء بـ "الإبادة الجماعية"، وقبل ذلك كانت الامم المتحدة قد تضامنت بنفس المستوى مع هذه الطائفة على خلفية الجرائم التي ارتكبها "داعش" منذ احتلالهم هذا القضاء ومناطق عديدة من صيف عام 2014.

ورب قائل عن عدم الحاجة الى القلق الكثير على الاسلام في الغرب، فلا المساجد تهدم، كما يفعل "داعش"، فهم اكثر حضارية قطعاً، ولا يمنع المسلمون من التوجه الى المساجد للصلاة، وحتى تستمر الحسينيات والمراكز الثقافية والخيرية لمختلف الجاليات المسلمة، في النشاط، وربما اكثر، ويبقى المسلمون يعيشون حياة طبيعية في اوربا وكندا واميركا واستراليا، وكل مكان، ولكن...!.

هذه الفعاليات والكيانات وغيرها، ستكون تكراراً لتجربة الامة مع الحكام منذ عهد الدولة الاموية ثم العباسية ثم الدول والانظمة السياسية التي تعاقبت على الامة وحتى اليوم، حيث يتصرف الغرب مع المسلمين، كما تصرف معاوية – مثلاً- مع المسلمين في عهد الامام الحسن، عليه السلام، عندما بين لهم أنهم أحرار في الصلاة والصيام وأداء جميع الفرائض، فلا مشكلة له في ذلك، وكذلك فعل سائر الحكام، فمنهم من بنى المساجد والمدارس، ومنهم من أغدق الاموال على الناس وهكذا... ليكون الجميع عند أعتاب "قصر الإمارة"، أو "القصر الجمهوري". فلا تأثير بقيد أنملة من كل هذه الفعاليات والنشاطات والتحركات على أجواء الحكم ودهاليز السلطة.

لقد تواترت التقارير والاخبار عن انتشار ملحوظ وواسع للاسلام في الغرب، بغض النظر عن الانتماء الطائفي، ووسيلة التأثير على الانسان الغربي، كأن تكون قضية الامام الحسين، عليه السلام، - مثلاً- وغيرها. وهذا ما يمكن احتماله لدى دوائر القرار والتخطيط الاستراتيجي في الغرب.

فما العمل....؟

قبل ان نتقدم خطوة للمواساة – كما يفعل الكثير في الغرب- باتجاه ذوي الضحايا او الإعراب عن الأسى والأسف من اعمال ارهابية واجرامية نتبرأ منها جميعاً، فهي قد لا تلقي اذاناً صاغية، يجدر بالمعنيين في الغرب وفي كل مكان بالعالم غير المسلم، بأن يقدموا النماذج المغايرة لما تطرحه ساحة المواجهة المفتعلة بين الارهاب والعالم أجمع.

طبعاً؛ هذا ليس بالامر الهيّن، بيد ان البداية الصغيرة والبسيطة، من شأنها ان تترك أثراً كبيراً ولافتاً لدى عموم الناس هناك، ويسلط عليها الاضواء. كما تسلط الاضواء على جرائم "داعش" لرسم الصورة النمطية المطلوبة.

اضف تعليق