لا تجد ايران والسعودية اي فرصة سانحة لاعلان الحرب الكلامية فيما بينهما، الا وبادرتا اليها سعيا لكسب جولة في حرب الهيمنة السياسية والدينية في منطقة الشرق الاوسط، ومع ان كلا البلدين الاقليميين في المنطقة لديهما ما يؤهلهما، من نقاط قوة، للسيطرة وصناعة التأثير في هذا المجال الجيوسياسي الحيوي لكليهما... الا ان نقاط الضعف مقاربة، ان لم تكن اكثر، لنقاط القوة عند النظامين... وبالمحصلة النهاية سيتسرب الانهاك والتعب من السجال الدائر منذ عقود، اضافة الى مواصلة الصراع... وان طالت امد المطاولة والعناد.
رقعة الخلافات السياسية، بين البلدين، والتي امتدت الى الخليج وسوريا والعراق واليمن ولبنان، اضيف اليها بعداً دينيا اخر، يتجدد كلما اثيرت الخلافات الدينية، التي غالبا ما تتداخل في صلب الصراع كلما حدثت مشكلة من هذا النوع، سيما التي شهدها موسم الحج الاخير، وهي خلافات وصراعات ليست بالجديدة، بل تمتد الى زمن مؤسس دولة (ال سعود)، عبد العزيز بن سعود، في بدايات القرن الماضي، وحتى الوقت الراهن... والسبب في ذلك ان "رعاية الأماكن المقدسة تظل المصدر المهم لشرعية العائلة السعودية الحاكمة، التي تعاني من انقسام داخلي سياسي وديني، ولم تحظ الرعاية بشعبية في المنطقة، لأن معظم أنظمة المنطقة تتبع تفسيرا للدين يختلف عن ذلك التي تطبقه الرياض"، بحسب ماتراه صحيفة الغارديان.
لكن يمكن ان نضيف اليها سبب اخر... قد يعكس حجم الهوة بين المسلمين عموما وبين المذاهب الاسلامية على وجه الخصوص، وهو ماولده (الصراع الطائفي) عموديا... على مستوى التطرف الفكري والعقائدي للجماعات الارهابية التي اتبعت تفسيرا متشددا للاسلام وما نتج عنه من تشويه القيم الحقيقية التي نادت بها الرسالة المحمدية بعد ان نقلت صورة سيئة لمن يتبع الديانة الاسلامية عالميا، وافقيا... من خلال احتدام الصراع المذهبي (السني-الشيعي)، اضافة الى الصراع الداخلي لذات المذاهب الاسلامية الكبيرة والفرق الاخرى... وهو صراع ولد العديد من الحروب الاهلية والدمار والقتل، بسبب تفسيرات خاطئة عن طبيعة الاسلام بين المسلمين انفسهم.
هذه البيئة غالبا ما توفر مناخا مثاليا لاستغلال المواسم الاسلامية (المقدسة) كذريعة لتبادل الاتهامات، واستباق الاخرين في سلب الشرعية الدينية من الطرف الاخر... والسبب في ذلك تجريد الخصم من سلاح قوي يحافظ على بقاء الكيان السلطوي للنظام الذي استمد شرعيته من (قدسية) هذه الشعائر المقدسة في نظر جميع المسلمين...
الخطر الاكبر ياتي من ضرب نقاط الوحدة بين المسلمين، باعتبار (موسم الحج) من المقدسات التي لا يختلف عليها اي مسلم في العالم... اما بالنسبة للسعودية، فهي مناسبة لاستعراض نفوذها الديني والقدسية التي يحضى بها نظامها (الملكي المطلق)، بعد ان انتزع (الاباء المؤسسون) للنظام السعودي، خدمة الحجيج من (الهاشميين) تحت تهديد السلاح... بالمقابل فان ايران تجدها فرصة مناسبة لتذكير العالم الاسلامي بضرورة اعادة النظر في اعادة صياغة ورعاية هذه الشعيرة المقدسة لدى كل المسلمين، وان تكون تحت رعاية ودراية جميع الدول الاسلامية، لادارتها بشكلها السليم، وتدارك الاخطاء السابقة، التي راح ضحيتها الالاف من الحجاج، كانت لايران النسبة الاكبر في حادثة التدافع الاخيرة بمنى...
وبمعنى اكثر وضوحا، تبادل الضربات بين الطرفين حتى في موسم الحج... فالسعوية تتهم ايران باستغلال الحج والعواطف الدينية للحادثة على المستوى السياسي... فيما تتهم ايران السعودية بانها غير مؤهلة لادارة مناسك الحج وتطالب باشراك الجميع فيها، فضلا عن اتهامها بان حروبها العبثية في اليمن وتدخلها في سوريا، والانقسامات الداخلية حول السلطة في المملكة، جعل من رعاية شؤون الحج امرا هامشيا بالنسبة لامرائها... فيما يرى متابعون ان كلا الطرفين يحاول استغلال ما يحدث لاحداث اكثر الضرر بخصمة من دون الالتفات الى حجم الكارثة وحقيقة التقصير وسبل منع تكرار هكذا احداث مستقبلا.
اضف تعليق